قال الله تعالى مثنيا ً على نفسه: ( ۞ ٱللَّهُ نُورُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ مَثَلُ نُورِهِۦ كَمِشۡكَوٰة فِیهَا مِصۡبَاحٌۖ ٱلۡمِصۡبَاحُ فِی زُجَاجَةٍۖ ٱلزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوۡكَب دُرِّیّ یُوقَدُ مِن شَجَرَة مُّبَـٰرَكَة زَیۡتُونَة لَّا شَرۡقِیَّة وَلَا غَرۡبِیَّة یَكَادُ زَیۡتُهَا یُضِیۤءُ وَلَوۡ لَمۡ تَمۡسَسۡهُ نَارۚ نُّورٌ عَلَىٰ نُورۚ یَهۡدِی ٱللَّهُ لِنُورِهِۦ مَن یَشَاۤءُۚ وَیَضۡرِبُ ٱللَّهُ ٱلۡأَمۡثَـٰلَ لِلنَّاسِۗ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَیۡءٍ عَلِیم ) النور: 35.

جاء في الصحيحين: ان النبي صل الله عليه وسلم كان يدعو بهؤلاء: ” اللهم اجعل في قلبي نورا ً، وفي بصري نورا ً، وفي سمعي نورا ً، وعن يميني نورا ً، وعن يساري نورا ً، وفوقي نورا ً، وتحتي نورا ً، وأمامي نورا ً، وخلفي نورا ً، واجعل لي نورا ً “.

وأيم الله! ان هذا من أثمن عطاءات الله للعبد: ان يرزقه نوره وهداه.

وحديثنا عن غذاء القلوب، ونعيم الارواح، وبهجة النفوس، وهو أعظم غذاء وأنفعه وأجوده، وكما قيل: 

لها احاديث من ذكراك تشغلها عن الشراب وتلهيها عن الزاد

لها بوجهك نور تستضيء به ومن حديثك في اعقابها حادي 

اذا اشتكت من كلال السير أوعدها روح اللقاء فتقوى عند ميعاد

في ظلال نوره :

قال الله تعالى: ( ٱللَّهُ نُورُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ  ) النور: 35.

ونصوص الكتاب والسنة كما ذكر ابن تيمية رحمه الله التي سمى الله نفسه فيها (نورا ً) جاءت بثلاثة:

الأول: اتصافه بصفة النور في قوله تعالى: ( وَأَشۡرَقَتِ ٱلۡأَرۡضُ بِنُورِ رَبِّهَا  ) الزمر: 69، وفي الحديث الشريف: ” وألقى عليهم نورا ً ” حديث صحيح، رواه ابن حبان.

الثاني: كونه سبحانه وتعالى نورا ً، ( ٱللَّهُ نُورُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ ) النور: 35، وفي الحديث الشريف: ” أنت نور السماوات والارض ” اخرجه البخاري ومسلم.

الثالث: حجابه النور، كما في الحديث الصحيح: ” حجابه النور، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى اليه بصره من خلقه ” اخرجه مسلم.

سبحات وجهه: بهاؤه ونوره.

ونور الله عز وجل الذي يتصف به لا يشبه الانوار المخلوقة: ( لَیۡسَ كَمِثۡلِهِۦ شَیۡءۖ وَهُوَ ٱلسَّمِیعُ ٱلۡبَصِیرُ ) الشورى: 11.

والنور من أسمائه أيضا ً ومن أوصافه سبحان ذي البرهان

أهديك كلمات ..

قال العلامة عبد الرحمن السعدي رحمه الله: من أسمائه جل جلاله ومن أوصافه ( النور ): الذي هو وصفه العظيم فإنه ذو الجلال والإكرام، وذو البهاء والسبحان، الذي لو كشف الحجاب عن وجهه الكريم لأحرقت سبحاته ما انتهى اليه بصره من خلقه.

وهو الذي استنارت به العوالم كلها فبنور وجهه أشرقت الظلمات، واستنار به العرش والكرسي والسبع الطباق وجميع الاكوان، وهذا نور حسّي.

وأما النور المعنوي: فهو النور الذي نور قلوب أنبيائه وأصفيائه وأوليائه وملائكته، من أنوار معرفته وأنوار محبته، فإن لمعرفته في قلوب أوليائه أنوارا ً بحسب ما عرفوه من نعوت جلاله وما اعتقدوه من صفات جماله.

حلاوة هدايته !

فإذا عرفت الله سبحانه  وتعالى اصبت اعظم المعارف كلها فالعلم به أجل العلوم، والعلم النافع كله أنوار في القلوب، فكيف بهذا العلم الذي هو افضل العلوم وأجلها وأصلها وأساسها ؟

وهنا: يصدق على قلبك قوله تعالى: ( مَثَلُ نُورِهِۦ كَمِشۡكَوٰة فِیهَا مِصۡبَاحٌۖ ٱلۡمِصۡبَاحُ فِی زُجَاجَةٍۖ ٱلزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوۡكَب دُرِّیّ یُوقَدُ مِن شَجَرَة مُّبَـٰرَكَة زَیۡتُونَة لَّا شَرۡقِیَّة وَلَا غَرۡبِیَّة یَكَادُ زَیۡتُهَا یُضِیۤءُ وَلَوۡ لَمۡ تَمۡسَسۡهُ نَارۚ نُّورٌ عَلَىٰ نُورۚ یَهۡدِی ٱللَّهُ لِنُورِهِۦ مَن یَشَاۤءُۚ وَیَضۡرِبُ ٱللَّهُ ٱلۡأَمۡثَـٰلَ لِلنَّاسِۗ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَیۡءٍ عَلِیم ) النور: 35.

وهذا النور المضروب هو: نور الايمان بالله عز وجل وبصفاته وآياته، مثله في قلوب المؤمنين مثل: هذا النور الذي جمع جميع الاوصاف.

ولذلك كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: ” اللهم اجعل في قلبي نورا ً، وفي بصري نورا ً، وفي سمعي نورا ً، وعن يميني نورا ً، وعن يساري نورا ً، وفوقي نورا ً، وتحتي نورا ً، وأمامي نورا ً، وخلفي نورا ً، واجعل لي نورا ً ” أخرجه البخاري، ومسلم.

ومتى امتلأ القلب من هذا النور فاض على الوجه، فاستنار الوجه، وانقادت الجوارح بالطاعة مذعنة مطيعة، كما جاء في الكتاب والسنة، والله تعالى يقول: ( یَهۡدِی ٱللَّهُ لِنُورِهِۦ مَن یَشَاۤءُۚ ) النور: 35. 

قال ابن السعدي رحمه الله: لما استنارت بالصلاة بواطنهم، استنارت بالجلال ظواهرهم، ( سِیمَاهُمۡ فِی وُجُوهِهِم مِّنۡ أَثَرِ ٱلسُّجُودِۚ ) الفتح: 29.

وهذا النور يمنع العبد من ارتكاب الفواحش، كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال: ” لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشرب وهو مؤمن، ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن .. ” اخرجه البخاري ومسلم.

كتابه نور :

اخبرنا الله عز وجل ان الكتب المنزلة من عنده، نور يضيء الله به قلوب العباد، قال سبحانه وتعالى: ( إِنَّاۤ أَنزَلۡنَا ٱلتَّوۡرَىٰةَ فِیهَا هُدى وَنُورۚ  ) المائدة: 44، وقال: ( وَءَاتَیۡنَـٰهُ ٱلۡإِنجِیلَ فِیهِ هُدى وَنُور ) المائدة: 46.

وأعظم الانوار المنزلة، الكتاب الذي أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم، قال سبحانه وتعالى: ( قَدۡ جَاۤءَكُم مِّنَ ٱللَّهِ نُور وَكِتَـٰب مُّبِین ) المائدة: 15.

به أخرج الله سبحانه وتعالى الذين آمنوا من الظلمات الى النور: ( الۤرۚ كِتَـٰبٌ أَنزَلۡنَـٰهُ إِلَیۡكَ لِتُخۡرِجَ ٱلنَّاسَ مِنَ ٱلظُّلُمَـٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ بِإِذۡنِ رَبِّهِمۡ إِلَىٰ صِرَ ٰطِ ٱلۡعَزِیزِ ٱلۡحَمِیدِ ) ابراهيم: 1، ولذا: لما علم الكفار مدى قوة تأثير هذا النور في هذه الامة، جاهدوا أن يطفئوه، ولكن الله عز وجل حافظ كتابه، ( یُرِیدُونَ لِیُطۡفِـُٔوا۟ نُورَ ٱللَّهِ بِأَفۡوَ ٰهِهِمۡ وَٱللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِۦ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡكَـٰفِرُونَ ) الصف: 8، والله حافظ هذه الامة ما دامت متمسكة بكتابه عز وجل.

خلاصة القول:

لما كان النور من أسمائه وصفاته، كان: دينه نورا ً، ورسوله نورا ً، وكلامه نورا ً، ودار كرامته لعباده نورا ً يتلألأ، والنور يتوقد في قلوب عباده المؤمنين، ويجري على ألسنتهم ويظهر على جوارحهم، ويتم الله عز وجل عليهم هذا النور يوم القيامة، فالله قد قال: ( نُورُهُمۡ یَسۡعَىٰ بَیۡنَ أَیۡدِیهِمۡ وَبِأَیۡمَـٰنِهِمۡ یَقُولُونَ رَبَّنَاۤ أَتۡمِمۡ لَنَا نُورَنَا وَٱغۡفِرۡ لَنَاۤۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡء قَدِیر ) التحريم: 8.

اللهم يا نور السماوات والارض أتمم لنا نورنا واغفر لنا، إنك على كل شيء قدير.

ساهم في التعريف بأسماء الله الحسنى

انت المشاهد رقم