روى أبو يعلى في مسنده عن ابي هريرة رضي الله عنه قال: ان فرعون أوتد لامرأته أربعة اوتاد في يديها ورجليها، فكانوا إذا تفرقوا عنها ظللتها الملائكة، فقالت: ( رَبِّ ٱبۡنِ لِی عِندَكَ بَیۡتا فِی ٱلۡجَنَّةِ وَنَجِّنِی مِن فِرۡعَوۡنَ وَعَمَلِهِۦ وَنَجِّنِی مِنَ ٱلۡقَوۡمِ ٱلظَّـٰلِمِینَ ) التحريم: 11، حديث صحيح.

من غرفة فرعون الطاغية تخرج إحدى أعظم نساء الارض، ومن قصره يخرج موسى عليه السلام !!

فرعون القائل: ( سَنُقَتِّلُ أَبۡنَاۤءَهُمۡ وَنَسۡتَحۡیِۦ نِسَاۤءَهُمۡ وَإِنَّا فَوۡقَهُمۡ قَـٰهِرُونَ ) الأعراف: 127، فما كان من القهار إلا أن قهر هذا الطاغية، وجعله عبرة لمن خلفه، ( فَٱلۡیَوۡمَ نُنَجِّیكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنۡ خَلۡفَكَ ءَایَةۚ وَإِنَّ كَثِیرا مِّنَ ٱلنَّاسِ عَنۡ ءَایَـٰتِنَا لَغَـٰفِلُونَ ) يونس: 92.

فالله سبحانه وتعالى أنثى على ذاته العلية بقوله: ( وَهُوَ ٱلۡقَاهِرُ فَوۡقَ عِبَادِهِۦۚ وَهُوَ ٱلۡحَكِیمُ ٱلۡخَبِیرُ ) الأنعام: 18.

فربنا عز وجل القاهر بعز سلطانه، المتصرف في أكوانه، لا يقهر إرادته شيء.

قهر الجبابرة، وقصم القياصرة، وخضعت له الرقاب وذلت لجبروته الصعاب وعنت له الوجود ودانت له الخلائق، وتواضعت لعظمة جلاله وكبريائه.

وربنا سبحانه وتعالى هو الذي خضعت له المخلوقات، وذلت لعزته وقوته وكمال اقتداره.

القهار عز وجل لجميع العالم العلوي والسفلي، فلا يحدث حادث ولا يسكن ساكن إلا بإذنه، ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، هذا معنى الاسمين لربنا عز وجل (القاهر القهار).

وكذا القهار من أوصافه فالخلق مقهورون بالسلطان

لو لم يكن حيا ً عزيزا ً قادرا ً ما كان في قهر ولا سلطان

إنه القهار :

من الذي يجيب المضطر اذا دعاه ويكشف السوء؟ ومن الذي يحيي العظام وهي رميم، ويعيد الخلق كما بدأهم أول مرة، وهو أهون عليه؟ من للمظلوم إذا ظلم؟ من للضعيف إذا هضم؟

ربنا القاهر الحكيم عز وجل الذي لا يخلق شيئا ً عبثا ً ولا يترك شيئا ً سدى، ولا يقل فعلا ً او يشرع شرعا ً إلا لحكم، عرفها من عرفها وجهلها من جهلها.

إليك جميع الامر يرجع كله ومنك الاماني ترتجى والبشائر

فمن الذي يستحق التوحيد والعبادة ؟ أليس الله الواحد القهار الذي لا كفء له.

بها جادل يوسف عليه السلام صاحبيه في السجن، فقال: ( یَـٰصَـٰحِبَیِ ٱلسِّجۡنِ ءَأَرۡبَاب مُّتَفَرِّقُونَ خَیۡرٌ أَمِ ٱللَّهُ ٱلۡوَ ٰحِدُ ٱلۡقَهَّارُ ) يوسف: 39.

فهل رأيتم مقهورا ً يستطيع لنفسه نفعا ً او ضرا ً؟ فكيف يطلب ويتوكل على المقهور الضعيف، والله هو الواحد القهار ؟

وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم إذا فزع من نومه: ” لا إله إلا الله الواحد القهار رب السماوات والارض وما بينهما العزيز الغفار ” حديث صحيح، رواه ابن حبان.

فوض أمرك إليه ..

لما علم المؤمن بأن الله هو الواحد القهار، أعلن الاستسلام لله، وفوض أمره إلى الله وتوكل عليه، ولم يعظم إلا الله، ولم يخف إلا من الله وسقط الخوف من المخلوقين الضعفاء، حتى لو ادعوا القوة والقهر.

فهؤلاء سحرة فرعون لما دخل الايمان في قلوبهم وعلموا ان الله هو الواحد القهار، كان جوابهم لطاغية الارض فرعون عندما هددهم: ( قَالُوا۟ لَا ضَیۡرَۖ إِنَّاۤ إِلَىٰ رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ ) الشعراء: 50.

والله عز وجل القاهر للطغاة والعصاة: ( وَهُوَ ٱلۡقَاهِرُ فَوۡقَ عِبَادِهِۦۚ وَهُوَ ٱلۡحَكِیمُ ٱلۡخَبِیرُ ) الأنعام: 18، قهر قوم نوح بالطوفان وقهر قوم صالح بالصيحة، وقهر قوم عاد بالريح، وقهر قوم لوط بالحجارة، وقهر قارون بالخسف وقهر قوم سبأ بالجوع والعطش وضيق الأرزاق، وقهر بني إسرائيل بالخوف وتسليط الأعداء وكثرة القتل، وقهر قوما ً منهم بالمسخ والطاعون.

فقهر الله عز وجل ظاهر: ( وَمَا ظَلَمۡنَـٰهُمۡ وَلَـٰكِن كَانُوۤا۟ أَنفُسَهُمۡ یَظۡلِمُونَ ) النحل: 118، فالله الذي أطاحت صولته صولة المخلوقين، وبادت عند سطوته قوى الخلائق أجمعين: ( لِّمَنِ ٱلۡمُلۡكُ ٱلۡیَوۡمَۖ لِلَّهِ ٱلۡوَ ٰحِدِ ٱلۡقَهَّارِ ) غافر: 16.

يقول الرازي رحمه الله: فأين الجبابرة والأكاسرة عند ظهور هذا الخطاب ؟

وأين الأنبياء والمرسلون والملائكة المقربون في هذا العتاب ؟

أين أهل الضلال والإلحاد، والتوحيد والإرشاد ؟

وأين آدم وذريته ؟

وأين إبليس وشيعته ؟

وكأنهم بادوا وانقضوا ..!

زهقت النفوس، وتبددت الأرواح، وتلفت الأجسام والأشباح، وتفرقت الأوصال، وبقى الموجود الذي لم يزل ولا يزال.

وليس بالضرورة أن تحسم جميع القضايا في الدنيا، ثمة مظالم ستسأنف من جديد يوم القيامة وتلك الحقيقة هي أشد وقعا ً من المطارق الحامية على قلوب الظالمين .. ( وَأَنَّ مَرَدَّنَاۤ إِلَى ٱللَّهِ ) غافر: 43.

قال الشافعي: آية من القرآن هي سهم في قلب الظالم، وبلسم على قلب المظلوم، قيل وما هي؟ فقال قوله تعالى: ( وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِیّا ) مريم: 64.

اللهم يا ذا القهر والجبروت! اكفنا شر الأشرار وكيد الفجار.

ساهم في التعريف بأسماء الله الحسنى

انت المشاهد رقم