رسالة قبل البدء:

إلى من سلك كل الطرق، فرآها قد سدت، وطرق الابواب، فوجدها قد غلقت.

والى من تلمس جوانب نفسه وخبايا سريرته فضاقت عليه الارض بما رحبت..

والى من أحس بمرارة الذل وقيود العجز تطؤه وتحطم كيانه ..

والى من جفاه الاخوان واعرض عن الخلان، فشمت العدو وضعفت الثقة..

والى من داهمته المصائب ونازلته الخطوب، وحفت به المكاره وأبطأ نحوه الفرج..

والى من قسا قلبه ويئست روحه، ومل من الحياة..

والى من ألم به المرض او ارهقه الدين او حل به الفقر او تعثرت به الحاجة ..

أقول له: لا تحزن فالله هو القابض والباسط جل جلاله، يكفيك كل همك ويحفظ في الازمات ويرعاك في الملمات ويمنحك العز بلا عشرة والغنى بلا مال، ويزيدك اذا شكرته ويذكرك الى ذكرته، ويعطيك اذا سألته..

فأقبل عليه وتقرب إليه بمعرفة اسميه: ( القابض والباسط ) بهذين الاسمين المقرونين فإنهما من الاسماء المتقابلة التي لا ينبغي ان يثنى عليه سبحانه وتعالى بواحد منهما دون الاخر.

وحتى تطمئن نفسك وينشرح صدرك، قل كما كان حبيبك صلى الله عليه وسلم يقول: ” اللهم! لك الحمد كله، اللهم! لا قابض لما بسطت، ولا باسط لما قبضت، ولا مقرب لما باعدت، ولا مباعد لما قربت، ولا معطي لما منعت، ولا مانع لما اعطيت، اللهم! ابسط علينا من بركاتك، ورحمتك، وفضلك، ورزقك ” حديث صحيح، رواه البخاري في الادب المفرد.

في ظلال اسميه: القابض والباسط:

فربنا سبحانه وتعالى الذي يبسط الرزق لمن يشاء من عبده حتى لا تبقى فاقة، ويقبضه عمن يشاء حتى لا تبقى طاقة، بكمال القدرة والعدل، على حسب ما تقتضيه حكمته، وما يليق بأحوال عباده، واذا زاده سبحانه لم يزده سرفا ً ولا خرقا ً، واذا نقصه لم ينقصه عدما ً ولا بخلا ً، فالله سبحانه وتعالى قد قال: ( ۞ وَلَوۡ بَسَطَ ٱللَّهُ ٱلرِّزۡقَ لِعِبَادِهِۦ لَبَغَوۡا۟ فِی ٱلۡأَرۡضِ وَلَـٰكِن یُنَزِّلُ بِقَدَر مَّا یَشَاۤءُۚ إِنَّهُۥ بِعِبَادِهِۦ خَبِیرُۢ بَصِیر ) الشورى: 27.

وفي الحديث: لما غلت الاسعار في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم طلب الصحابة رضي الله عنهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يحدد الاسعار، فقالوا: يا رسول اللهّ غلا السعر، فسعّر لنا؟ فقال: ” ان الله هو المسعر القابض الباسط الرازق ” حديث صحيح، رواه ابن ماجة.

وربنا سبحانه وتعالى يقبض الصدقات من الاغنياء ويبسط الارزاق للضعفاء، يقبض الصدقات فيربيها ويبسط النعم ويهيئها.

وربنا سبحانه وتعالى يقبض الأرواح عن الاجساد عند الممات ويبسط الارواح فيها عند الحياة.

وربنا سبحانه وتعالى يقبض القلوب، فيضيقها حتى تصير حرجا ً كأنما تصعد في السماء، ويبسطها بما يفيض عليها من معاني بره ولطفه وجماله، فتبقى منشرحة، فالله عز وجل قال: ( فَمَن یُرِدِ ٱللَّهُ أَن یَهۡدِیَهُۥ یَشۡرَحۡ صَدۡرَهُۥ لِلۡإِسۡلَـٰمِۖ وَمَن یُرِدۡ أَن یُضِلَّهُۥ یَجۡعَلۡ صَدۡرَهُۥ ضَیِّقًا حَرَجا كَأَنَّمَا یَصَّعَّدُ فِی ٱلسَّمَاۤءِۚ كَذَ ٰلِكَ یَجۡعَلُ ٱللَّهُ ٱلرِّجۡسَ عَلَى ٱلَّذِینَ لَا یُؤۡمِنُونَ ) الأنعام: 125.

وربنا سبحانه وتعالى يقبض ويبسط بيديه الكريمتين على الحقيقة وعلى الكيفية التي تليق بجلاله وكماله لمن شاء من الخليقة، فمن ذلك الارض والسماوات العلى.

فالله سبحانه وتعالى قال: ( وَٱلۡأَرۡضُ جَمِیعا قَبۡضَتُهُۥ یَوۡمَ ٱلۡقِیَـٰمَةِ وَٱلسَّمَـٰوَ ٰتُ مَطۡوِیَّـٰتُۢ بِیَمِینِهِۦۚ  ) الزمر: 67، وصح عنه صلى الله عليه وسلم انه قال: ” يأخذ الله عز وجل سماواته وأرضيه بيديه، فيقول: انا الله – ويقبض اصابعه ويبسطها – انا الملك ” أخرجه مسلم.

والله جل جلاله ربنا يبسط يده بالتوبة لمن اساء، فصح عنه صلى الله عليه وسلم انه قال: ” ان الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها ” أخرجه مسلم.

وهو سبحانه الذي يملي للعصاة فيجعلهم بين الخوف والرجاء.

وربنا يبسط يديه لمن سأله ودعاه في كل ليلة، صح عنه صلى الله عليه وسلم انه قال: ” .. ثم يبسط يديه عز وجل ويقول: من يقرض غير عدوم، ولا ظلوم ؟ ” اخرجه مسلم.

وربنا سبحانه وتعالى يبسط لمن يشاء في العلم والخلقة، قال تعالى: ( وَزَادَهُۥ بَسۡطَة فِی ٱلۡعِلۡمِ وَٱلۡجِسۡمِۖ ) البقرة: 247.

وربنا يقبض بيده الكريمة، فيعتق أقواما ً من النار لم يعملوا خيرا ً قط، كما جاء في الحديث الطويل: ” فيقبض قبضة من النار، فيخرج منها قوما ً لم يعملوا خيرا ً قط ” اخرجه مسلم.

وربنا يقبض ويبسط الظلال والانوار وما يترتب على ذلك من اختلاف الليل والنهار. 

وهو سبحانه وتعالى يقبض بالتحريم ويبسط بالاباحة.

وهو سبحانه وتعالى يقبض قلوب العباد ويبسطها، والمؤمن يعيش بين الرجاء والخوف.

هو قابض هو باسط هو خافض هو رافع بالعدل والميزان

الميزان: 

فالعبد حين يسير الى ربه متقدما ً بالطاعة، متقلبا ً بين قرض ونفل، مستزيدا ً منهما، قد تعلق قلبه برهبه، فتراه منشرح الصدر مسرورا ً، فالله تعالى قد بسط له هذه الحالة فإذا جاء العبد المؤمن بمعصية، فتراه في ضيق وكآبة.

وهذا الضيق هو القبض منه سبحانه وتعالى وهي محنة عاجلة موصلة الى جوده، ( وَعَلَى ٱلثَّلَـٰثَةِ ٱلَّذِینَ خُلِّفُوا۟ حَتَّىٰۤ إِذَا ضَاقَتۡ عَلَیۡهِمُ ٱلۡأَرۡضُ بِمَا رَحُبَتۡ وَضَاقَتۡ عَلَیۡهِمۡ أَنفُسُهُمۡ وَظَنُّوۤا۟ أَن لَّا مَلۡجَأَ مِنَ ٱللَّهِ إِلَّاۤ إِلَیۡهِ ثُمَّ تَابَ عَلَیۡهِمۡ لِیَتُوبُوۤا۟ۚ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِیمُ ) التوبة: 118.

فالانشراح والإقبال على الله هو البسط، وهو من الباسط سبحانه وتعالى.

والضيق والرجوع عن الطاعة او عدم التلذذ بالطاعة هو القبض، وهو من القابض سبحانه وتعالى، فربنا قبضته الذنوب ظاهرة او خفية كأمراض القلوب.

قال صلى الله عليه وسلم: ” اذا اذنب العبد نكت في قلبه نكتة سوداء، فإن تاب صقل منها، فإن عاد عادت حتى تعظم في قلبه، فذلك الران الذي قال الله: ( كَلَّاۖ بَلۡۜ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا۟ یَكۡسِبُونَ ) المطففين: 14 ” رواه ابن حبان، وصححه شعيب الأرناؤوط.

فالمؤمن حاله بين قبض وبسط، لذا يسأل الله دائما ً الثبات وحسن الخاتمة، وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: ” يا مقلب القلوب، ثبت قلبي على دينك ” حديث صحيح، رواه الترمذي، فهذا حال المؤمن مع ربه، فكيف حال من أصرّ على المعاصي ؟

أعظم البسط :

لذلك قال العلماء: ان اعظم البسط، بسط الرحمة على القلوب، حتى تستضيء وتخرج من وضر الذنوب، ( أَفَمَن شَرَحَ ٱللَّهُ صَدۡرَهُۥ لِلۡإِسۡلَـٰمِ ) الزمر: 22، ( فَمَن یُرِدِ ٱللَّهُ أَن یَهۡدِیَهُۥ یَشۡرَحۡ صَدۡرَهُۥ لِلۡإِسۡلَـٰمِۖ ) الانعام: 125.

وضده: المذكور في قوله: ( وَمَن یُرِدۡ أَن یُضِلَّهُۥ یَجۡعَلۡ صَدۡرَهُۥ ضَیِّقًا حَرَجا كَأَنَّمَا یَصَّعَّدُ فِی ٱلسَّمَاۤءِۚ ) الانعام: 125.

ولما قال الله تعالى: ( قُلۡ إِنَّ رَبِّی یَبۡسُطُ ٱلرِّزۡقَ لِمَن یَشَاۤءُ وَیَقۡدِرُ وَلَـٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا یَعۡلَمُونَ ) سبأ: 36، وقال تعالى: ( إِنَّ رَبَّكَ یَبۡسُطُ ٱلرِّزۡقَ لِمَن یَشَاۤءُ وَیَقۡدِرُۚ إِنَّهُۥ كَانَ بِعِبَادِهِۦ خَبِیرَۢا بَصِیرا ) الاسراء: 30، أخبر: ان القبض والبسط كله بيده سبحانه وتعالى بتصريفه وتسديده، يبسط لمن يشاء في ماله او عافيته او عمره او علمه ويقبض، وهو الحكيم الخبير، وما تراه من فتح على اعداء الله فليس بسطا ً وإنما هو مكر بهم واستدراج لهم.

فالمؤمن قد يمنع من شيء وهو له عطاء، وقد يعطى شيئا ً وهو له بلاء، ( وَعَسَىٰۤ أَن تَكۡرَهُوا۟ شَیۡـٔا وَهُوَ خَیۡر لَّكُمۡۖ وَعَسَىٰۤ أَن تُحِبُّوا۟ شَیۡـٔا وَهُوَ شَرّ لَّكُمۡۚ وَٱللَّهُ یَعۡلَمُ وَأَنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ ) البقرة: 216.

ذكرى ..

وان كان الله عز وجل هو القابض الباسط الخافض الرافع، قدرا ً وقضاء، وقد جمع بين هذين الامرين بقوله صلى الله عليه وسلم: ” من أحب ان يبسط الله في رزقه، وينسأ له في أثره، فليصل رحمه ” اخرجه البخاري ومسلم.

فبسط الرزق بيد الله وصلة الرحم سبب يبذله العبد.

همسة ..

ثم ان من امتن الله عليه ببسط في مال او علم او جسم او جاه، فليتقرب الى الله بالتفضل على عباد الله، كما تفضل الله عليه وأحسن به، فهذا من شكر المنعم، وبه تدوم النعم، فمن لم يجد فليخالق الناس بخلق حسن، ( وَٱللَّهُ یُحِبُّ ٱلۡمُحۡسِنِینَ ) آل عمران: 134.

اللهم يا قابض .. يا باسط ! ابسط لنا من رحماتك واصرف عنا شرار خلقك.

اللهم! ابسط علينا من بركاتك ورحمتك وفضلك ورزقك.

ساهم في التعريف بأسماء الله الحسنى

انت المشاهد رقم