قال العز بن عبد السلام: معرفة الله عز وجل ومعرفة أسمائه الحسنى وصفاته العلى، هي أفضل الأعمال شرفا ً وثمارا ً وآثارا ً .

ونقف مع اسم من أسماء الله تعالى وهو الحليم.

قال الله تعالى ( وَٱللَّهُ غَنِیٌّ حَلِیم ) البقرة: 263 ، ( إِنَّهُۥ كَانَ حَلِیمًا غَفُورا ) الاسراء: 44 

ربنا عز وجل ذو الصفح والأناة الذي لا يستفزه غضب ولا يستخفه جهل جاهل، ولا عصيان عاص، لا يعجل على عباده بعقوبتهم على شركهم وكفرهم به، وعلى كثرة ذنوبهم.

فمن أعظم منه حلما ً ؟ الخلائق له عاصون وهو لهم مراقب يكلؤهم في مضاجعهم كأنهم لم يعصوه، ويتولى حفظهم كأنهم لم يذنبوا، يجود بالفضل على العاصي، ويتفضل على المسيء.

إنه الحليم !

يقوم المضطر بين يديه وهو عاص ومذنب، فيستجيب له ويسأله فيعطيه، ( فَإِذَا رَكِبُوا۟ فِی ٱلۡفُلۡكِ دَعَوُا۟ ٱللَّهَ مُخۡلِصِینَ لَهُ ٱلدِّینَ فَلَمَّا نَجَّىٰهُمۡ إِلَى ٱلۡبَرِّ إِذَا هُمۡ یُشۡرِكُونَ ) العنكبوت: 65 .

لا إله إلا الله ما أحلمه ! فهو ذو الفضل ومنه الفضل وهو الجواد ومنه الجود، وهو الحليم ومن الحلم.

وهو الحليم فلا يعاجل عبده بعقوبة ليتوب من عصيان

وفي الصحيحين عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ” ما أحد أصبر على أذى يسمعه من الله تعالى، إنهم يجعلون له ندا ً ويجعلون له ولدا ً وهو مع ذلك يرزقهم ويعافيهم ويعطيهم ! “

ما أحلم الله !

فكم من زلة سترها الله علينا ؟؟ وكم من ذنب لم يؤاخذنا به ؟ وكم من معصية ارتكبناها وهو ينادينا، وهو الغني عنا: ( ۞ نَبِّئۡ عِبَادِیۤ أَنِّیۤ أَنَا ٱلۡغَفُورُ ٱلرَّحِیمُ ) الحجر: 49 .

فسبحان الله الحليم! يخلق ويعبد غيره، ويرزق ويشكر سواه، خيره للعباد نازل وشرهم إليه صاعد، يتحبب إليهم بالنعم وهو غني عنهم، ويتبغضون إليه بالمعاصي وهم أفقر شيء إليه، ( وَلَوۡ یُؤَاخِذُ ٱللَّهُ ٱلنَّاسَ بِظُلۡمِهِم مَّا تَرَكَ عَلَیۡهَا مِن دَاۤبَّة وَلَـٰكِن یُؤَخِّرُهُمۡ إِلَىٰۤ أَجَل مُّسَمّىۖ فَإِذَا جَاۤءَ أَجَلُهُمۡ لَا یَسۡتَـٔۡخِرُونَ سَاعَة وَلَا یَسۡتَقۡدِمُونَ ) النحل: 61 .

همسة !

لنحذر من غضبه سبحانه وتعالى، لأنه الحليم إذا غضب لم يقف لغضبه شيء، وحلمه عز وجل صادر عن قوة وقدرة، والله الحليم لا يغضب إلا على من لا يستحق الرحمة، ولا يصلح في حقه الحلم، وذلك بعد أن يعطي المهلة.

قال تعالى: ( فَلَمَّاۤ ءَاسَفُونَا ٱنتَقَمۡنَا مِنۡهُمۡ فَأَغۡرَقۡنَـٰهُمۡ أَجۡمَعِینَ ) الزخرف: 55 .

وقد يحلم الله على الكفار ويرزقهم، ولا يأخذهم بعقوبة في الدنيا ولكنه عز وجل لا يتأنى بهم في الآخرة، ولا يصفح عنهم بل تسوقهم الملائكة إلى النار، فلا يقبل لهم رجاء، ولا يخفف عنهم العذاب، ( فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا (68) ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِن كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَٰنِ عِتِيًّا (69) ) مريم: 68 – 69 ، ( یَسۡتَعۡجِلُونَكَ بِٱلۡعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِیطَةُۢ بِٱلۡكَـٰفِرِینَ ) العنكبوت: 54 .

حلاوة الامتثال !

والعبد يجاهد نفسه بالتخلق بهذا الخلق الكريم ألا وهو صفة الحلم، فهو جل جلاله حليم يحب من عباده الحلماء، كريم يحب الكرماء.

ألا إن حلم المرء أكبر نسبة يسامي بها عند الفخار كريم

فيا رب هب لي منك حلما ً فإنني أرى الحلم لم يندم عليه حليم

وقد أثنى الله عز وجل على نبيه إبراهيم الخليل عليه السلام بقوله: ( إِنَّ إِبۡرَ ٰهِیمَ لَحَلِیمٌ أَوَّ ٰه مُّنِیب ) هود: 75 ، وهي من صفات إسماعيل عليه السلام: ( فَبَشَّرۡنَـٰهُ بِغُلَـٰمٍ حَلِیم ) الصافات: 101 .

ولنبينا محمد صلى الله عليه وسلم النصيب الأوفر من هذا الخلق.

جاء في الصحيحين عن أنس ابن مالك رضي الله قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه برد نجراني غليظ الحاشية فأدركه أعرابي، فجذبه جذبة شديدة، فنظرت إلى صفحة عنق رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد آثرت بها حاشية الرداء، ثم قال: يا محمد ! مر لي من مال الله الذي عندك، فالتفت إليه فضحك، ثم أمر له بالعطاء.

ومدح النبي صلى الله عليه وسلم الأشج بن عبد القيس بقوله: ” إن فيك لخصلتين يحبهما الله: الحلم، والأناة ” أخرجه مسلم.

وروي عن ميمون بن مهران: ” أن جاريته جاءت ذات يوم بصفحة فيها مرقة حارة وعنده أضيف، فعثرت فصبت المرقة عليه، فأراد ميمون أن يضربها، فقالت الجارية: يا مولاي استعمل قول الله تعالى: ( وَٱلۡكَـٰظِمِینَ ٱلۡغَیۡظَ ) قال لها قد فعلت، فقالت: اعمل بما بعده: ( وَٱلۡعَافِینَ عَنِ ٱلنَّاسِۗ  ) فقال: قد عفوت عنك، فقالت الجارية: ( وَٱللَّهُ یُحِبُّ ٱلۡمُحۡسِنِینَ ) آل عمران: 134 ، قال: قد أحسنت إليك فأنت حرة لوجه الله تعالى “

قال أبو حاتم رحمه الله: الواجب على لاعاقل إذا غصب واحتد، أن يذكر كثرة حلم الله عنه، مع تواتر انتهاكه محارمه وتعديه حرماته، ثم يحلم ولا يخرجه غيظه إلى الدخول في أسباب المعاصي.

وفي الختام ..

إذا حلت بك محنة او بلاء، فادع الله وضمن اسم الله الحليم في دعائك، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعوه عند الكرب بهذا الدعاء: ” لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السماوات ورب الأرض ورب العرش الكريم ” أخرجه البخاري ومسلم.

اللهم ! كما حلمت على عبادك فاجعل حلمك علينا سعادة في الدارين .

ساهم في التعريف بأسماء الله الحسنى

انت المشاهد رقم