جاء في الصحيحين: أن عامر بن الطفيل وأربد بن قيس كادا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وسعيا في قتله فدعا عليهما .

أما عامر بن الطفيل، فأصيب بغدة في نحره وهو بيت امرأة من بني سلول، فوثب على فرسه وأخذ رمحه وأقبل على فرسه وهو يقول: غدة كغدة البعير، وموت في بيت سلولية ! فلم تزل تلك حاله حتى سقط عن فرسه ميتا ً .

وأما أربد بن قيس: فخرج معه جمل يبيعه فأرسل الله عليه وعلى جمله صاعقة فأحرقتهما، فمن حفظ رسول الله ؟ إنه الله الحافظ .

القائل في كتابه العزيز: ( فَٱللَّهُ خَیۡرٌ حَـٰفِظاۖ وَهُوَ أَرۡحَمُ ٱلرَّ ٰحِمِینَ ) يوسف: 64 ، ربنا عز وجل يحفظ السماء والارض وما فيهما ويدوم بقائهما بقدرته، فلا يزولان ولا يحيدان، ولا يعجزه حملهما لكمال قدرته وقوته، ألم تسمع قوله تعالى: ( ۞ إِنَّ ٱللَّهَ یُمۡسِكُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ أَن تَزُولَاۚ وَلَىِٕن زَالَتَاۤ إِنۡ أَمۡسَكَهُمَا مِنۡ أَحَد مِّنۢ بَعۡدِهِۦۤۚ إِنَّهُۥ كَانَ حَلِیمًا غَفُورا ) فاطر: 41 .

وربنا عز وجل يحفظ على خلقه ما يعملون من خير وشر في سر وعلن وصغير وكبير، قد أحصى أقوالهم وعلم نياتهم فلا تغيب عنه غائبة، ( وَعِندَنَا كِتَـٰبٌ حَفِیظُۢ ) ق: 4 .

وهو الذي يحفظ عبده من المهالك والمعاطب، ومصارع السوء، جعل له حفظة من الملائكة هم المعقبات بأمره، قال الله : ( لَهُۥ مُعَقِّبَـٰت مِّنۢ بَیۡنِ یَدَیۡهِ وَمِنۡ خَلۡفِهِۦ یَحۡفَظُونَهُۥ مِنۡ أَمۡرِ ٱللَّهِۗ ) الرعد: 11 .

وحفظ الله لخلقه نوعان: 

عام: وهو حفظه لجميع المخلوقات بأن ييسر لها مصالحها، قال الله تعالى ( إِنَّ رَبِّی عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءٍ حَفِیظ ) هود: 57 .

وحفظ خاص (وهو أشرف النوعين) : حفظه لأوليائه في مصالح دنياهم وفي أبدانهم وأولادهم ومالهم، فجعل لهم معقبات تحفظهم وحفظ لهم دينهم من الشبهات والشهوات، ومن أعدائهم من شياطين الإنس والجن، ثم يتوفاهم على الإيمان.

قال الله عز وجل: ( لَهُۥ مُعَقِّبَـٰت مِّنۢ بَیۡنِ یَدَیۡهِ وَمِنۡ خَلۡفِهِۦ یَحۡفَظُونَهُۥ مِنۡ أَمۡرِ ٱللَّهِۗ ) الرعد: 11 .

وربنا الذي تكفل بحفظ كتابه العزيز من التحريف والتغيير على مر العصور والدهور، ( إِنَّا نَحۡنُ نَزَّلۡنَا ٱلذِّكۡرَ وَإِنَّا لَهُۥ لَحَـٰفِظُونَ ) الحجر: 9 .

وحفظ الكعبة من الزوال مع أنه بيت من حجارة في واد غير ذي زرع،ن لتبقى شاهدة على جليل حفظه وعظيم قدرته وقوته.

يدافع عنك ..

يجتمع كفار قريش حول غار فيه رجلان: محمد صلى الله عليه وسلم وصاحبه أبو بكر الصديق رضي الله عنه، يريدون قتلهما، فيتسلل الخوف إلى قلب أبي بكر فينظر إليه صاحبه العظيم ويقول له: ” ما ظنك باثنين الله ثالثهما “. أخرجه البخاري ومسلم.

وإذا العناية لاحظتك عيونها نم فالمخاوف كلهن أمان

إنه الحفيظ !

يكيد الطغاة للأولياء فيحفظ الله أولياءه، فهذا موسى عليه السلام يقول ( قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَن يَطْغَىٰ (45) قَالَ لَا تَخَافَا ۖ إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَىٰ (46) ) طه: 45 – 46 ، فبشره الله وحفظه، ونصره على عدوه.

فمن الذي ينصر على الاعداء ؟ إنه الله الحافظ لأوليائه وإن قل عددهم ( وَإِن یَكُن مِّنكُمۡ أَلۡف یَغۡلِبُوۤا۟ أَلۡفَیۡنِ بِإِذۡنِ ٱللَّهِۗ ) الأنفال: 66 ، ( وَلَا تَهِنُوا۟ وَلَا تَحۡزَنُوا۟ وَأَنتُمُ ٱلۡأَعۡلَوۡنَ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِینَ ) آل عمران: 139 .

مكافأة ربانية ..:

يحفظ الحافظ سبحانه وتعالى ذرية أوليائه سواء في حياتهم او بعد مماتهم فهذا يعقوب عليه السلام يرد الله إليه حبيبه يوسف بعد سنين طوال، وهو عليه السلام القائل: ( فَٱللَّهُ خَیۡرٌ حَـٰفِظاۖ وَهُوَ أَرۡحَمُ ٱلرَّ ٰحِمِینَ ) يوسف: 64 .

وفي خبر موسى والخضر عليهما السلام عندما أتيا أهل قرية فاستطعما أهلها، فأبوا أي يضيفوهما، فوجدا فيها جدارا ً يريد أن ينقض فأقامه الخضر عليه السلام، ( وَأَمَّا ٱلۡجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَـٰمَیۡنِ یَتِیمَیۡنِ فِی ٱلۡمَدِینَةِ وَكَانَ تَحۡتَهُۥ كَنز لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَـٰلِحا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن یَبۡلُغَاۤ أَشُدَّهُمَا وَیَسۡتَخۡرِجَا كَنزَهُمَا رَحۡمَة مِّن رَّبِّكَۚ وَمَا فَعَلۡتُهُۥ عَنۡ أَمۡرِیۚ ذَ ٰلِكَ تَأۡوِیلُ مَا لَمۡ تَسۡطِع عَّلَیۡهِ صَبۡرا ) الكهف: 82 .

يموت الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز عن سبعة من الذكور وسبع من الإناث ولم يخلف لهم شيئا ً إلا الله عزوجل فيحفظ الله الأولاد، قال العلماء: وكان أبناؤه من أغنى الناس .

وصية ثمينة..:

يوصي النبي صلى الله عليه وسلم ابن عباس رضي الله عنهما: ” يا غلام، إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده أمامك ! ” حديث صحيح، رواه الترمذي.

ولما قيل لمحب الدين الطبري – وهو إمام شافعي كبير : قفزت السفينة وأنت شيخ كبير ؟ فقال (كلمة خلدت في التاريخ): هذه أعضاء حفظناها في الصغر فحفظها الله لنا في الكبر ، ( فَٱللَّهُ خَیۡرٌ حَـٰفِظاۖ وَهُوَ أَرۡحَمُ ٱلرَّ ٰحِمِینَ ) يوسف: 64 .

قال العلماء: احفظ أوامر الله بالامتثال، ونواهيه بالاجتناب، وحدوده بعدم تعديها، يحفظك في نفسك ودينك ومالك وولدك، في جميع ما آتاك الله من فضله في الدنيا، قال صلى الله عليه وسلم: ” احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده أمامك ! ” حديث صحيح، رواه الترمذي.

وأما في الآخرة، فقد بشرهم الله بالفوز العظيم، قال الله تعالى (وَٱلۡحَـٰفِظُونَ لِحُدُودِ ٱللَّهِۗ وَبَشِّرِ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ ) التوبة: 112 .

وعلى قدر حفظك لحدود الله يكون قدر الولاية، ويدخل في هذا:

حفظ التوحيد، وحفظ شعائر الدين، ولا سيما الصلاة: ( حَـٰفِظُوا۟ عَلَى ٱلصَّلَوَ ٰتِ وَٱلصَّلَوٰةِ ٱلۡوُسۡطَىٰ وَقُومُوا۟ لِلَّهِ قَـٰنِتِینَ ) البقرة: 238 .

وحفظ السمع والبصر والفؤاد عن الحرام: ( حَـٰفِظُوا۟ عَلَى ٱلصَّلَوَ ٰتِ وَٱلصَّلَوٰةِ ٱلۡوُسۡطَىٰ وَقُومُوا۟ لِلَّهِ قَـٰنِتِینَ ) الإسراء: 36 ، ( فَٱلصَّـٰلِحَـٰتُ قَـٰنِتَـٰتٌ حَـٰفِظَـٰت لِّلۡغَیۡبِ بِمَا حَفِظَ ٱللَّهُۚ ) النساء: 34 .

وحفظ الفرج: ( وَٱلَّذِینَ هُمۡ لِفُرُوجِهِمۡ حَـٰفِظُونَ ) المؤمنون: 5 .

وحفظ الإيمان: ( لَا یُؤَاخِذُكُمُ ٱللَّهُ بِٱللَّغۡوِ فِیۤ أَیۡمَـٰنِكُمۡ وَلَـٰكِن یُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ ٱلۡأَیۡمَـٰنَۖ فَكَفَّـٰرَتُهُۥۤ إِطۡعَامُ عَشَرَةِ مَسَـٰكِینَ مِنۡ أَوۡسَطِ مَا تُطۡعِمُونَ أَهۡلِیكُمۡ أَوۡ كِسۡوَتُهُمۡ أَوۡ تَحۡرِیرُ رَقَبَةۖ فَمَن لَّمۡ یَجِدۡ فَصِیَامُ ثَلَـٰثَةِ أَیَّامۚ ذَ ٰلِكَ كَفَّـٰرَةُ أَیۡمَـٰنِكُمۡ إِذَا حَلَفۡتُمۡۚ وَٱحۡفَظُوۤا۟ أَیۡمَـٰنَكُمۡۚ كَذَ ٰلِكَ یُبَیِّنُ ٱللَّهُ لَكُمۡ ءَایَـٰتِهِۦ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ ) المائدة: 89 .

صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يدعو: ” اللهم ! احفظني من بين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي، ومن فوقي ومن تحتي، وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي ” حديث صحيح، رواه الترمذي

وإذا أراد النوم طلب صلى الله عليه وسلم من الله الحفظ.

بشرى ..

ان العبد الصالح اذا استودع الله شيئا حفظه، كما جاء ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي هريرة: ” أستودعك الله الذي لا تضيع ودائعه ” حديث صحيح، رواه ابن ماجة .

وفي حديث آخر: ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” إن الله اذا استودع شيئا حفظه “. حديث صحيح، رواه البيهقي في السنن الكبرى .

وما أجمل أن تعوذ أبناءك كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل، كان يعوذ الحسن والحسين رضي الله عنهما وإذا استودعهم الله فقد استودعهم للحافظ: ( فَٱللَّهُ خَیۡرٌ حَـٰفِظاۖ وَهُوَ أَرۡحَمُ ٱلرَّ ٰحِمِینَ ) يوسف: 64 .

اللهم ! إنا نستودعك أنفسنا ووالدينا وأبناءنا وكل نعمة أنعمت بها علينا.

ساهم في التعريف بأسماء الله الحسنى

انت المشاهد رقم