قال ابن القيم: وإذا تأملت ما دعى الله سبحانه وتعالى في كتابه عباده الى الفكر فيه، أوقعك على العلم به سبحانه وتعالى وبوحدانيته وصفات كماله ونعوت جلاله.

كم في كتاب الكون من عبر لأولى النهى والبحث والنظر 

في الأرض في الآفاق قاطبة في النفس في الاصوات في الصور

نقف مع اسم الله (المصوّر جل جلاله).

قال تعالى ( هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ ) الحشر: 24.

فربنا جل جلاله الذي صوّر خلقه كيف شاء، وصور جميع الموجودات ورتبها فأعطى كل شيء منها صورة خاصة، وهيئة مفردة يتميز بها على اختلافها وقد صور سبحانه وتعالى كل صورة على الصفة التي يريد، والصورة التي يختار وهو ينفذ ما يريد على الصفة التي يريدها، ( فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ ) الانفطار: 8.

فربنا جل جلاله هو الذي هيأ خلقه وعدلهم إلى الاشكال والهيئات التي توافق تقديره وعلمه ورحمته، والتي تتناسب مع مصالح الخلق ومنافعهم، فأتت على صور مختلفة، وهيئات متباينة، من الطول والقصر والحسن والقبح والذكورة والانوثة، كل واحد بصورته الخاصة.

قال سبحانه وتعالى: ( وَلَقَدۡ خَلَقۡنَـٰكُمۡ ثُمَّ صَوَّرۡنَـٰكُمۡ ) الاعراف: 11، وقال: ( وَصَوَّرَكُمۡ فَأَحۡسَنَ صُوَرَكُمۡۖ وَإِلَیۡهِ ٱلۡمَصِیرُ ) التغابن: 3.

يا عالم الغيب منا والشهادة يا رب البرية تركيبا ً وتصويرا ً 

شهدت انك فرد واحد أحد شهادة لم تكن مينا ً ولا زورا ً 

وجهت وجهي في سري وفي علني إليك حمدا ً وتهليلا ً وتكبيرا ً

وقال سبحانه وتعالى: ( هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ ) الحشر: 24، فالاسماء الثلاثة ( الخالق والبارئ والمصوّر ) اذا اجتمعت دل كل واحد منها على معنى، فالخلق هنا: التقدير، والبرء هنا: الاختراع، والتصوير هنا: إعطاء كل شيء صورته، وعند افتراقها فالمعنى واحد.

فربنا جل جلاله أراد وقدر ثم برأ: أي خلق وأوجد، ثم خص كل مخلوق بالصورة والهيئة المناسبة: ( سُبۡحَـٰنَ ٱللَّهِ عَمَّا یَصِفُونَ ) المؤمنون: 91.

كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في سجوده: ” اللهم لك سجدت وبك آمنت ولك أسلمت، سجد وجهي للذي خلقه وصوّره، وشق سمعه وبصره، تبارك الله أحسن الخالقين ” أخرجه مسلم.

أكمل الدلالات ..:

خلق الانسان آية للمتوسمين، وعبرة للمعتبرين وعظة للمتعظين، ( وَفِیۤ أَنفُسِكُمۡۚ أَفَلَا تُبۡصِرُونَ ) الذاريات: 21.

وفي نفس الانسان وخلقه أعظم الدلائل على خالقه وفاطره.

وأقرب شيء إلى الانسان نفسه، وفيه من العجائب الدالة على عظمة الله عز وجل ما تنقضي الاعمار في الوقوف على بعضه ولكن الانسان معرض عن ذلك، ولو تأمل قليلا ً لا نزجر عن كفره وجحوده، ( قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ (17) مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ (18) مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ (19) ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ (20) ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ (21) ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ (22) ) عبس: 17 – 22.

يعيش فوق الارض ما يزيد على سبعة مليارات نسمة، كل واحد منهم تغاير صورته صورة غيره في الملامح والسمات والألوان والهيئات، والأب واحد والأم واحدة، ولكنه صنع الله تعالى ( صُنۡعَ ٱللَّهِ ٱلَّذِیۤ أَتۡقَنَ كُلَّ شَیۡءٍۚ إِنَّهُۥ خَبِیرُۢ بِمَا تَفۡعَلُونَ ) النمل: 88، ألا يستوجب ذلك الشكر ؟ والعبد يرى نعم الله عز وجل عليه من كان نطفة في بطن أمه، ثم صور سمعه وبصره ونفع فيه من الروح، ثم غذاه وسقاه وكساه وآواه وكفاه، ومن كل ما سأل أعطاه: ( أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (8) وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ (9) وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ (10) ) البلد: 8 – 10.

ومن أعظم الشكر: استخدام نعم الله عز وجل في طاعته، وإبعادها عن معصيته وما يغضبه.

وأخيرا ً..

العاقل لا يسخر من صور الناس ولا من أشكالهم، لأنه يعلم بأن الله هو الذي خلقهم، ( هُوَ ٱلَّذِی یُصَوِّرُكُمۡ فِی ٱلۡأَرۡحَامِ كَیۡفَ یَشَاۤءُۚ لَاۤ إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلۡعَزِیزُ ٱلۡحَكِیمُ ) آل عمران: 6.

فالله هو الخالق البارئ المصور فليس لصاحب الشكل الذميم ذنب فيعير ويلام، وليس لصاحب الشكل الجميل فضل أو يد فيشكر ويزان.

قال رجل لحكيم: يا قبيح الوجه ! فقال: ما كان خلق وجهي إلي فأحسنه، فمن ذم صنعة فقد ذم صانعها ، وفي الحديث: ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ” كل خلق الله عز وجل حسن ” السلسلة الصحيحة للألباني.

فإذا رأيت مبتلى فاحمد الله ان يعافيه، وكما قيل: لا تسخر من أخيك فيعافيه الله ويبتليك.

وكان عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فيقول: البلاء موكل بالقول، لو سخرت من كلب، لخشيت أن أكون كلبا ً.

وعن إبراهيم النخعي رحمه الله أنه قال: إني لأرى الشيء مما يعاب، ما يمنعني أن أتكلم فيه إلا مخافة أن أبتلى بمثله.

اللهم يا خالق يا بارئ يا مصور ! نسألك ان تجعلنا من خيرة خلقك وترحمنا يوم العرض عليك.

ساهم في التعريف بأسماء الله الحسنى

انت المشاهد رقم