ذكر الحاكم في المستدرك ان عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لما قدم الشام عرضت له مخاضة، فنزل عمر عن بعيره ونزع خفيه ثم أخذ بحطام راحلته وخاض المخاضة.

فقال له أبو عبيدة بن الجراح: لقد فعلت يا امير المؤمنين فعلا ً عظيما ً عند أهل الارض! نزعت خفيك وقدمت راحلتك وخضت المخاضة.

فصك عمر بيده في صدر أبي عبيدة، فقال: أوه ! لو غيرك يقولها يا أبا عبيدة !

أنتم كنت أقل الناس فأعزكم الله بالاسلام فمهما تطلبوا العزة بغيره يذلكم الله سبحانه وتعالى.

قال جل جلاله ( مَن كَانَ یُرِیدُ ٱلۡعِزَّةَ فَلِلَّهِ ٱلۡعِزَّةُ جَمِیعًاۚ ) فاطر: 10.

امتدح ربنا جل جلاله ذاته العلية بقوله: ( وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلۡعَزِیزُ ٱلرَّحِیمُ ) الشعراء: 9، ( لَاۤ إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلۡعَزِیزُ ٱلۡحَكِیمُ ) آل عمران: 6، وأمرنا من فوق سبع سماوات ان نعلم ذلك ونتيقنه ( وَٱعۡلَمۡ أَنَّ ٱللَّهَ عَزِیزٌ حَكِیم ) البقرة: 260.

فربنا العزيز جل جلاله الذي جمع معاني العزة كلها وصفا ً وملكا ً في أسمى معانيها وأعلى كمالها، قال سبحانه وتعالى: ( مَن كَانَ یُرِیدُ ٱلۡعِزَّةَ فَلِلَّهِ ٱلۡعِزَّةُ جَمِیعًاۚ ) فاطر: 10.

فله عزة الغلبة، فهو القاهر لأعدائه والغالب لهم.

وله عزة الامتناع، فلا يناله احد من خلقه ولا يصل إليه سبحانه، فهو غني بذاته.

وله عزة القوة ذلت الصعاب لعزته، ولانت الشدائد لقوته.

وربنا هو العزيز سبحانه وتعالى الشديد في نقمته إذا انتقم من اعدائه.

وهو العزيز سبحانه وتعالى: الذي يهب العزة لمن يشاء من عباده.

وهو العزيز سبحانه: الذي لا يضام جاره، ولا يذل أنصاره.

وهو العزيز فلن يرام جنابه انى يرام جناب ذي السلطان

وهو العزيز القاهر الغلاب لم يغلبه شيء هذه صفتان

وهو العزيز بقوة هي وصفه فالعز حينئذ ثلاث معان

وهي التي كملت له سبحانه من كل وجه عادم النقصان

حمى العزيز :

وأهل الايمان لما علموا بحماه، ولاذوا بجنابه، وطلبوا منه العزة لأنهم تلوا قوله عز وجل: ( مَن كَانَ یُرِیدُ ٱلۡعِزَّةَ فَلِلَّهِ ٱلۡعِزَّةُ جَمِیعًاۚ ) فاطر: 10.

ذكر المدائني في كتابه قال: قدم رجل من اهل اليمن على الحجاج يشكو أخاه محمد بن يوسف، فصادف الحجاج على المنبر فقام إليه فشكا أخاه محمدا ً، فأمر به الحجاج فحبس، فلما نزل عن المنبر، استدعاه وهو متغيظ عليه، فقال له: ما جرأك على ان ترفع أخي ؟ فقال له: أنا بالله أعز من أخيك بك، فقال الحجاج: خلوا سبيله.

لا تسقني كأس الحياة بذلة بل فاسقني بالعز كأس الحنظل

وكلما عظم الاسم في قلب المسلم، وعمل على تحقيقه في حياته، كان نيله للعزة أعظم، ( وَلِلَّهِ ٱلۡعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِۦ وَلِلۡمُؤۡمِنِینَ ) المنافقون: 8، فأعز الناس هم الانبياء، ثم الذين يلونهم من المؤمنين.

ولذا، لا عزيز في الدنيا والآخرة إلا من أعزه الله: ( قُلِ ٱللَّهُمَّ مَـٰلِكَ ٱلۡمُلۡكِ تُؤۡتِی ٱلۡمُلۡكَ مَن تَشَاۤءُ وَتَنزِعُ ٱلۡمُلۡكَ مِمَّن تَشَاۤءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاۤءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاۤءُۖ بِیَدِكَ ٱلۡخَیۡرُۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡء قَدِیر ) آل عمران: 26.

للباحثين عن العزة ..

من اعتز بغير الله عز وجل فقد اعتز بسلطان زائل، وقوة فانية.

ومن الذي يقوم في وجه الله ويصارعه ويغالبه ؟ وقد اعتز قوم فرعون بفرعون، ( فَأَلۡقَوۡا۟ حِبَالَهُمۡ وَعِصِیَّهُمۡ وَقَالُوا۟ بِعِزَّةِ فِرۡعَوۡنَ إِنَّا لَنَحۡنُ ٱلۡغَـٰلِبُونَ ) الشعراء: 44، فماذا كانت النتيجة ؟ ( فَأَلۡقَىٰ مُوسَىٰ عَصَاهُ فَإِذَا هِیَ تَلۡقَفُ مَا یَأۡفِكُونَ ) الشعراء: 45.

يبحث كثير من الناس عن العزة عند الكافرين وعند اعداء الدين، وهؤلاء لم يقدروا الله عز وجل حق قدره، ولم يعرفوه حق معرفته ! والا لهان في نفوسهم هؤلاء الذين يوالونهم، فإنهم مهما بلغت قوتهم، وكثر اتباعهم، ليسوا بشيء بجانب عزة الله عز وجل وقوته وجبروته وقهره.

والله سبحانه وتعالى أخبرهم أن العزة التي يبحثون عنها والمتعة لن يجدوها عند غيره، بل صار حالهم حل المنافقين، خالفف ظاهرهم باطنهم ( بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (138) الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا (139) ) النساء: 138 – 139.

ومنهم من اعتز بنفسه وعشيرته، جاء في مسند الامام احمد عن أبيّ بن كعب رضي الله عنه قال: انتسب رجلان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال احدهما: انا فلان ابن فلان ابن فلان، فمن انت ؟ لا ام لك ؟

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” انتسب رجلان على عهد موسى عليه السلام فقال احدهما: انا فلان ابن فلان، حتى عد تسعة، فمن انت: لا أم لك؟ قال: انا فلان ابن فلان ابن الاسلام “.

قال: ” فأوحى الله إلى موسى عليه السلام ان هذين المنتسبين أما انت ايها المنتمي، او المنتسب الى تسعة، في النار فأنت عاشرهم، واما انت يا هذا ّ المنتسب إلى اثنين، في الجنة فأنت ثالثهما في الجنة ” حديث صحيح.

وقد قيل: من اعتز بمنصبه فلينظر إلى فرعون ومن اعتز بماله فلينظر الى قارون ومن اعتز بنسبه فلينظر إلى أبي لهب، إنما العزة بالتقوى.

وصدق من قال: نحن قوم أعزنا الله بالاسلام، فمهما ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله.

وأعظم سبب في ذل الامة الاسلامية في هذا العصر هو: عدم اعتزازها بالله تعالى حق الاعتزاز.

يمنحك العزة ..

لما أخذ الكافرون يهددون رسول الله صلى الله عليه وسلم ويلقون عليه فاحش القول ويبدون قوتهم، أنزل الله آية مواسيا ً لرسوله صلى الله عليه وسلم ومخبرا ً عن ضعف البشرية جمعاء في قوله تعالى: ( وَلَا یَحۡزُنكَ قَوۡلُهُمۡۘ إِنَّ ٱلۡعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِیعًاۚ هُوَ ٱلسَّمِیعُ ٱلۡعَلِیمُ ) يونس: 65.

وكلما زاد الايمان زادت العزة في قلب المؤمن، وزاد يقينه بالنصر والغلبة، فالله سبحانه وتعالى قد قال: ( وَمَا جَعَلَهُ ٱللَّهُ إِلَّا بُشۡرَىٰ لَكُمۡ وَلِتَطۡمَىِٕنَّ قُلُوبُكُم بِهِۦۗ وَمَا ٱلنَّصۡرُ إِلَّا مِنۡ عِندِ ٱللَّهِ ٱلۡعَزِیزِ ٱلۡحَكِیمِ ) آل عمران: 126، وقال سبحانه وتعالى: ( وَلَیَنصُرَنَّ ٱللَّهُ مَن یَنصُرُهُۥۤۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَقَوِیٌّ عَزِیزٌ ) الحج: 40.

من حاز الإيمان حاز العزة، ومن حاز العزة فاز بحب الله، فقد قال الله تعالى: ( فَسَوۡفَ یَأۡتِی ٱللَّهُ بِقَوۡم یُحِبُّهُمۡ وَیُحِبُّونَهُۥۤ أَذِلَّةٍ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِینَ أَعِزَّةٍ عَلَى ٱلۡكَـٰفِرِینَ ) المائدة: 54.

يقول ابن كثير: من كان يحب ان يكون عزيزا ً في الدنيا والآخرة فليلزم طاعة الله تعالى، فإنه يحصل له مقصوده، لأن الله تعالى مالك الدنيا والآخرة وله العزة جميعا، كما قال الله سبحانه وتعالى: ( فَإِنَّ ٱلۡعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِیعا ) النساء: 139.

وقال ابراهيم الخواص رحمه الله: على قدر اعزاز المؤمن لأمر الله يلبسه الله من عزه، ويقيم له العز في قلوب المؤمنين، فذلك قوله سبحانه وتعالى: ( وَلِلَّهِ ٱلۡعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِۦ وَلِلۡمُؤۡمِنِینَ وَلَـٰكِنَّ ٱلۡمُنَـٰفِقِینَ لَا یَعۡلَمُونَ ) المنافقون: 8.

مفاتيح العزة :

ولا تتحقق العزة إلا بالإتيان بأسبابها:

بالإيمان اولا: قال الله تعالى: ( وَلِلَّهِ ٱلۡعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِۦ وَلِلۡمُؤۡمِنِینَ وَلَـٰكِنَّ ٱلۡمُنَـٰفِقِینَ لَا یَعۡلَمُونَ ) المنافقون: 8.

وبالتواضع للمؤمنين: قال الله عز وجل: ( أَذِلَّةٍ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِینَ أَعِزَّةٍ عَلَى ٱلۡكَـٰفِرِینَ ) المائدة: 54.

وبالعفو: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ” ما زاد الله عبدا ً بعفو ٍ إلا عزا ً ” أخرجه مسلم.

وبالتقرب إلى الله بهذا الاسم في الدعاء، فهذا إبراهيم عليه السلام كان من دعائه: ( رَبَّنَا لَا تَجۡعَلۡنَا فِتۡنَة لِّلَّذِینَ كَفَرُوا۟ وَٱغۡفِرۡ لَنَا رَبَّنَاۤۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡعَزِیزُ ٱلۡحَكِیمُ ) الممتحنة: 5، ودعت به الملائكة من حملة العرش للمؤمنين: ( رَبَّنَا وَأَدۡخِلۡهُمۡ جَنَّـٰتِ عَدۡنٍ ٱلَّتِی وَعَدتَّهُمۡ وَمَن صَلَحَ مِنۡ ءَابَاۤىِٕهِمۡ وَأَزۡوَ ٰجِهِمۡ وَذُرِّیَّـٰتِهِمۡۚ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡعَزِیزُ ٱلۡحَكِیمُ ) غافر: 8.

وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فزع من نومه ليلا ً كان يقول: ” لا إلا إلا الله الواحد القهار، رب السماوات والارض وما بينهما العزيز الغفار ” حديث صحيح، رواه ابن حبان.

وهذا النبي صلى الله عليه وسلم يعلم رجلا ً جاءه يشكو وجعا ً بأن يتعبد بعزة الله، فقال له الحبيب صلى الله عليه وسلم: ” اجعل يدك اليمنى عليه وقل سبع مرات: باسم الله، أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وما أحاذر ” رواه مسلم.

تأمل !

اقترن اسمه جل جلاله العزيز بأسمائه: ( القوي والحكيم والعليم والحميد والغفور والهاب والمقتدر ).

وهذا والله من كمال رحمته بنا، وإفاضة الخير والإحسان علينا.

وهذا دليل على كمال أسماء ربنا وصفاته العلا، وأنها يتضمن بعضها بعضا ً، فإنه عز وجل مع كمال عزته وقوته، ومنعته، وشدة بطشه، فهو كامل في حكمته وعلمه، رحيم بعباده، عطوف عليهم، محمود أموره، وحميد في أقواله وأفعاله وأحكامه.

فعزته: حكمة ورحمة وعدل: ( لَاۤ إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلۡعَزِیزُ ٱلۡحَكِیمُ ) آل عمران: 6.

ولما كانت عزته: عزة كمال وجلال: استحق الله ان يحمد عليها على الدوام، قال الله تعالى: ( ٱلۡعَزِیزِ ٱلۡحَمِیدِ ) ابراهيم: 1.

يا مالكا ً هو بالنواصي آخذ وقضاؤه في كل شيء نافذ 

أنا عائد بك يا كريم ولم يخب عبد بعزك مستجير عائد

( سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (180) وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (181) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (182) ) الصافات: 180 – 182.

اللهم يا عزيز ! أعزنا بطاعتك ولا تذلنا بمعصيتك.

ساهم في التعريف بأسماء الله الحسنى

انت المشاهد رقم