جاء في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ” أسرف رجل على نفسه، فلما حضره الموت أوصى بنيه، فقال: إذا أنا مت فأحرقوني، ثم اسحقوني، ثم أذروني في الريح في البحر، فوالله لئن قدر علي ربي ليعذبني عذابا ً ما عذبه أحدا ً .

ففعلوا ذلك به فقال للأرض، أدي ما أخذت، فإذا هو قائم، فقال له: ما حملك على ما صنعت ؟ فقال: خشيتك يا رب – أو قال: مخافتك – فغفر له بذلك “

وربنا عز وجل أثنى على ذاته وبشر عباده بقوله عز وجل: ( إِنَّ رَبَّكُمۡ لَرَءُوف رَّحِیم ) النحل: 7 .

والرأفة: أشد الرحمة وأبلغها .

وهي خير من كل وجه، قال الله تعالى: ( إِنَّ ٱللَّهَ بِٱلنَّاسِ لَرَءُوف رَّحِیم ) البقرة 143.

وربنا عز وجل الذي خلق الانسان وحفظه ورحمه، وأحسن إليه وسخر له الكون كله، ودفع السوء عنه وجلب له الخيرات فهذا من إحسانه وكرمه.

بل من رأفته عز وجل انه يقبل طاعة الطائعين مهما صغرت وأنه يحفظ إيمان من آمن به فلا يضيعه، وهذا من رأفته عز وجل بأوليائه: ( وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِیُضِیعَ إِیمَـٰنَكُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ بِٱلنَّاسِ لَرَءُوف رَّحِیم ) البقرة: 143. 

أكمل الدلالات ..

ومن جلال رافته: أن حذر عباده ورغبهم ورهبهم ووعدهم وأوعدهم رأفة بهم، ومراعاة لصلاحهم ومصالحهم، ( وَیُحَذِّرُكُمُ ٱللَّهُ نَفۡسَهُۥۗ وَٱللَّهُ رَءُوفُۢ بِٱلۡعِبَادِ ) آل عمران: 30 .

ومن دلائل رأفته: أنه أنزل الكتاب على رسوله ليخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذنه، قال عز وجل: ( هُوَ ٱلَّذِی یُنَزِّلُ عَلَىٰ عَبۡدِهِۦۤ ءَایَـٰتِۭ بَیِّنَـٰت لِّیُخۡرِجَكُم مِّنَ ٱلظُّلُمَـٰتِ إِلَى ٱلنُّورِۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ بِكُمۡ لَرَءُوف رَّحِیم ) الحديد: 9 .

ومن دلائل رأفته: أن سخر لنا وسائل النقل كالخيل والبغال والحمير قديما ً والسيارات والطيارات والقطارات حديثا ً فالله عز وجل قد قال: ( وَتَحۡمِلُ أَثۡقَالَكُمۡ إِلَىٰ بَلَد لَّمۡ تَكُونُوا۟ بَـٰلِغِیهِ إِلَّا بِشِقِّ ٱلۡأَنفُسِۚ إِنَّ رَبَّكُمۡ لَرَءُوف رَّحِیم ) النحل: 7 .

ومن جلال رأفته: أن ما اشتراه العباد من أنفسهم وأموالهم إنما هو خالص ملكه، ثم إنه عز وجل يشتري منهم ملكه الخالص بما لا يعد ولا يحصى، قال سبحانه وتعالى: ( وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن یَشۡرِی نَفۡسَهُ ٱبۡتِغَاۤءَ مَرۡضَاتِ ٱللَّهِۚ وَٱللَّهُ رَءُوفُۢ بِٱلۡعِبَادِ ) البقرة: 207 .

ومن جلال رأفته: أنه يجيب دعاء أوليائه، قال عز وجل: ( وَٱلَّذِینَ جَاۤءُو مِنۢ بَعۡدِهِمۡ یَقُولُونَ رَبَّنَا ٱغۡفِرۡ لَنَا وَلِإِخۡوَ ٰنِنَا ٱلَّذِینَ سَبَقُونَا بِٱلۡإِیمَـٰنِ وَلَا تَجۡعَلۡ فِی قُلُوبِنَا غِلّا لِّلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ رَبَّنَاۤ إِنَّكَ رَءُوف رَّحِیمٌ ) الحشر: 10 .

ومن جلال رأفته: أنه نصب الحدود الزاجرة عن الحدود الحاملة على التقوى، فإن الرأفة تقيم المرؤوف به، لأنها ألطف بالرحمة وابلغها، قال عز وجل: ( وَلَوۡلَا فَضۡلُ ٱللَّهِ عَلَیۡكُمۡ وَرَحۡمَتُهُۥ وَأَنَّ ٱللَّهَ رَءُوف رَّحِیم ) النور: 20 .

ومن دلائل رأفته: إمهاله للكافرين والعاصين من أن يأخذهم بالعذاب على غرة وهم لا يشعرون، بل يمهلهم ويعافيهم ويرزقهم، قال سبحانه وتعالى: ( أَوۡ یَأۡخُذَهُمۡ عَلَىٰ تَخَوُّف فَإِنَّ رَبَّكُمۡ لَرَءُوف رَّحِیمٌ ) النحل: 47 .

ومن دلائل رأفته: أنه يمسك ( ٱلسَّمَاۤءَ أَن تَقَعَ عَلَى ٱلۡأَرۡضِ إِلَّا بِإِذۡنِهِۦۤۚ إِنَّ ٱللَّهَ بِٱلنَّاسِ لَرَءُوف رَّحِیم ) الحج: 65 . 

رسالة إلى ..

إلى كل من أدركه الفقر وتغشاه الكرب وتغيرت ملامحه وانكسر قلبه. 

إلى من أثقله الدين وحار فكره، وتشتت ذهنه وظن أن الدنيا ضاقت عليه.

إلى من أهلكته الأوجاع، وأتعبته الآلام، وعجز الاطباء عنه، وأغلق الباب دونه.

إلى من حمل الهم وغشيه الغم وأدارت الدنيا ظهرها له، حتى ضاقت عليه بما رحبت.

إلى من غاب ابنه وسافر حبيبه وغادر صديقه، فضاقت نفسه ورجف قلبه، فأصبح الورد شوكا ً ، والعالم الجميل كئيبا ً .

تذكر هنا قوله عز وجل: ( إِنَّ رَبَّكُمۡ لَرَءُوف رَّحِیم ) النحل: 7، وردد: ( وَٱللَّهُ رَءُوفُۢ بِٱلۡعِبَادِ ) البقرة: 207، ونادٍ: يا رؤوف ! ارأف بحالي وارحم ضعفي وفرج همي، واكشف السوء عني.

قال ابن القيم: ” والله سبحانه وتعالى يبتلي عبده ليسمع شكواه وتضرعه ودعاءه “، ( قَالَ إِنَّمَاۤ أَشۡكُوا۟ بَثِّی وَحُزۡنِیۤ إِلَى ٱللَّهِ ) يوسف: 86 .

وهنا: انتظر الفرج، فالله سبحانه وتعالى قال: ( أَمَّن یُجِیبُ ٱلۡمُضۡطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَیَكۡشِفُ ٱلسُّوۤءَ وَیَجۡعَلُكُمۡ خُلَفَاۤءَ ٱلۡأَرۡضِۗ أَءِلَـٰه مَّعَ ٱللَّهِۚ قَلِیلا مَّا تَذَكَّرُونَ ) النمل: 62 .

إنه الرؤوف الرحيم، فما اعظم شأنه، وأعلى مكانه، وأقربه خلقه، وألطفه بعباده !

فإذا رأيت الحبل يشتد فاعلم أنه سينقطع، وإذا اشتد الظلام فأبشر بصبح ٍ قريب.

لا تضق ذرعا ً مع الرب الرؤوف الرحيم، فمن المحال دوام الحال، وأفضل العبادة، انتظار الفرج والأيام دُول، والدهر قلب والليالي حبالى، والغيب مستور، والرؤوف قال: ( كُلَّ یَوۡمٍ هُوَ فِی شَأۡن ) الرحمن: 29 ، وقال جل جلاله: ( لَعَلَّ ٱللَّهَ یُحۡدِثُ بَعۡدَ ذَ ٰلِكَ أَمۡرا ) الطلاق: 1، والله سبحانه وتعالى قال: ( إِنَّ مَعَ ٱلۡعُسۡرِ یُسۡرًا ۝ إِنَّ مَعَ ٱلۡعُسۡرِ یُسۡرا ۝ ) الشرح: 5 – 6 .

قلوب سجدت ..

وقد وصف الله عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم بهذا الوصف فقال: ( لَقَدۡ جَاۤءَكُمۡ رَسُول مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ عَزِیزٌ عَلَیۡهِ مَا عَنِتُّمۡ حَرِیصٌ عَلَیۡكُم بِٱلۡمُؤۡمِنِینَ رَءُوف رَّحِیم ) التوبة: 128 ، أي: شديد الرأفة والرحمة بالمؤمنين، أرحم بهم من والديهم.

ولذا، كان حقه مقدما ً على سائر حقوق الخلق، وواجبا ً على الامة الايمان به وتعظيمه وتوقيره وتعزيره.

يقوم النبي صلى الله عليه وسلم الليل كله في آية: ( إِن تُعَذِّبۡهُمۡ فَإِنَّهُمۡ عِبَادُكَۖ وَإِن تَغۡفِرۡ لَهُمۡ فَإِنَّكَ أَنتَ ٱلۡعَزِیزُ ٱلۡحَكِیمُ ) المائة: 118 ، فيخبره ربه عز وجل الرؤوف اننا سنرضيك في أمتك .

والمؤمن يرأف بنفسه فيسلك بها إلى مسالك النجاة، ويقيها موارد المهالك، وكذلك هو مع غيره.

قال ابن رجب رحمه الله: من جاد على عباد الله جاد الله عليه بالعطاء والفضل، والجزاء من جنس العمل .

إلهى ! ترى حالي وفقري وفاقتي وأنت مناجاتي الخفية تسمعُ

إلهي ! أذقني طعم عفوك يوم لا بنون ولا مال هنالك ينفعُ

اللهم ! انا نسألك يا رؤوف ! أن تدخلنا جنتك، وتعيذنا من نارك.

ساهم في التعريف بأسماء الله الحسنى

انت المشاهد رقم