أخرج عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: جاء حبر من الأحبار الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد ! إنا نجد ان الله يجعل السماوات على إصبع والأرضين على إصبع، والشجر على اصبع والماء والثرى على إصبع، وسائر الخلائق على إصبع، فيقول: انا الملك.

فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه تصديقا ً لقول الحبر، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( وَمَا قَدَرُوا۟ ٱللَّهَ حَقَّ قَدۡرِهِۦ وَٱلۡأَرۡضُ جَمِیعا قَبۡضَتُهُۥ یَوۡمَ ٱلۡقِیَـٰمَةِ وَٱلسَّمَـٰوَ ٰتُ مَطۡوِیَّـٰتُۢ بِیَمِینِهِۦۚ سُبۡحَـٰنَهُۥ وَتَعَـٰلَىٰ عَمَّا یُشۡرِكُونَ ) الزمر: 67.

لا يعلم ما يستحق إلا هو ..!

ولا يحيط بعلمه سواه ..!

ولا يقدر قدره إلا هو ..!

ولا يحسن الثناء عليه غيره ..!

البيان والبلاغة والتعبير .. تعلن عن التقصير ..!

والحياء يملأ فؤادنا ونحن في هذه الساعة نريد أن نشدو بأوصاف ملك الملوك ! ولنا الشرف ان نمرغ أنوفنا في التراب لجلاله وعظيم سلطانه عز وجل وأن تشرف ألسنتنا وأقلامنا بمديحه، وإن قدسناه او سبحانه او مجدناه، فهذه منة منه علينا عز وجل.

وما بلغ المهدون نحوك مدحه وإن أطنبوا إن الذي فيك أعظم

في ظلال اسم الملك :

( هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ ) الحشر: 23.

فربنا عز وجل هو الذي ينفذ امره في ملكه، وهو مالك الملك كله وهو تام الملك، وهو مالك يوم الدين وهو مليك الخلق، ولا مليك فوقه ولا شيء إلا دونه، متصرف بجميع الأشياء فلا ممانع ولا مدافع له عز وجل.

ملك عزيز لا يفارق عزه يقضي ويرجى عنده الغفران 

ملك له ظهر الفضاء وبطنه لم تبل جدة ملكه الأزمان

ملك هو الملك الذي من حلمه يعصي بحسن بلائه ويخان 

يبلي لكل مسلطن سلطانه والله لا يبلي له سلطان 

فالملك الحقيقي لله عز وجل وحده لا يشاركه فيه أحد وكل من ملك شيئا ً فإنما هو بتمليك الله له، قال صلى الله عليه وسلم: ” لا مالك إلا الله عز وجل ” وفي رواية: ” لا ملك إلا الله ” اخرجهما مسلم، ( قُلِ ٱللَّهُمَّ مَـٰلِكَ ٱلۡمُلۡكِ تُؤۡتِی ٱلۡمُلۡكَ مَن تَشَاۤءُ وَتَنزِعُ ٱلۡمُلۡكَ مِمَّن تَشَاۤءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاۤءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاۤءُۖ بِیَدِكَ ٱلۡخَیۡرُۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡء قَدِیر ) آل عمران: 26.

فربنا جل جلاله هو المالك لخزائن السماوات والارض بيده الخير، يرزق من يشاء .

وهو عز وجل المالك للموت والحياة والنشور، والنفع والضر، وإليه يرجع الامر كله.

يتصرف في ملكوته كيف يشاء، كل يوم هو في شأن ! صح عنه صلى الله عليه وسلم انه قال: ” من شأنه أن يغفر ذنبا ً ويفرج كربا ً ورفع قوما ً ويخفض آخرين ” حديث حسن، رواه ابن ماجة.

وهذا ملك الله عز وجل يؤتيه من يشاء: ( وَٱللَّهُ یُؤۡتِی مُلۡكَهُۥ مَن یَشَاۤءُۚ ) البقرة: 247.

جاء في مسند الامام احمد، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تسبوا الدهر! فإن الله عز وجل قال: انا الدهر، الايام والليالي لي، أجددها وأبليها، وآتي بملوك بعد ملوك ” حديث صحيح، وأوله في صحيح مسلم.

أين الملوك ذوو التيجان من يمن وأين منهم أكاليل وتيجان  

أتى على الكل أمر لا مرد له حتى قضوا فكأن القوم ما كانوا 

الشيطان سول لهم ..

لما اعطى الله عز وجل فرعون الملك، ظن أنه المالك الحقيقي فتكبر وتجبر وظلم الناس، حتى وصل به الحال أنه زعم لنفسه الملك والألوهية ! ( یَـٰۤأَیُّهَا ٱلۡمَلَأُ مَا عَلِمۡتُ لَكُم مِّنۡ إِلَـٰهٍ غَیۡرِی ) القصص: 38، فأهلكه الله عز وجل وجعله عبرة لملوك الأرض إلى قيام الساعة حتى لا يطغيهم الملك وينسيهم أصلهم وضعفهم وميعادهم.

ومع ان الملوك لهم شبهة ملك في الحياة الدنيا فهم يملكون الضياع والقصور والبساتين والذهب والفضة، فإنهم بين خيارين، إما أن يزول عنهم أو يزولون عنه، فهو ملك زائل، وعارية مسترجعة.

فذكرهم الله عز وجل بأن مرجعهم إليه، ( وَلِلَّهِ مُلۡكُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَمَا بَیۡنَهُمَاۖ وَإِلَیۡهِ ٱلۡمَصِیرُ ) المائدة: 18.

ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التسمي بـ (ملك الملوك)، جاء في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ” أخنع الأسماء عند الله، رجل تسمى بملك الأملاك “.

مالك يوم الدين ..

يوم القيامة يأخذ الله عز وجل السماوات بيمينه والأرض بيده الاخرى كما قال سبحانه وتعالى: ( وَمَا قَدَرُوا۟ ٱللَّهَ حَقَّ قَدۡرِهِۦ وَٱلۡأَرۡضُ جَمِیعا قَبۡضَتُهُۥ یَوۡمَ ٱلۡقِیَـٰمَةِ وَٱلسَّمَـٰوَ ٰتُ مَطۡوِیَّـٰتُۢ بِیَمِینِهِۦۚ سُبۡحَـٰنَهُۥ وَتَعَـٰلَىٰ عَمَّا یُشۡرِكُونَ ) الزمر: 67.

جاء في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” يقبض الله الارض يوم القيامة ويطوي السماء بيمينه ثم يقول انا الملك، أين ملوك الارض؟ “

وجاء في صحيح مسلم من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” يطوي الله عز وجل السماوات يوم القيامة، ثم يأخذهن بيده اليمنى، ثم يقول: انا الملك، أين الجبارون ؟ أين المتكبرون ؟ 

ثم يطوي الأرضين بشماله ثم يقول: انا الملك، أين الجبارون ؟ أين المتكبرون ؟ “

وفي يوم القيامة: ينادي الرب جل جلاله ( لِّمَنِ ٱلۡمُلۡكُ ٱلۡیَوۡمَۖ )؟ فلا يجيبه احد ! فيجيب الحق نفسه بنفسه: ( لِلَّهِ ٱلۡوَ ٰحِدِ ٱلۡقَهَّارِ ) غافر: 16.

ملكه تام :

ومع أن الله عز وجل هو الملك، وهو غني عن عبادتنا، لكن من جميل إحسانه وامتنانه على عباده، قرن اسمه (الملك) ببعض أسمائه لتطمئن النفوس وتشتاق للقائه، قال عز وجل ( الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4) ) الفاتحة: 3 – 4، وقال تعالى ( هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (22) هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ ) الحشر: 22 – 23، والله عز وجل يخبرنا بأن الملك لا يحسن ولا يكمل إلا مع الإحسان والرحمة، فهو جل جلاله الملك الرحيم.

وملك ربنا عز وجل منزه عن النقائص: ( یُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَمَا فِی ٱلۡأَرۡضِ ٱلۡمَلِكِ ٱلۡقُدُّوسِ ٱلۡعَزِیزِ ٱلۡحَكِیمِ ) الجمعة: 1.

ولما كانت ملوك الارض تصيبهم النقائص من غرور واسترسال في الشهوات، وظلم وجور، فالله عز وجل اخبرنا بأن ملكه تام، مجتمع فيه كل صفات الكمال الحسان، ولهذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا سلم بعد الوتر قال: ” سبحان الملك القدوس ” ثلاثا ً، ويرفع صوته بالثالثة. حديث صحيح، رواه النسائي.

والواجب على العبد أن يحمد الله على ملكه ورحمته وأن يثني عليه على الوام، قال الله عز وجل ( لَهُ ٱلۡمُلۡكُ وَلَهُ ٱلۡحَمۡدُۖ ) التغابن: 1، فهو محمود في ملكه فإن الملك لا حمد يستلزم نقصا ً، والحمد بلا ملك يستلزم عجزا ً، والحمد مع الملك غاية الكمال والجلال.

ومن جلال ملكه أنه يجير من استجار به ولا يقدر أحد أن يجير ويحمي من أراد الله هلاكه: ( قُلۡ مَنۢ بِیَدِهِۦ مَلَكُوتُ كُلِّ شَیۡء وَهُوَ یُجِیرُ وَلَا یُجَارُ عَلَیۡهِ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ ) المؤمنون: 88.

يا مالكا ً هو بالنواصي آخذ وقضاؤه في كل شيء نافذ 

أنا عائد بك يا كريم ولم يخب عبد بعزك مستجير عائد

يا من لا يزول ملكه !

قال أهل السير: لما بنى هارون الرشيد قصره، ولم ير مثله قط في الجمال في زمانه، دخل الناس يهنئونه ودخل معهم أبو العتاهية، فقام وأنشد:

عش ما بدا لك سالما في ظل شاهقة القصور 

يسعى إليك بما اشتهيت لدى الارواح وفي البكور 

يجري عليك بما أردت مع الغدو مع البكور 

فإذا النفوس تقعقعت في ظل حشرجة الصدور 

فهناك تعلم موقنا ما كنت إلا في غرور 

فبكى هارون حتى وقع على الارض ولم يمض عليه شهر واحد حتى أصبح في عداد الموتى.

هارون ! الذي قال للسحابة: امطري أنى شئت، فإن خراجك سيصل إلى! هارون.. الذي كان يحج عاما ً ويغزوا عاما ً ؟

وعبد الملك بن مروان (حاكم العالم الاسلامي) لما أتته سكرات الموت سمع غسالا ً حول قصره يغني في سعادة وهناك ! فقال عبد الملك: يا ليتني كنت غسالا ً ! يا ليتني ما عرفت الملك والخلافة ! ثم مات.

وآخر يقول: يا من لا يزول ملكه، ارحم من زال ملكه، ولما سمع سعيد ابن المسيب هذه الكلمات رد عليه قائلا ً: الحمد لله الذي جعلهم يفرون إلينا في سكرات الموت، ولا نفر إليهم.

اقرع باب الملك !

أيها القارئ ! المرض يزول والمصاب يحول والذنب يغفر والدين يقضى، والمحبوس يفك والغائب يقدم، والعاصي يتوب والفقير يغتني، وهذه جميعها بيد ملك الملوك جل جلاله، فليكن الله ملاذك ومعاذك ورجاءك في كل ساعة وفي كل حين، وخاصة في آخر الليل، فإن الله جل جلاله ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا وينادي: ” أنا الملك، أنا الملك، من ذا الذي يدعوني فأستجيب له ؟ من ذا الذي يسألني فأعطيه ؟ من ذا الذي يستغفرني فأغفر له ؟ فلا يزال كذلك حتى يضيء الفجر ” اخرجه مسلم.

ونبينا صلى الله عليه وسلم وهو أعلم الخلق بالله وأشدهم له عبادة حثنا أن نردد على الدوام والإقرار بملك الله جل جلاله بعد الصلوات مباشرة وعند الفزع من النوم ليلا ً وأن يكون ذلك من ضمن أورادنا في الصباح والمساء وبعد العودة من السفر، ثم إن كررت ذلك مائة مرة في يومك كنت من الفائزين.

صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ” من قال لا اله الا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد ، وهو على كل شيء قدير .. كانت له عدل عشر رقاب وكتبت له مائة حسنة، ومحيت عنه مائة سيئة، وكانت له حرزا ً من الشيطان، يومه ذلك حتى يمسي ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به، إلا أحد عمل اكثر من ذلك ” أخرجه البخاري ومسلم.

اللهم يا مالك يوم الدين ! اجعل خير اعمارنا آخرها، وهو علينا الحساب يا رب العالمين.

ساهم في التعريف بأسماء الله الحسنى

انت المشاهد رقم