بعد الجوع شبع، وبعد الظمأ ري، وبعد الفقرغنى، وبعد السهر نوم، وبعد المرض عافية .. سيقضي الدين ويكثر الرزق ويفك الاسير ويفرج عن العاني، وينقشع الظلام، ( فَعَسَى ٱللَّهُ أَن یَأۡتِیَ بِٱلۡفَتۡحِ أَوۡ أَمۡر مِّنۡ عِندِهِۦ ) المائدة: 52 .

إذا حاصرتك الحاجات، وداهمتك الخطوب، والتفت من حولك الهموم، وكثرت الديون وضاق الرزق فعليك أن تتجه إلى الرزاق فارج الهم وكاشف الغم ومستجيب دعوة المضطر .

تعرف على الرزاق من قريب وعش مع هذا الاسم العظيم، الذي ما ولج أذن سامع إلا واطمئن قلبه، وسكنت روحه، وتغير حاله.

( إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلرَّزَّاقُ ذُو ٱلۡقُوَّةِ ٱلۡمَتِینُ ) الذاريات: 58 .

فربنا الرزاق المتكفل بالرزق والقائم على كل نفس، وسع الخلق كلهم رزقه ورحمته، فلم يختص الله عز وجل بذلك مؤمنا ً دون الكافر، ولا وليا ً دون عدو، يسوقه إلى الضعيف كما يسوقه إلى القوي، يسوقه إلى الجنين في بطن أمه، وإلى الطير في وكره، يسوقه إلى الثعبان في جحره، وإلى السمك في بحره، ( وَكَأَیِّن مِّن دَاۤبَّة لَّا تَحۡمِلُ رِزۡقَهَا ٱللَّهُ یَرۡزُقُهَا وَإِیَّاكُمۡۚ وَهُوَ ٱلسَّمِیعُ ٱلۡعَلِیمُ ) العنبكوت: 60 .

ورد الاسم مفردا ً مرة واحجة وورد بصيغة الجمع خمس مرات في القرآن الكريم.

الرزاق جاءت بصيغة مبالغة، حتى تطمئن نفسك، ولتعلم أن الله كريم ولتتعلق القلوب به وحده عز وجل .

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أصاب رجلا ً حاجة، فخرج إلى البرية، فقالت امرأته: اللهم ! ارزقنا ما نعتجن وما نختبز.

فجاء الرجل والجفنة ملأى عجينا ً، وفي التنور جنوب الشواء، والرحى تطحن، فقال: من اين هذا ؟ قالت: من رزق الله فكنس ما حول الرحى .

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” لو تركتها لدارت – أو قال: طحنت إلى يوم القيامة ” حديث صحيح، رواه الطبراني في المعجم الأوسط .

كتبت المقادير..

لو كان في صخرة البحر راسية صماء ملمومة ملس نواحيها 

رزق لعبد يراه الله لانفلقت حتى تؤدي إليه كل ما فيها 

أو كان بين أطباق السبع مسلكها لسهل الله في المرقى مراقيها 

حتى تنال الذي في اللوح خُط لها فإن أتته وإلا سوف يأتيها 

جاء في صحيح البخاري أنه صلى الله عليه وسلم قال: ” إن الله قد وكل بالرحم ملكا ً فيقول: أي رب نطفة، أي رب علقة، أي رب مضغة ! فإذا أراد الله أن يقضي خلقا قال الملك: أي ربي ذكر أم أثنى ؟ شقي أو سعيد، فما الرزق ؟ فما الأجل ؟ فيكتب كذلك في بطن أمه “

فرزقك من الرزاق مضمون، فلا يجره حرص حريص، ولا يرده كراهية كاره.

جاء في الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” إن الرزق ليطلب العبد كما يطلبه أجله ” حديث صحيح، رواه ابن حبان.

وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن نفسا ً لن تموت حتى تستوفي رزقها ” حديث صحيح، رواه ابن ماجة.

والله عز وجل ينزل الأرزاق بقدر فهو أعلم بحال العباد وما يصلحهم، ( ۞ وَلَوۡ بَسَطَ ٱللَّهُ ٱلرِّزۡقَ لِعِبَادِهِۦ لَبَغَوۡا۟ فِی ٱلۡأَرۡضِ وَلَـٰكِن یُنَزِّلُ بِقَدَر مَّا یَشَاۤءُۚ إِنَّهُۥ بِعِبَادِهِۦ خَبِیرُۢ بَصِیر ) الشورى: 27، قال ابن كثير رحمه الله: خبير بصير بمن يستحق الغنى ومن يستحق الفقر “.

خزائنه ملأى ..

ورزق الله لا ينفد، وكل ذلك بلا ثقل ولا كلفة ولا مشقة، فهو رازق بلا مؤونة.

جاء في الحديث القدسي: ” يا عبادي .. لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني، فأعطيت كل إنسان مسألته، ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر ” أخرجه مسلم.

ومع أن الله يرزق الخلق جميعا ً، فإنه واسع الحلم، وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ” ما أحد اصبر على أذى سمعه من الله، يدعون له الولد، ثم يعافيهم ويرزقهم ” أخرجه البخاري ومسلم.

قف !

وكثرة الرزق لا تدل على محبة الله عز وجل ! وهذا ظن الكفار والجهال: إن زيادة الرزق تدل على محبة الله ورضاه، فالله قد قال: ( وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (35) قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (36) ) سبأ: 35 – 36 .

كما أن قلة الرزق لا تدل على الإهانة: ( فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ (16) كَلَّا ) الفجر: 15 – 17 .

مفاتيح الأرزاق ..

وإن من أعظم ما يضفي السعادة والطمأنينة على العبد، ركونه إلى ربه وتوكله على رازقه واكتفاءه بولايته ورعايته، ( إِنَّ وَلِـِّۧیَ ٱللَّهُ ٱلَّذِی نَزَّلَ ٱلۡكِتَـٰبَۖ وَهُوَ یَتَوَلَّى ٱلصَّـٰلِحِینَ ) الأعراف: 196.

وإذا تولى الله العبد، جعل التقوى في قلبه وهي من أعظم أسباب الرزق وهي أعظم من كل نظريات الاقتصاد: ( وَلَوۡ أَنَّ أَهۡلَ ٱلۡقُرَىٰۤ ءَامَنُوا۟ وَٱتَّقَوۡا۟ لَفَتَحۡنَا عَلَیۡهِم بَرَكَـٰت مِّنَ ٱلسَّمَاۤءِ وَٱلۡأَرۡضِ وَلَـٰكِن كَذَّبُوا۟ فَأَخَذۡنَـٰهُم بِمَا كَانُوا۟ یَكۡسِبُونَ ) الأعراف: 96 ، ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ  ) الطلاق: 2 – 3 .

ومن سنن الله عز وجل في الكون أن الرزق مرتبط بالطاعة: ( وَلَوۡ أَنَّهُمۡ أَقَامُوا۟ ٱلتَّوۡرَىٰةَ وَٱلۡإِنجِیلَ وَمَاۤ أُنزِلَ إِلَیۡهِم مِّن رَّبِّهِمۡ لَأَكَلُوا۟ مِن فَوۡقِهِمۡ وَمِن تَحۡتِ أَرۡجُلِهِمۚ ) المائدة: 66 .

وكذا بالعكس، فإن المعاصي تمنع الرزق وتمحق البركة: ( ظَهَرَ ٱلۡفَسَادُ فِی ٱلۡبَرِّ وَٱلۡبَحۡرِ بِمَا كَسَبَتۡ أَیۡدِی ٱلنَّاسِ لِیُذِیقَهُم بَعۡضَ ٱلَّذِی عَمِلُوا۟ لَعَلَّهُمۡ یَرۡجِعُونَ ) الروم: 41 .

أرزاق منسية !

حسن الخلق، وأمن في وطن، وصحة جسد، وقوت يوم، ولقاء محب، ووجود أخ، وضحكة ابن، وصلاح زوجة، وصديق الصالح، وسكينة روح، وعين ترى، ولسان ينطق، وأذن تسمع، ونوم هنيء، وأعظم ذلك .. من من الله عليه بوجود والديه أو أحدهما.

وإذا رزقت خليقة محمودة فقد اصطفاك مقسم الأرزاق 

فالناس هذا حظه مال وذا علم وذاك مكارم الأخلاق 

أخيرا ً ..

ليحذر العبد من تخويف الشيطان له في الرزق، فالله عز وجل قال: ( ٱلشَّیۡطَـٰنُ یَعِدُكُمُ ٱلۡفَقۡرَ وَیَأۡمُرُكُم بِٱلۡفَحۡشَاۤءِۖ وَٱللَّهُ یَعِدُكُم مَّغۡفِرَة مِّنۡهُ وَفَضۡلاۗ وَٱللَّهُ وَ ٰسِعٌ عَلِیم ) البقرة: 268.

ويقول أحد السلف: صدق الناس إبليس وكذبوا الله في الرزق !

النفس تجزع أن تكون فقيرة والفقير خير من غنى يطغيها 

وغنى النفس هو الكافي فإن أبت فجميع ما في الأرض لا يكفيها

اللهم ! ارزقنا الهدى والتقى والعفاف والغنى وأنت خير الرازقين.

ساهم في التعريف بأسماء الله الحسنى

انت المشاهد رقم