لما سمع أهل الإيمان عن اسم الله (الواسع) تعلقت قلوبهم بذكره، واشتاقت أرواحهم لرؤيته، فتاويهم لا يشبعها إلا الانحناء له، والطواف ببيته، والوقوف بين يديه، والقيام من النوم لأجله، وبذل المهج سبيله. 

قال سبحانه وتعالى: ( وَرَحۡمَتِی وَسِعَتۡ كُلَّ شَیۡءۚ ) الأعراف: 156، وقال عز وجل: ( وَٱللَّهُ یُؤۡتِی مُلۡكَهُۥ مَن یَشَاۤءُۚ وَٱللَّهُ وَ ٰسِعٌ عَلِیم ) البقرة: 247.

فربنا هو الواسع الغني؛ الذي وسع غناه جميع عباده، وسع خلقه كلهم بالكفاية والأفضال والجود والتدبير.

وهو الواسع المطلق عز وجل والكامل في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله وملكه وسلطانه، فلا يحصي أحد ثناء عليه هو كما أثنى على نفسه فمهما وصفه الواصفون من خلقه فلن يبلغوا كنهه، ولن يحيطوا به علما ً.

وربنا وسع علمه كل شيء ( وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَیۡءٍ عِلۡمًاۚ ) الأعراف: 89، لا تخفى عليه خافية، فالله يسمع دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء، لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء.

وعلمه يشمل أسرار القلوب، وما تضمره الصدور من خير وشر، ( یَعۡلَمُ خَاۤىِٕنَةَ ٱلۡأَعۡیُنِ وَمَا تُخۡفِی ٱلصُّدُورُ ) غافر: 19، ( وَٱعۡلَمُوۤا۟ أَنَّ ٱللَّهَ یَعۡلَمُ مَا فِیۤ أَنفُسِكُمۡ فَٱحۡذَرُوهُۚ وَٱعۡلَمُوۤا۟ أَنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ حَلِیم ) البقرة: 235.

وربنا عز وجل واسع المغفرة، يغفر لكل من تاب وأناب؛ مهما بلغت ذنوبه وخطاياه: ( إِنَّ رَبَّكَ وَ ٰسِعُ ٱلۡمَغۡفِرَةِۚ ) النجم: 32.

وربنا سبحانه وتعالى الواسع الذي يوسع على عباده في دينهم، ولا يكلفهم ما ليس في وسعهم، ( وَلِلَّهِ ٱلۡمَشۡرِقُ وَٱلۡمَغۡرِبُۚ فَأَیۡنَمَا تُوَلُّوا۟ فَثَمَّ وَجۡهُ ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ وَ ٰسِعٌ عَلِیم ) البقرة: 115.

وأشهد ان الله لا رب غيره كريم رحيم يرتجى ويؤمل 

إذا سئل الخيرات أعطى جزيلها ويرفع مكروه البلا ويزول 

يسح من الخيرات سحا على الوری فيغني ويقني دائما ويحول 

إذا أكثر المثني عليه من الثنا والعرش أعلى في الجلال وأجمل

الواسع يكفيك همك؟

ومن فهم اسم الله (الواسع): ذهب خوفه، وحلت الطمأنينة في قلبه وفتح له باب الأمل.

فذاك المزارع الذي تأخر عليه وقت الحصاد، وشح الماء، وتعاظمت حاجته للثمر، لما علم أن الله واسع عليم، نظر إلى السماء، وتعلق قلبه بربه ونادى، يا واسع العطاء.. يا الله .. يا واسع الرحمة.. يا واسع الجود جد عليّ من بركاتك وخیراتك.

وذاك العقيم رضته الأيام، وأتعبته الآلام، واشتاق إلى طفل يلاعبه ويملأ حياته، وتأخر الحمل أو فجع بقول البشر: عقيما ً وبينما يحدث ذلك والحزن يعم؛ تستيقظ في داخله حياة أخرى بتذكره بأن الله الواسع الكريم الجواد، لا يرد سائلا ً موقنا ً بالإجابة؛ فينادي: ( رَبِّ هَبۡ لِی مِن لَّدُنكَ ذُرِّیَّة ) آل عمران: 38، ( وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ (89) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ (90) ) الأنبياء: 89 – 90.

وكذا المريض: آهاته يسمعها الله، وآلامه يعلمها الله، فإذا تذكر واسع العطاء، وهوالشافي والكافي لعباده؛ نادی: ( أَنِّی مَسَّنِیَ ٱلضُّرُّ وَأَنتَ أَرۡحَمُ ٱلرَّ ٰحِمِینَ ) الأنبياء: 83.

فيكشف الله سبحانه وتعالى الهم، ويزيل الغم، ويدب الشفاء.. إنه الله الواسع جل جلاله.

تتزاحم الهموم في قلب المدين؛ حتى ما يظن أن لها كاشفة، ثم يفتح الله على قلبه، ويلجئه إليه، فيلوذ بجناب واسع العطاء والجود والكرم فينادي: يا قاضي الحاجات.. يا واسع العطاء، ( أَمَّن یُجِیبُ ٱلۡمُضۡطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَیَكۡشِفُ ٱلسُّوۤءَ ) النمل: 62.

فيقضي الله الدين، ويرزقه من حيث لا يحتسب، وتظهر الابتسامة ويهدأ القلب، وتسكن النفس، ( قُلِ ٱللَّهُ یُنَجِّیكُم مِّنۡهَا وَمِن كُلِّ كَرۡب ) الأنعام: 64.

تحل المعضلة بالعالم ، وتشكل عليه المسألة؛ فيتيه عن الصواب، ويعز عليه الجواب، فيمرغ أنفه في التراب مناديا ً ومستجديا ً: يا واسع العطاء.. يا واسع العلم، ، يا معلم إبراهيم علمني .. يا مفهم سليمان فهمني؛ فيأتي التوفيق، وتحل المغاليق من الواسع سبحانه وتعالى.

يختلف الزوجان، وينقطع الحبل، وتنقطع أواصر المحبة، وتضيق بهما الحال بعد الطلاق، فيلجآن إلى الله الواسع

فيبدل كل واحد منهما خيرا ً من الآخر، ( وَإِن یَتَفَرَّقَا یُغۡنِ ٱللَّهُ كُلّا مِّن سَعَتِهِۦۚ وَكَانَ ٱللَّهُ وَ ٰسِعًا حَكِیما ) النساء: 130.

ربح البيع ..

يخشى المرء من الانفاق ويخاف من الفقر، وما ذاك إلا لأن الشيطان وسوس في صدره بالشر والفقر، ودعا الى البخل وعدم الانفاق: ( ٱلشَّیۡطَـٰنُ یَعِدُكُمُ ٱلۡفَقۡرَ وَیَأۡمُرُكُم بِٱلۡفَحۡشَاۤءِۖ وَٱللَّهُ یَعِدُكُم مَّغۡفِرَة مِّنۡهُ وَفَضۡلاۗ وَٱللَّهُ وَ ٰسِعٌ عَلِیم ) البقرة: 268.

فيتذكر المؤمن بأن الله الواسع الكريم قد وعد سبحانه وتعالى بقوله: ( مَّن ذَا ٱلَّذِی یُقۡرِضُ ٱللَّهَ قَرۡضًا حَسَنا فَیُضَـٰعِفَهُۥ لَهُۥۤ أَضۡعَافا كَثِیرَةۚ وَٱللَّهُ یَقۡبِضُ وَیَبۡصُۜطُ وَإِلَیۡهِ تُرۡجَعُونَ ) البقرة: 245، ويتذكر قوله تعالى: ( قُلۡ إِنَّ ٱلۡفَضۡلَ بِیَدِ ٱللَّهِ یُؤۡتِیهِ مَن یَشَاۤءُۗ وَٱللَّهُ وَ ٰسِعٌ عَلِیم ) آل عمران: 73، فينفق من ماله، مقرضا ً ربه ومتيقنا ً بالخلف من الله سبحانه وتعالى في الدارين، فإذا بالبركات والرحمات تتنزل وتعظم المنة من الله الواسع صاحب الكرم والجود.

دموع الخائفين..

يتذكر المؤمن عظيم ذنبه وكثرة خطئه، فتهيج عليه احزانه ويشتعل فؤاده وتسيل عيناه من الدمع خوفا ً من الجبار، فيتذكر قول الله عز وجل: ( وَرَحۡمَتِی وَسِعَتۡ كُلَّ شَیۡءۚ ) الأعراف: 156، وقوله سبحانه وتعالى: ( إِنَّ رَبَّكَ وَ ٰسِعُ ٱلۡمَغۡفِرَةِۚ ) النجم: 32.

فيعلن التوبة والإنابة الى الله عز وجل، راجيا ً الدخول في قوله سبحانه وتعالى: ( إِلَّا مَن تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ عَمَلا صَـٰلِحا فَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ یُبَدِّلُ ٱللَّهُ سَیِّـَٔاتِهِمۡ حَسَنَـٰتۗ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورا رَّحِیما ) الفرقان: 70، مستشعرا ً دعاء الملائكة: ( رَبَّنَا وَسِعۡتَ كُلَّ شَیۡء رَّحۡمَة وَعِلۡما فَٱغۡفِرۡ لِلَّذِینَ تَابُوا۟ وَٱتَّبَعُوا۟ سَبِیلَكَ وَقِهِمۡ عَذَابَ ٱلۡجَحِیمِ ) غافر: 7، فتغسل التوبة حرقة فؤاده، ولوعة نفسه، ويجعله الله عز جل من التوابين ومن المتطهرين، ثم يمن عليه باستقامة الى الممات، ثم المآل الى جنات النعيم، ثم يسمع ( إِنَّ هَـٰذَا لَرِزۡقُنَا مَا لَهُۥ مِن نَّفَادٍ ) ص: 54.

رسائل :

وربنا الواسع سبحانه وتعالى الذي وسعت رحمته جميع الخلائق: ( رَّبُّكُمۡ ذُو رَحۡمَة وَ ٰسِعَة ) الانعام: 147.

وقد وسع الله على عباده في دينهم ورفق الضيق والحرج عنهم، فخفف عن المريض والمسافر والمسن وغيرهم من أصحاب الاعذار، فلم يكلفهم ما لا يطيقون، ( لَا تُكَلَّفُ نَفۡسٌ إِلَّا وُسۡعَهَاۚ ) البقرة: 233، ومن ضاقت عليه الأرض فالله عز وجل قد وسع على عباده فيها: ( وَأَرۡضُ ٱللَّهِ وَ ٰسِعَةٌۗ ) الزمر: 10.

وأوسع عطاء يعطيه الله عز وجل لخلقه هو: الصبر، صح عنه صلى الله عليه وسلم انه قال: ” ومن يتصبر يصبره الله، وما أعطى أحد عطاء خيرا ً وأوسع من الصبر ” اخرجه البخاري وهذا لفظه، ومسلم.

والصبر داخل في جميع أمور العبادات، فصبر على الطاعة وصبر عن معصية وصبر على اقدار الله عز وجل، فالحياة كلها صبر الى ان نلقى الله عز وجل.

قال الحسن البصري رحمه الله: الصبر: كنز من كنوز الخير، لا يعطيه الله لا لعبد كريم عنده.

يا من يغيث الورى من بعد ما قنطوا ارحم عبادا ً أكف الفقر قد بسطوا 

عودتهم بسط ارزاق بلا سبب سوى جميل رجاء نحوه انبسطوا 

يا الله يا واسع العطاء! هب لكل واحد منا فوق مسألته، فأنت على كل شيء قدير.

ساهم في التعريف بأسماء الله الحسنى

انت المشاهد رقم