رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا ً يغتسل بالبراز بلا إزاز يعني الفضاء الواسع من الأرض، فكره النبي صلى الله عليه وسلم فعله فصعد المنبر فحمد الله واثنى عليه ثم قال: ” إن الله حيي ستير، يحب والحياء والستر، فإذا اغتسل أحدكم فليستتر ” حديث صحيح، رواه أبو داود.

فربنا جل جلاله هو الحيي الموصوف بكمال الحياء، الذي يليق بكماله وجلاله وعلوه، ليس كحياء المخلوقين، الذي هو تغير وانكسار.

حياء الرب جل جلاله نوع آخر لا تدركه الأفهام، ولا تكيفه العقول، فإنه حياء كرم وبر وجود وجلال.

فمن جلال الله عز وجل أن حياءه هو: ترك ما ليس يتناسب مع سعة رحمته وكمال جوده وكرمه وعظيم عفوه وحلمه، ومن ذلك أنه يستحيي أن يرد عبده إذا رفع يديه إليه بالدعاء.

قال صلى الله عليه وسلم: ” إن الله حيي كريم، يستحيي إذا رفع الرجل إليه يديه أن يردهما صفرا ً خائبتين ” حديث صحيح، رواه الترمذي.

ومن جلاله عز وجل، أنه مع كمال غناه، وتمام قدرته يستحيي من هتك ستر العبد وفضحه.

وهو الحيي فليس يفضح عبده عند التجاهر منه بالعصيان

لكنه يلقي عليه ستره فهو الستير وصاحب الغفران

ومن عدل الله: أنه لا يستحيي من الحق، قال تعالى: ( وَٱللَّهُ لَا یَسۡتَحۡیِۦ مِنَ ٱلۡحَقِّۚ ) الأحزاب: 53 ، وعلى قدر المشاهدة لله تكون قوة الحياء في قلب المؤمن.

حقيقة..

ومن زاد إيمانه زاد حياؤه، ولذا كان الأنبياء من أشد الناس حياء وقد وصف النبي (ص) بأنه: أشد حياء من العذراء في خدرها .

والحياء جزء من أجزاء الإيمان، جاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ” الإيمان بضع وسبعون شعبة، والحياة من من الإيمان ” أخرجه البخاري ومسلم.

وأعظم الحياء وأحبه: الحياء من الله عز وجل .

ولما قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: ” استحيوا من الله حق الحياء ” قالوا: يا رسول الله ! إنا نستحيي والحمدلله ! قال: ” ليس ذاك ولكن من استحيا من الله حق الحياء، فليحفظ الرأس وما وعى، وليحفظ البطن وما حوى، وليذكر الموت والبلى، ومن أراد الأخرة ترك زينة الحياة الدنيا، فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء ” حديث حسن، رواه الترمذي.

قال ابن القيم رحمه الله: من استحى من الله عند معصيته، استحى الله من عقوبته يوم يلقاه، ومن لم يستحِ من معصيته، لم يستحِ الله من عقوبته .

ما أجمل الحياء !

وهو لا يأتي إلا بالخير، مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على رجل يعاتب آخر في حيائه، إنك لتستحيي ! حتى كأنه يقول: قد اضربك ! فقال له صلى الله عليه وسلم: ” دعه فإن الحياء من الإيمان ” رواه الشيخان.

الحياء: دليل على المروءة، وعنوان على الشهامة، وآية على حسن الخلق.

الحياء: استشعار لعظمة الله عز وجل، واستحضار لهيبته، ومراقبة لجلاله .

قال بعض السلف: علمت أن الله مطلع عليّ، فاستحييت أن يراني على معصية.

وإذا خلوت في ظلمة والنفس داعية إلى العصيان

فاستحيي من نظر الإله وقل له إن الذي خلق الظلام يراني

قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: من قل حياؤه، قل ورعه، ومن قل ورعه مات قلبه.

قال ابن دقيق العيد رحمه الله: إن الحياء لم يزل ممدوحا ً مستحسنا ً مأمورا ً به، لم ينسخ في شرائع الأنبياء الأولين.

وأخيرا ً ..

حين وصف الله سبحانه وتعالى نساء الجنة قال: ( فِیهِنَّ قَـٰصِرَ ٰتُ ٱلطَّرۡفِ لَمۡ یَطۡمِثۡهُنَّ إِنس قَبۡلَهُمۡ وَلَا جَاۤنّ ) الرحمن: 56، اي: لا ينظرن إلى أزواجهن، ثم وصف حسنهن وجمالهن، ( كَأَنَّهُنَّ ٱلۡیَاقُوتُ وَٱلۡمَرۡجَانُ ) الرحمن: 58 ، قدم صفة العفة والحياء على صفة الحسن والجمال، فلا قيمة لجمال المرأة بلا عفاف وحياء.

قيل: من عقوبات المعاصي، ذهاب الحياء وصفاء الوجه، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ” إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى، إذا لم تستحِ فافعل ما شئت ” أخرجه البخاري.

إذا لم تخش عاقبة الليالي ولم تستحي فاصنع ما تشاء

يعيش المرء ما استحيا بخير ويبقى العود ما بقى اللحاء

وتذكر ان من أبعض الناس غلى الله، من بات عاصيا ً والله يستره، ثم يصبح يكشف ستر الله عليه.

اللهم! ارزقنا الحياء منك ووفقنا لتحقيق خشيتك في الغيب والشهادة، والسر والعلانية.

ساهم في التعريف بأسماء الله الحسنى

انت المشاهد رقم