يا رب عدت الى رحابك تائبا ً مستسلما ً مستمسكا ً بعراكا 

ما لي وما للأقوياء وأنت يا ربي عظيم الشأن ما أقواكا 

إني أويت لكل مأوى في الحياة فما رأيت أعز من مأواكا 

حديثنا عن ربنا سبحانه وتعالى القائل: ( إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلرَّزَّاقُ ذُو ٱلۡقُوَّةِ ٱلۡمَتِینُ ) الذاريات: 58، والقائل: ( وَرَدَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ بِغَیۡظِهِمۡ لَمۡ یَنَالُوا۟ خَیۡراۚ وَكَفَى ٱللَّهُ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ ٱلۡقِتَالَۚ وَكَانَ ٱللَّهُ قَوِیًّا عَزِیزا ) الأحزاب: 25، والقائل: ( إِنَّ ٱللَّهَ قَوِیٌّ عَزِیز ) الحديد: 25.

فربنا القوي عز وجل هو الذي لا يعتريه ضعف او قصور، ولا يتأثر بوهن او فتور.

وربنا عز وجل هو الذي لا يغلبه غالب، ولا يمنعه مانع، ولا يدفعه دافع، ولا يرد قضاءه راد، له القوة المطلقة والارادة الكاملة.

وهو عز وجل المتناهي في القوة.

وربنا عز وجل كمل في قوته، قادر على الاشياء كلها، لا يستولى عليه عجز ولا نصب في حال من الاحوال، نافذ أمره في أي وقت شاء سبحانه وتعالى في ارضه او سماواته.

قوي عز وجل في بطشه وعقابه.

تفرد بالقوة: ( أَنَّ ٱلۡقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِیعا ) البقرة: 165.

وهو القوي بقوة في وصفه وعليك يقدر يا أخا السلطان

القوة منه ..

فما لنا لا تنقطع قلوبنا إليه ؟ وما لنا لا نعتمد في مهامنا وحاجتنا عليه ؟ فما أفقرنا إلى قوته وغناه ؟

لا قوة لنا إلا بقوته وتوفيقه سبحانه وتعالى، ولا حول لنا على اجتناب المعاصي ودفع شرور النفس إلا به.

هذه القوة يمحنها الله عز وجل لمن يشاء، شأنها شأن الرزق العام.

والإنسان ضعيف، خلق ضعيفا ً، وولد ضعيفا ً، ويموت ضعيفا ً، قال الله عز وجل: ( وَخُلِقَ ٱلۡإِنسَـٰنُ ضَعِیفا ) النساء: 28، وقال عز وجل: ( ۞ ٱللَّهُ ٱلَّذِی خَلَقَكُم مِّن ضَعۡف ثُمَّ جَعَلَ مِنۢ بَعۡدِ ضَعۡف قُوَّة ثُمَّ جَعَلَ مِنۢ بَعۡدِ قُوَّة ضَعۡفا وَشَیۡبَةۚ یَخۡلُقُ مَا یَشَاۤءُۚ وَهُوَ ٱلۡعَلِیمُ ٱلۡقَدِیرُ ) الروم: 54.

أيام الله .. 

لما سنى كثير من العباد هذه الحقيقة أن الاصل في الانسان انه ضعيف ولا حول ولا قوة الا بالله، جرهم الشيطان إلى الاغترار بقوتهم حتى نسوا قوة الله عز وجل، فأخذوا يتمادون في غيهم !

فهذه أمة عاد، قال الله عز وجل فيها: ( فَأَمَّا عَاد فَٱسۡتَكۡبَرُوا۟ فِی ٱلۡأَرۡضِ بِغَیۡرِ ٱلۡحَقِّ وَقَالُوا۟ مَنۡ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةًۖ أَوَلَمۡ یَرَوۡا۟ أَنَّ ٱللَّهَ ٱلَّذِی خَلَقَهُمۡ هُوَ أَشَدُّ مِنۡهُمۡ قُوَّةۖ وَكَانُوا۟ بِـَٔایَـٰتِنَا یَجۡحَدُونَ ) فصلت: 15.

ولما قال لهم هود عليه السلام: اتقوا الله واعبدوه وحده، قالوا: ( مَنۡ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةًۖ  ) فصلت: 15، قهرنا العباد، ونحن نقدر ان ندفع اي عذاب بفضل قوتنا، غرهم طول أجسامهم، قال ابن عباس رحمه الله: كان أطولهم: مائة ذراع، وأقصرهم: ستين ذراعا ً.

ولما بلغ التحدي ذروته والعصيان قمته وانحلاله، ارسل الله عز وجل عليهم جندا ً من جنوده، ريحا ً صرصرا ً في أيام نحسات، قال الله عز وجل: ( فَأَرۡسَلۡنَا عَلَیۡهِمۡ رِیحا صَرۡصَرا فِیۤ أَیَّام نَّحِسَات لِّنُذِیقَهُمۡ عَذَابَ ٱلۡخِزۡیِ فِی ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَاۖ وَلَعَذَابُ ٱلۡـَٔاخِرَةِ أَخۡزَىٰۖ وَهُمۡ لَا یُنصَرُونَ ) فصلت: 16.

وهذه سنة من سنن الله في الارض، وعلى مر التاريخ: أن المغتر بقوته والمتكبر نهايته كحال قوم عاد، تأخذه قوة الملك الجبار.

لذا، قال سبحانه وتعالى: ( قُلۡ سِیرُوا۟ فِی ٱلۡأَرۡضِ ثُمَّ ٱنظُرُوا۟ كَیۡفَ كَانَ عَـٰقِبَةُ ٱلۡمُكَذِّبِینَ ) الانعام: 11، لعلهم يعتبرون بمصارع الغابرين! فعشرات الامم فكرت بالله ورسله، واغترت بقوتها وشؤونها وعمارتها في الارض، فأخذهم الله أخذ عزيز مقتدر: ( فَكُلًّا أَخَذۡنَا بِذَنۢبِهِۦۖ فَمِنۡهُم مَّنۡ أَرۡسَلۡنَا عَلَیۡهِ حَاصِبا وَمِنۡهُم مَّنۡ أَخَذَتۡهُ ٱلصَّیۡحَةُ وَمِنۡهُم مَّنۡ خَسَفۡنَا بِهِ ٱلۡأَرۡضَ وَمِنۡهُم مَّنۡ أَغۡرَقۡنَاۚ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِیَظۡلِمَهُمۡ وَلَـٰكِن كَانُوۤا۟ أَنفُسَهُمۡ یَظۡلِمُونَ ) العنكبوت: 40.

أحاط المشركون بالنبي صلى الله عليه وسلم واصحابه رضي الله عنهم قاصدين اجتثاثهم من الارض في غزوة الاحزاب، فأرسل الله عز وجل جندا ً من جنوده: ريحا ً جعلتهم يفرون من حول المدينة: ( وَرَدَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ بِغَیۡظِهِمۡ لَمۡ یَنَالُوا۟ خَیۡراۚ وَكَفَى ٱللَّهُ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ ٱلۡقِتَالَۚ وَكَانَ ٱللَّهُ قَوِیًّا عَزِیزا ) الأحزاب: 25.

صبي يهلك ملكا ً وماء يغرق قوما ً، وبحر يدمر جيشا ً، وبعوضة تذل نمرودا ً، وأرض تبلغ قارون، وطيور تطحن أبرهة..

إنه القوي يدهشك بقوته جل جلاله.

إلى الله كل الامر في الخلق كله وليس إلى الخلق شيء من الأمر

ألا أدلك ؟؟

كلما ازداد علم العبد بمعنى اسم الله (القوي) زاد توكله على الله عز وجل واستمد قوته منه، وذلك بالتبرؤ من حوله وقوته، صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال لأحد أصحابه: ” ألا أدلك على كلمة هي كنز من كنوز الجنة ؟ لا حول ولا قوة الا بالله ” أخرجه البخاري وهذا لفظه، ومسلم، أي: لا تحول من حال الى حال، ولا قدرة على ذلك إلا بمعونة الله عز وجل وتسديده وتأييده.

قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: لا حول ولا قوة الا بالله، لا حول عن معصية الله إلا بعصمته، ولا قوة على طاعته إلا بمعونته.

يقول ابن القيم رحمه الله: وهذه الكلمة لها تأثير عجيب في معالجة الأشغال الصعبة، وتحمل المشاق، والدخول على الملوك ومن يخاف منه، وركوب الاهوال ولها تأثير ايضا ً في دفع الفقر.

والله سبحانه وتعالى يحب أن يراك ذاكرا ً لقوته: ( وَلَوۡلَاۤ إِذۡ دَخَلۡتَ جَنَّتَكَ قُلۡتَ مَا شَاۤءَ ٱللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِٱللَّهِۚ إِن تَرَنِ أَنَا۠ أَقَلَّ مِنكَ مَالا وَوَلَدا ) الكهف: 39.

ومع محبة الله للمتواضعين، فهو يحب الاقوياء من المؤمنين، صح عنه صلى الله عليه وسلم انه قال: ” المؤمن القوي خير وأحب الله الى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير ” أخرجه مسلم.

والصفتان اجتمعتا في قوله عز وجل: ( أَذِلَّةٍ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِینَ أَعِزَّةٍ عَلَى ٱلۡكَـٰفِرِینَ ) المائدة: 54، ولا قوة لأمة إلا بالعلم والعمل، لأن الله سبحانه وتعالى قال: ( وَأَعِدُّوا۟ لَهُم مَّا ٱسۡتَطَعۡتُم مِّن قُوَّة وَمِن رِّبَاطِ ٱلۡخَیۡلِ تُرۡهِبُونَ بِهِۦ عَدُوَّ ٱللَّهِ وَعَدُوَّكُمۡ وَءَاخَرِینَ مِن دُونِهِمۡ لَا تَعۡلَمُونَهُمُ ٱللَّهُ یَعۡلَمُهُمۡۚ ) الأنفال: 60.

كن لله كما يريد، يكن لك فوق ما تريد.

اللهم يا قوي .. يا عزيز ! انصرنا على القوم الظالمين.

ساهم في التعريف بأسماء الله الحسنى

انت المشاهد رقم