هذه رسالة إلى كل من مل من الحياة، وسئم العيش وضاق ذرعا ً بالايام، وذاق الغصص .. نبشرك بأن هناك فتحا ً مبينا ً ونصرا ً قريبا ً وفرجا ً بعد شدة، ويسرا ً بعد عسر.

هناك أمل مشرق، ومستقبل حافل، ووعد صادق: ( وَعۡدَ ٱللَّهِۖ لَا یُخۡلِفُ ٱللَّهُ وَعۡدَهُۥ وَلَـٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا یَعۡلَمُونَ ) الروم: 6، ألم يقل مولاك وخالقك: ( وَلِلَّهِ ٱلۡأَسۡمَاۤءُ ٱلۡحُسۡنَىٰ فَٱدۡعُوهُ بِهَاۖ ) الأعراف: 180، ثم إذا دعوته بها، فما النتيجة ؟ ( وَقَالَ رَبُّكُمُ ٱدۡعُونِیۤ أَسۡتَجِبۡ لَكُمۡۚ ) غافر: 60.

ونحن في هذا المقام نتقرب إلى الله تعالى بمعرفة اسم من اسمائه الحسنى (المهيمن جل جلاله).

ومعرفة الله عز وجل بأسمائه الحسنى وصفاته هو: أصل الدين وأساس الهدداية وأفضل وأوجب ما اكتسبته القلوب وحصلته النفوس، وأدركته العقول.

اسم الله (المهيمن) ورد في آخر سورة الحشر: ( هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ ) الحشر: 23.

وربنا المهيمن عز وجل هو القائم على خلقه في كل امورهم وشؤونهم، هو المطلع على خفايا الأمور، وخبايا الصدور، الذي أحاط بكل شيء علما ً، الشاهد على الخلق بأعمالهم، الرقيب عليهم فيما يصدر منهم من قول او فعل، لا يغيب عنه من افعالهم شيئا ً، ولا يعزب عنه مثقال ذرة في الارض ولا في السماء: ( وَمَا یَعۡزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثۡقَالِ ذَرَّة فِی ٱلۡأَرۡضِ وَلَا فِی ٱلسَّمَاۤءِ وَلَاۤ أَصۡغَرَ مِن ذَ ٰلِكَ وَلَاۤ أَكۡبَرَ إِلَّا فِی كِتَـٰب مُّبِینٍ ) يونس: 61.

هذه حالات العبد وتقلباته في ليله ونهاره، وسره وجهره، وحضره وسفره، علما علام الغيوب، وأحصاها على العبد: ( فَإِنَّهُۥ یَعۡلَمُ ٱلسِّرَّ وَأَخۡفَى ) طه: 7.

النجوى عنده جهر، والسر عنده علانية، والخافي لديه مكشوف.

إنه المهيمن ..

بات نفر من المنافقين يدبرون الدسائس، ويحيكون الخطط، فكشفهم علام الغيوب وقال تعالى ( یَسۡتَخۡفُونَ مِنَ ٱلنَّاسِ وَلَا یَسۡتَخۡفُونَ مِنَ ٱللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمۡ إِذۡ یُبَیِّتُونَ مَا لَا یَرۡضَىٰ مِنَ ٱلۡقَوۡلِۚ وَكَانَ ٱللَّهُ بِمَا یَعۡمَلُونَ مُحِیطًا ) النساء: 108.

جلس عمير بن وهب وصفوان بن امية بعد بدر عند الكعبة ليلا ً يدبران اغتيال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبر الله رسوله بكيدهم، وأطلعه على فعلهم.

مليك على عرش السماء مهيمن لعزته تعنو الوجوه وتسجد

نعم: انه المهيمن الحافظ جل جلاله والأمين الشاهد، والرقيب على خلقه بأعمالهم.

اطمئن !

يا من ملأت عينيك بالدمع ! كفكف دموعك، وأرح مقلتيك، واهدأ فإن لك من خالق الوجود ولاية، وعليك من لطفه رعاية.

واطمئن أيها العبد ! فقد فرغ من القضاء ووقع الاختيار، وحصل اللطف.

كم من مرة خفنا من الموت، فما متنا ؟

كم من مرة ضاقت بنا السبل، وتقطعت بنا الحبال، وأظلمت في وجوهنا الآفاق، فإذا هو الفتح والنصر، والخير والبشارة ؟ ( قُلِ ٱللَّهُ یُنَجِّیكُم مِّنۡهَا وَمِن كُلِّ كَرۡب ثُمَّ أَنتُمۡ تُشۡرِكُونَ ) الأنعام: 64.

كم مرة أظلمت أمامنا الدنيا، وضاقت علينا السماء والارض بما رحبت فإذا هو بالخير العميم واليسر ؟ ( وَإِن یَمۡسَسۡكَ ٱللَّهُ بِضُرّ فَلَا كَاشِفَ لَهُۥۤ إِلَّا هُوَۖ وَإِن یُرِدۡكَ بِخَیۡر فَلَا رَاۤدَّ لِفَضۡلِهِۦۚ یُصِیبُ بِهِۦ مَن یَشَاۤءُ مِنۡ عِبَادِهِۦۚ وَهُوَ ٱلۡغَفُورُ ٱلرَّحِیمُ ) يونس: 107.

فربنا المهيمن عز وجل والعزة له، والغلبة له والفرج منه.

ذكر ابن كثير عن وهب بن منبه أثرا ً قال: يقول الله سبحانه وتعالى في بعض كتبه: ” وعزتي وجلالي ! ما اعتصم به عبد فكادت له السماوات والارض إلا جعلت له من بينهن فرجا ً ومخرجا ً، وعزتي وجلالي ! ما من عبد اعتصم بغيري إلا أسخت الارض من تحت قدميه “.

جلالك يا مهيمن لا يبيد وملكك دائم أبدا ً جديد 

وحكمك نافذ في كل أمر وليس يكون إلا ما تريد

قصدت إلى الملوك فكل باب عليه حاجب فظ شديد

وبابك معدن للجود يا من إليه يقصد العبد الطريد

حبل النجاة ..

وصف ربنا سبحانه وتعالى كتابه وهو القرآن الكريم، بأنه مهيمن على الكتب السابقة: ( وَأَنزَلۡنَاۤ إِلَیۡكَ ٱلۡكِتَـٰبَ بِٱلۡحَقِّ مُصَدِّقا لِّمَا بَیۡنَ یَدَیۡهِ مِنَ ٱلۡكِتَـٰبِ وَمُهَیۡمِنًا عَلَیۡهِۖ ) المائدة: 48.

فالقرآن الكريم حاكم على الكتب قبله، فقد جاء بأحسن ما فيها، ونسخ منها ما نسخه، وقص على بني اسرائيل أكثر الذي هم فيه يختلفون، فأظهر تحريفهم، وأظهر الحق الذي تضمنته الكتب السابقة.

وما آمن مسلم بهذا لا أثمر تعظيم كتاب الله عز وججل في صدره محبة وفرحا ً وحمدا ً لله وشكرا ً على الهداية إليه، وهي التي يرجوها كل انسان، ويطلبها المؤمن في كل ركعة: ( ٱهۡدِنَا ٱلصِّرَ ٰطَ ٱلۡمُسۡتَقِیمَ ) الفاتحة: 6.

اللهم يا مهيمن ! اهدنا فيمن هديت، وتولنا فيمن توليت، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين.

ساهم في التعريف بأسماء الله الحسنى

انت المشاهد رقم