قال ابن حجر: من كان بالله وأسمائه وصفاته وأفعاله وأحكامه أعلم؛ كان له أخشى وأتقى، وإنما تنقص الخشية بحسب نقص المعرفة بالله.

والعبد لما علم بأن الله هو المحيط؛ اطمأنت نفسه، وزال همه، وتعلق قلبه بربه المحيط.

أخبر الله عباده أنه المحيط، فقال سبحانه وتعالى: ( وَلِلَّهِ مَا فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَمَا فِی ٱلۡأَرۡضِۚ وَكَانَ ٱللَّهُ بِكُلِّ شَیۡء مُّحِیطا ) النساء: 126.

فربنا عز وجل لا يغيب عن علمه شيء صغير أو كبير، ظاهر و باطن؛ فإنه كما وصف نفسه: ( أَلَاۤ إِنَّهُۥ بِكُلِّ شَیۡء مُّحِیطُۢ ) فصلت: 54.

وإحاطته تشتمل على العلم والاطلاع على الأحوال كلها، كما تشتمل على : القدرة وعدم الفوت، كما تشتمل على: السلطان والحكم.

جاء في شرح الطحاوية: اما كونه محيطا ً بكل شيء، فقال صلى الله عليه وسلم: ( وَٱللَّهُ مِن وَرَاۤىِٕهِم مُّحِیطُۢ ) البروج: 20، ( أَلَاۤ إِنَّهُۥ بِكُلِّ شَیۡء مُّحِیطُۢ ) فصلت: 54، وليس المراد من إحاطته بخلقه: أنه كالفلك، وأن المخلوقات داخل ذاته المقدسة – تعالى الله عن ذلك علوا ً كبيرا ً.

وإنما المراد: إحاطة عظمته، وسعة علمه وقدرته، وأنها بالنسبة إلى عظمته كالخردلة كما روي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: ما السماوات السبع والأرضون السبع وما فيهن وما بينهن في يد الرحمن إلا كخردلة في يد أحدكم.

إنه المحيط:

فإحاطة الله سبحانه وتعالى بخلقه: إحاطة تامة؛ لا يهرب منهم أحد، ولا يند منهم أحد، أحاطت بهم قدرته، وأحاط بهم علمه، أحاط بذواتهم وأقوالهم وأعمالهم؛ كما قال سبحانه وتعالى: ( وَأَنَّ ٱللَّهَ قَدۡ أَحَاطَ بِكُلِّ شَیۡءٍ عِلۡمَۢا ) الطلاق: 12.

وهذه الإحاطة العامة، لأهل السماوات والأرض وهي إحاطة رحمة.

وأما الإحاطة الخاصة، فهي إحاطة قهر وفيها: تهديد للعصاة والمعاندين.

وأكثر ما جاء الاسم في مواضع التهديد والوعيد للكفار والمنافقين فهو عالم بما يمكرون وما يكذبون، وهو سبحانه وتعالى من ورائهم محيط، ولهم بالمرصاد، مردهم إليه، وطريتهم إليه، ولا يفوتونه سبحانه: فإلى أين المهرب والمصير؟

فقال سبحانه وتعالى عن الكافرين: ( وَٱللَّهُ مُحِیطُۢ بِٱلۡكَـٰفِرِینَ ) البقرة: 19.

وكذلك قال عز وجل عن اهل الرياء والبطر: ( وَلَا تَكُونُوا۟ كَٱلَّذِینَ خَرَجُوا۟ مِن دِیَـٰرِهِم بَطَرا وَرِئَاۤءَ ٱلنَّاسِ وَیَصُدُّونَ عَن سَبِیلِ ٱللَّهِۚ وَٱللَّهُ بِمَا یَعۡمَلُونَ مُحِیط ) الأنفال: 47.

وقال عن أهل الشماتة والكيد من الكفار والمنافقين: ( إِن تَمۡسَسۡكُمۡ حَسَنَة تَسُؤۡهُمۡ وَإِن تُصِبۡكُمۡ سَیِّئَة یَفۡرَحُوا۟ بِهَاۖ وَإِن تَصۡبِرُوا۟ وَتَتَّقُوا۟ لَا یَضُرُّكُمۡ كَیۡدُهُمۡ شَیۡـًٔاۗ إِنَّ ٱللَّهَ بِمَا یَعۡمَلُونَ مُحِیط ) آل عمران: 120.

وإذا نزل عذاب الله عز وجل بقوم فإنه يحيط بهم، ( وَإِنِّیۤ أَخَافُ عَلَیۡكُمۡ عَذَابَ یَوۡم مُّحِیط ) هود: 84.

والنار يوم القيامة محيطة بالكافرين: ( إِنَّاۤ أَعۡتَدۡنَا لِلظَّـٰلِمِینَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمۡ سُرَادِقُهَاۚ ) الكهف: 29.

اطمئن !

والمؤمن اذا علم ان الله هو المحيط: اطمأنت نفسه وتوكل على ربه وأثناه، فهو لا يتباطأ عون الله، ولا يقنط من رحمته، ولا يقطع امله من الفرج، فإن الفرج آتيه لا محالة.

فهو يعلم ان خرق السفينة هي: قمة المعروف، وقتل الغلام هي: قمة الرحمة وحبس كنز اليتيمين هي: قمة الوفاء، ( وَكَیۡفَ تَصۡبِرُ عَلَىٰ مَا لَمۡ تُحِطۡ بِهِۦ خُبۡرا ) الكهف: 68.

لكن للأمور أوقاتا وللمقدور عمرا ً ؛ لابد أن يقضيه حتى يصل، وكل شيء عند الله بأجل مسمى، ( وَإِن تَصۡبِرُوا۟ وَتَتَّقُوا۟ لَا یَضُرُّكُمۡ كَیۡدُهُمۡ شَیۡـًٔاۗ إِنَّ ٱللَّهَ بِمَا یَعۡمَلُونَ مُحِیط ) آل عمران: 120.

فالله عز وجل جعل لكل شيء قدرا ً، وله زمنا لا يتجاوزه، ووقتا لا يتخطاه، فإذا جاء موعد المقدور فلا يستأخر عن وقته ساعة ولا يستقدم.

وللكرية وقت ثم تزول، ولها زمن ثم تحول؛ فلا يستعجل الحصول المرغوب وإزاحة المرهوب، فالأمر ليس للعبد، فإن العبد عليه بذل السبب والصبر، فنصر الله عز وجل وفرجه لا يعز على طالب في أي مكان.

إبراهيم عليه السلام يحاط به، ويأتي في النار، فتكون بردا ً وسلاما ً.

ويوسف يحيط به إخوانه، ويلقونه في الجب، ثم يحاط به مرة أخرى من امرأة العزيز ومن معها، ثم يسجن، لكن الله المحيط سبحانه وتعالى رد كيد الأعداء، فكانت إحاطتهم نصرا ً وفتحا ً ليوسف ليكون عزيزا ً على خزائن الأرض.

يحاط ببيت أم موسى عليه السلام فيلقى موسى في اليم، فكانت إحاطتهم فرجا لها وله؛ فيرجع إليها وهي مطمئنة.

يحيط فرعون بموسى ومن معه، فكانت إحاطتهم هلاك فرعون، وانتصار موسی .

يحيط الكافرون ببيت رسول الله ، فيخرج من مكة طريدا ً حزينا ً ثم يحيط الله بأعدائه، فيرجع إليها فاتحا ً منتصرا ً.

فالمؤمن كلما استشعر إحاطة الله عز وجل زاد إيمانه، وفرح بربه، وفر إليه خاضعا ً لعظمته مستسلما ً لأمره، ممتثلا ً لقوله: ( فَفِرُّوۤا۟ إِلَى ٱللَّهِۖ إِنِّی لَكُم مِّنۡهُ نَذِیر مُّبِین ) الذاريات: 50.

بك أستجير ومن يجير سواكا فأجر ضعيفا يحتمي بحماكا 

إني أويت لكل مأوى في الحياة فما رأيت أعز من مأواكا 

فأقبل دعائي واستجب لرجاوتي ما خاب يوما من دعا ورجاكا 

اللهم! باسمك المحيط نسألك: أن تحيط أعداءنا بالعذاب من عندك، وأن تجعل لنا من كل هم فرجا ً، ومن كل ضيق مخرجا ً.

ساهم في التعريف بأسماء الله الحسنى

انت المشاهد رقم