صح عنه أنه صلى الله عليه السلام قال: ” إن الله تعالى يقول: يا ابن آدم تفرغ لعبادتي املأ صدرك غنى، وأسد فقرك، وأن لا تفعل؛ ملأت يدك شغلا ً، ولم أسد فقرك ” حديث صحيح، رواه الترمذي.

وفي الحديث الصحيح: ” يد الله ملأى لا يغيضها نفقة، سحاء الليل والنهار، أرأيتم ما أنفق من خلق السماوات والأرض ؟ فإنه لم يغض ما في يده ” أخرجه البخاري وهذا لفظه، ومسلم.

قامت به في السماوات والأرض، وصلح به أمر الدنيا والآخرة، وأذعن له الرطب واليابس.

مقاليد الملك بيده، ومقادير الأشياء عنده، ومفاتيح الأمور لديه ومسير العباد إليه، والعزة له جميعا، والملك له كله، لا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع.

فهل يعجز الكريم القوي الرحيم المقيت أن يسوق إليك رغيفا ً أو قوتا ً أو شرابا ً فتحيا به نفسك؟

وما أسعدنا عندما نعيش مع اسم من أسماء الله الحسني، وهو (المقيت):

يقول الله: ( مَّن یَشۡفَعۡ شَفَـٰعَةً حَسَنَة یَكُن لَّهُۥ نَصِیب مِّنۡهَاۖ وَمَن یَشۡفَعۡ شَفَـٰعَة سَیِّئَة یَكُن لَّهُۥ كِفۡل مِّنۡهَاۗ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡء مُّقِیتا ) النساء: 85.

فالمقيت المقتدر: الذي خلق الأقوات. 

والمقيت الحفيظ، الذي يعطي الشيء على قدر الحاجة من الحفظ.

فربنا الذي أوصل إلى كل موجود ما به يقتات، وأوصل إليه أرزاقه وصرفها كيف يشاء بحكمته وحمده.

فلكل مخلوق قوت، فالأبدان قوتها: المأكول والمشروب، والأرواح قوتها العلوم، وقوت الملائكة: التسبيح

فالله سبحانه وتعالى هو المقيت لعباده الحافظ لهم، الشاهد لأحوالهم، المطلع عليهم. 

فالرب عز وجل قائم على مصالح العباد ؛ يقوتهم ويرزقهم. 

وأفضل الرزق: العقل، ومن رزق العقل فقد أكرمه الله.

إلهي لك الفضل الذي عمم الوری وجودا على كل الخلية مسبل 

وغيرك لو يملك خزائنك التي تزيد مع الإنفاق لا بد يبخل

أعوذ بك اللهم من سوء صنعنا ومن أن تكن نعماك عنا تحول  

اطمئن!

فلا تنشغل بما يضمن لك؛ فالله قد قال عن نفسه: (المقيت)، وقال عن نفسه: (الرزاق). 

والمقيت: أخص من الرزاق، فالقوت: ما به من قوام البنية مما يتغذی به، والرزق كل ما يدخل تحت ملك العبد مما يؤكل ومما لا يؤكل.

وما دام الأجل باقيا ً ، فالقوت والرزق آتیان، وإذا سد عليك بحكمته طريقا ً فتح لك برحمته طريقا ً آخر.

وتأمل حال الجنين، يأتيه غذاؤه وهو: الدم، من طريق واحد وهو السرة، وعندما يخرج من بطن أمه ينقطع ذلك الطريق، ويفتح له طریقان اثنان، يجري له فيهما رزقا ً أطيب وألذ من الأول؛ لبنا خالصا ً سائغا ً، ثم إذا تمت الرضاعة فتح له أربعة طرق يحصل منها على طعامين وشرابين؛ أما الطعامان، فمن الحيوان والنبات، وأما الشرابان: فمن المياه والألبان.

فإذا مات انقطعت تلك الطرق الأربعة، وفتح للمؤمنين أبواب الجنة الثمانية: یدخلون من أیها شاؤوا !

كن شاكرا ً !

فنعم الله عز وجل تفوق العـد، ولا يأتي عليها الحصر، ولا يقيدها حساب؛ ( وَإِن تَعُدُّوا۟ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ لَا تُحۡصُوهَاۤۗ إِنَّ ٱلۡإِنسَـٰنَ لَظَلُوم كَفَّار ) إبراهيم: 34.

نعم يهبها المنعم الجليل دون حاجة لهذا المخلوق ودون خوف منه او رجاء فيه، بل تفضل وكرم وبر وإحسان وجود وامتنان، ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (58) ) الذاريات: 56 – 58، ولكن كثيرا ً من الناس لا يشكرون، ( یَعۡرِفُونَ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ ثُمَّ یُنكِرُونَهَا وَأَكۡثَرُهُمُ ٱلۡكَـٰفِرُونَ ) النحل: 83.

أعطاك بل حق لك عنده، ثم أنكرت حقوقه ! حباك بلا معروف لك لديه ثم جحدت معروفه ! ( قُتِلَ ٱلۡإِنسَـٰنُ مَاۤ أَكۡفَرَهُۥ ) عبس: 17.

نعم الله سبحانه وتعالى عليك تترى، إذا سألت أعطاك، وإن دعوت اجابك، وان استعنت اعانك لا غنى لك الا به، ولذا ان شكرت فاشكر نعمة أخرى ان وفقك اليها: ( وَإِذۡ تَأَذَّنَ رَبُّكُمۡ لَىِٕن شَكَرۡتُمۡ لَأَزِیدَنَّكُمۡۖ وَلَىِٕن كَفَرۡتُمۡ إِنَّ عَذَابِی لَشَدِید ) إبراهيم: 7.

أركان الغنى :

 وبنو آدم لو كان عندهم واد من ذهب لأحبوا ان يكون لهم واديان.

وليست السعادة في ان تحوز الدنيا ولكن سعادة المرء في ان يتوفر له قوت يومه وسلامة بدنه وأمنه، صح عنه صلى الله عليه وسلم انه قال: ” من اصبح منكم آمنا ً في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا ” حديث حسن، رواه الترمذي.

دأب الصالحين..

والمؤمن مطمئن النفس؛ لأنه يعلم أن الله هو المقيت وهو الرازق ، وأن رزقه قد كتب، ولن يموت حتى يستوفي رزقه، فهو يسعى ولقد توكل على الله وتبرأ من حوله ومن قوته، وتعلق قلبه بالله المقيت الرزاق ، فهو يعلم أنه لا حول إلا به، ولا قوة إلا به، ولا حول إلا به .

كما جاء في صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه جل جلاله أنه قال: ” يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمه، فاستطعموني أطعمكم “

قال ابن رجب : كان بعض السلف يسأل الله في صلاته كل حوائجه؛ حتى ملح عجينه، وعلف شاته.

فمن استحضر اسم الله : المقيت، واستشعر معية الله المقيت، ووثق بما عنده .. حصل له السعادة الأبدية، وهي: الرضا في الدنيا والآخرة.

ثم إن رسول الله حذر من يتصدق بقوت الأهل بغية طلب الأجر، فينقلب ذلك الأمر إثما ً إذا ضيع من يعولهم وتلزمه نفقتهم من أهله وعياله وعبيده ؛ لأن النفقة متعلقة بحقوق الآدميين، وهم أحوج، وحقهم أكد، صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ” كفى بالمرء إثما ً أن يضيع من يقوت حديث حسن، رواه أبو داود.

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم من حرصه على أهله يدخر لهم قوت سنة كاملة، جاء عند البخاري: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبيع نخل بني النضير، ويحبس لأهله قوت سنتهم.

وكان من دعائه: ” اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا ً ” أخرجه مسلم أي: ما یقوتهم ويكفيهم حتى لا ترهقهم الفاقة، ولا تذلهم المسألة وكذلك لا تفتح لهم الدنيا فيركنوا إليها ؛ فإن الدنيا راحلة والأخرة هي الباقية، فأثر الباقي على الفائي – صلوات ربي عليه وعلى آله، ومن سار على هديه إلى يوم الدين.

اللهم إنا نسألك باسمك المقيت: أن ترزقنا من واسع فضلك، وأن تعيننا على طاعتك وذكرك وشكرك.

ساهم في التعريف بأسماء الله الحسنى

انت المشاهد رقم