أيها العبد الفقير ! لازم باب مولاك الكريم وتعزز بالمولى العزيز العليم، توسل إليه بطاعته، فإنه البر الرحيم.

هنا يتفضل عليك بنعمه إن أطعته أكرمك وفضلك، وإن ضيعت ما مضى سيرحمك ويمهلك، وإن تبت وأنبت شكر، وإن عصيت وأسأت ستر.

فكيف يصبر عن قربه من وجد طعم عبوديته وحبه ؟ ام كيف لا ينقطع إليه من وجد لذة التذلل إليه ؟

إذا كان حب الهائمين من الورى بليلى وسلمى يسلب اللب والعقلا 

فماذا عسى أن يصنع الهائم الذي سرى قلبه شوقا ً إلى الملإ الأعلى 

وصدق من قال: والله ما أوحش الطرق لمن لم يكن الله مؤمنه وما أضل الطريق لمن لم يكن الله دليله.

فسبحان البر الرحيم ! الذي عم إحسانه وبره وخيره جميع اهل الارض والسماوات في كل اللحظات من أصناف البر الظاهرة والباطنة.

والله تعالى قال: ( وَأَسۡبَغَ عَلَیۡكُمۡ نِعَمَهُۥ ظَـٰهِرَة وَبَاطِنَةۗ ) لقمان: 20 ، والله أثنى على ذاته العلية بقوله: ( إِنَّهُۥ هُوَ ٱلۡبَرُّ ٱلرَّحِیمُ ) الطور: 28 .

فربنا عزوجل العطوف على عباده، الرحيم الرفيق بهم، المصلح لأحوالهم وشؤونهم الدنيوية والشرعية.

ومن كمال بره عز وجل: انه يبر بالمحسن في مضاعفة الثواب ويبر بالمسيء في الصفح والتجاوز عنه .

وربنا البر اللطيف بعباده، يريد بهم اليسر ولا يريد بهم العسر.

وهو البر بأوليائه، إذ خصهم بولايته واصطفاهم لعبادته ويدفع عنهم جميع أنواع الشرور والسيئات والملمات.

وتتجلى سعة بره فيما أعده لأوليائه في دار خلده ( إِنَّا كُنَّا مِن قَبۡلُ نَدۡعُوهُۖ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلۡبَرُّ ٱلرَّحِیمُ ) الطور: 28 .

والبر في اوصافه سبحانه هو كثرة الخيرات والإحسان 

صدرت عن البر الذي هو وصفه فالبر حينئذ له نوعان

وصف وفعل، فهو بر محسن مولى الجميل ودائم الإحسان 

فالله عز وجل هو البر بعباده، العطوف عليهم، المحسن إليهم، يوسعهم خيرا وكرما ً وفضلا ً وشكرا ً وإجابة: ( وَأَسۡبَغَ عَلَیۡكُمۡ نِعَمَهُۥ ظَـٰهِرَة وَبَاطِنَةۗ ) لقمان: 20 .

الكل قد أقيم في خدمتك ..

فالملائكة الذين هم حملة عرش الرحمن ومن حوله، يستغفرون لك والملائكة الموكلون بك يحفظونك، والموكلون بالقطر والنبات يسعون في رزقك ويعملون فيه.

الأفلاك سخرت منقادة دائرة بما فيه مصالحك والشمس والقمر والنجوم مسخرات جاريات بحساب أزمنتك وأوقاتك، وإصلاح رواتب أقواتك .

والعالم السفلي كله مسخر لك، الارض والجبال والبحار والشجر والثمر والنبات والدواب .. كل ما فيه لك ( وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَمَا فِی ٱلۡأَرۡضِ جَمِیعا مِّنۡهُۚ إِنَّ فِی ذَ ٰلِكَ لَـَٔایَـٰت لِّقَوۡم یَتَفَكَّرُونَ )  الجاثية: 13 . 

نسيم البر ..

ومن إحسانه عزوجل أن يسر لنا الطريق إليه فيسر شريعته علينا وحعلنا سمحة ونفي عنها الحرج، ولم يكلفنا ما لا نطيق ( وَمَا جَعَلَ عَلَیۡكُمۡ فِی ٱلدِّینِ مِنۡ حَرَجۚ ) الحج: 78 ، ( لَا یُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفۡسًا إِلَّا وُسۡعَهَاۚ ) البقرة: 286 ، ( وَلَقَدۡ یَسَّرۡنَا ٱلۡقُرۡءَانَ لِلذِّكۡرِ فَهَلۡ مِن مُّدَّكِر ) القمر: 17 .

ومن بره لنا: انه عزوجل يتقبل القليل منا ويثبت عليه الكثير ويعفو عن كثير من السيئات ويكفينا هذا الحديث العظيم، الذي قال النبي صلى الله عليه وسلم فيه: ” إن الله كتب الحسنات والسيئات، ثم بين ذلك :

فمن هم بحسنة فلم يعملها كتبها الله عنده حسة كاملة، وإن هم بها فعملها كتبها الله عز وجل عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة .

وإن هم بسيئة فلم يعملها، كتبها الله عنده حسنة كاملة، وإن هم بها فعملها كتبها الله سيئة واحدة ” أخرجه البخاري ومسلم.

ومن بره بنا: أنه يفرح بتوبة عبده، وأننا إذا أذنبنا لم يفضحنا، بل وفتح لنا أبواب التوبة: ( ۞ قُلۡ یَـٰعِبَادِیَ ٱلَّذِینَ أَسۡرَفُوا۟ عَلَىٰۤ أَنفُسِهِمۡ لَا تَقۡنَطُوا۟ مِن رَّحۡمَةِ ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ یَغۡفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِیعًاۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلۡغَفُورُ ٱلرَّحِیمُ ) الزمر: 53 .

وصح عنه صلى الله عليه وسلم قال: ” يا ابن آدم! إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم ! لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يا ابن ادم! إنك لو آتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا ً لأتيتك بقرابها مغفرة ” حديث صحيح، رواه الترمذي.

لك الحمد حمدا نستلذ به ذكرا ً وإن كنت لا أحصي ثناء ولا شكرا ً 

لك الحمد حمدا طيبا ً يملأ السما وأقطارها والأرض والبر والبحرا 

إلهي تغمدني برحمتك التي وسعت وأوسعت البرايا بها برا ً

حظك منه ..

وربنا بر يحب البر ويأمر به ويحب التخلق به من عباده .

وأجمع الآيات: قوله تعالى (۞ لَّیۡسَ ٱلۡبِرَّ أَن تُوَلُّوا۟ وُجُوهَكُمۡ قِبَلَ ٱلۡمَشۡرِقِ وَٱلۡمَغۡرِبِ وَلَـٰكِنَّ ٱلۡبِرَّ مَنۡ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلۡیَوۡمِ ٱلۡـَٔاخِرِ وَٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةِ وَٱلۡكِتَـٰبِ وَٱلنَّبِیِّـۧنَ وَءَاتَى ٱلۡمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِۦ ذَوِی ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡیَتَـٰمَىٰ وَٱلۡمَسَـٰكِینَ وَٱبۡنَ ٱلسَّبِیلِ وَٱلسَّاۤىِٕلِینَ وَفِی ٱلرِّقَابِ وَأَقَامَ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَى ٱلزَّكَوٰةَ وَٱلۡمُوفُونَ بِعَهۡدِهِمۡ إِذَا عَـٰهَدُوا۟ۖ وَٱلصَّـٰبِرِینَ فِی ٱلۡبَأۡسَاۤءِ وَٱلضَّرَّاۤءِ وَحِینَ ٱلۡبَأۡسِۗ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ ٱلَّذِینَ صَدَقُوا۟ۖ وَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡمُتَّقُونَ ) البقرة: 177 .

ولن ينال العبد بر الله عز وجل به في الاخرة إلا باتباع ما يفضي إلى بره ومرضاته، قال الله عز وجل: ( لَن تَنَالُوا۟ ٱلۡبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُوا۟ مِمَّا تُحِبُّونَۚ وَمَا تُنفِقُوا۟ مِن شَیۡء فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِۦ عَلِیم ) آل عمران: 92 ، قال الرازي رحمه الله: كل من وسع على عباد الله أبواب الخير والراحة، وسع الله عليه خيرات الدنيا والآخرة.

اللهم من علينا وقنا عذاب السموم، إنك انت البر الرحيم.

ساهم في التعريف بأسماء الله الحسنى

انت المشاهد رقم