في الوقت الذي يريدك الله ان تعلم انه على العرش استوى، يريدك ان تتيقن انه يسمعك ويراك، يسمع كلماتك ويرى أفعالك، لا تخفى عليه منك خافية، يسمع مناجاتك ونداءك له، خواطرك مكشوفة ودعاؤك مسموع، وطلبك ملبى، واستغفارك مجاب، وتوبتك مقبولة.

فهل حطمتك الأوجاع؟ هل روحك تئن شوقا ً إلى ربها ؟ فالله يسمع أنينك وهو أقرب إليك من حبل الوريد، يجيبك، يكشف غمك، يفرج همك، انه هو السميع العليم.

قال عز وجل مثنيا ً على نفسه ( وَهُوَ ٱلسَّمِیعُ ٱلۡعَلِیمُ ) البقرة: 137.

ورد اسم الله (السميع) في كتابه العزيز في خمسة واربعين موضعا ً. 

فربنا سبحانه وتعالى سميع: احاط سمعه بجميع المسموعات فكل ما في العالم العلوي والسفلي من الأصوات يسمعها، سرها وعلنها، وكأنها لديه صوت واحد لا تختلط عليه الاصوات، ولا تخفى عليه جميع اللغات، والقريب منها والبعيد والسر والعلانية عنده سواء، قال عز وجل ( سَوَاۤء مِّنكُم مَّنۡ أَسَرَّ ٱلۡقَوۡلَ وَمَن جَهَرَ بِهِۦ وَمَنۡ هُوَ مُسۡتَخۡفِۭ بِٱلَّیۡلِ وَسَارِبُۢ بِٱلنَّهَارِ ) الرعد: 10 .

واشتراك المخلوق مع الخالق عز وجل في هذا الاسم لا يعني المشابهة – تعالى عن ذلك علوا ً كبيرا ً – لأن صفات المخلوق لا تناسب ضعفه وعجزه وخلقه، وصفات الخالق تليق بكماله وجلاله سبحانه وتعالى، ( لَیۡسَ كَمِثۡلِهِۦ شَیۡءۖ وَهُوَ ٱلسَّمِیعُ ٱلۡبَصِیرُ ) الشورى: 11.

فالسميع هنا يأتي بمعنى السمع والإحاطة ( قَدۡ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوۡلَ ٱلَّتِی تُجَـٰدِلُكَ فِی زَوۡجِهَا وَتَشۡتَكِیۤ إِلَى ٱللَّهِ وَٱللَّهُ یَسۡمَعُ تَحَاوُرَكُمَاۤۚ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِیعُۢ بَصِیرٌ ) المجادلة: 1، ويأتي بمعنى الاستجابة والقبول: ( إِنَّ رَبِّی لَسَمِیعُ ٱلدُّعَاۤءِ ) ابراهيم: 39.

وهو السميع يرى ويسمع كل ما في الكون من سر ومن إعلان 

ولكل صوت منه سمع حاضر فالسر والإعلان مستويان

والسمع منه واسع الأصوات لا يخفى عليه بعيدها والداني.

إنه سميع قريب: 

جاء في الصحيحين ان رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع الصحابة رضي الله عنهم يدعون ربهم بأصوات مرتفعة، فقال صلى الله عليه وسلم: ” أيها الناس! اربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا ً، ولكن تدعون سميعا ً بصيرا ً ” وبمجرد ان ينتهي العبد من مناداته ومناجاته فإذا بالاجابة تلوح، لأنه السميع العليم.

يسمع نداء المضطرين ويجيب دعاء المحتاجين ويعين الملهوفين ويسمع حمد الحامدين، ويسمع دعاء الداعين ويسمع دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء، ويسمع خطرات القلوب، ويسمع هواجس النفوس، ويسمع مناجاة الضمائر.

تأتي امرأة تجادل في زوجها عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي: خولة، وعائشة في طرف البيت تقول انها تسمع كلمة وتغيب كلمة، وبعد ذلك الجدال ينزل جبريل عليه السلام على محمد صلى الله عليه وسلم بقوله عز وجل: ( قَدۡ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوۡلَ ٱلَّتِی تُجَـٰدِلُكَ فِی زَوۡجِهَا وَتَشۡتَكِیۤ إِلَى ٱللَّهِ وَٱللَّهُ یَسۡمَعُ تَحَاوُرَكُمَاۤۚ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِیعُۢ بَصِیرٌ ) المجادلة: 1، يا له من قرب عجيب، وعلم عظيم وسمع محيط.

سمع الله لأوليائه سمع اجابة وحفظ وتوفيق، سمع يهدئ من روعهم كما هدأ من روع موسى عليه السلام عندما اعلن خوفه من الذهاب إلى فرعون فقال له: ( قَالَ لَا تَخَافَاۤۖ إِنَّنِی مَعَكُمَاۤ أَسۡمَعُ وَأَرَىٰ ) طه: 46.

الله حاميهم والله حسيبهم، وكفى بالله حسيبا ً !

مفاتيح الفرج ..

إذا صفعتك المخاوف وادلهمت عليك الخطوب، فتوسل الى ربك بهذا الاسم العظيم، كما توسل الانبياء عليهم السلام به فهو الذي يسمع المناجاة ويجيب عند الاضطرار ويكشف السوء، فلا تسمع همك لأحد، انطرح عنده ساجدا ً أنخ مطاياك ببابه، وتحدث إليه وابك بين يديه ثم انتظر الفرج.

زكريا عليه السلام يعطيه الله ما في قلبه بعد أن ناداه سرا ً ( إِذۡ نَادَىٰ رَبَّهُۥ نِدَاۤءً خَفِیّا ) مريم: 3، فيهب له الذرية الصالحة بعد تضرعه باسمه: ( قَالَ رَبِّ هَبۡ لِی مِن لَّدُنكَ ذُرِّیَّة طَیِّبَةًۖ إِنَّكَ سَمِیعُ ٱلدُّعَاۤءِ ) آل عمران: 38 .

ابراهيم عليه السلام يسأل الله بهذا الاسم ان يتقبل عمله، حين انهى هو وابنه اسماعيل عليه السلام بناء الكعبة: ( رَبَّنَا تَقَبَّلۡ مِنَّاۤۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلسَّمِیعُ ٱلۡعَلِیمُ ) البقرة: 127.

وبهذا الاسم المبارك ابراهيم عليه السلام يشكر الله على استجابة دعائه: ( ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ ٱلَّذِی وَهَبَ لِی عَلَى ٱلۡكِبَرِ إِسۡمَـٰعِیلَ وَإِسۡحَـٰقَۚ إِنَّ رَبِّی لَسَمِیعُ ٱلدُّعَاۤءِ ) ابراهيم: 39.

وبهذا الاسم تتقرب امرأة عمران الى ربها بقبول عملها حين نذرت ما في بطنها: ( إِذۡ قَالَتِ ٱمۡرَأَتُ عِمۡرَ ٰنَ رَبِّ إِنِّی نَذَرۡتُ لَكَ مَا فِی بَطۡنِی مُحَرَّرا فَتَقَبَّلۡ مِنِّیۤۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلسَّمِیعُ ٱلۡعَلِیمُ ) آل عمران: 35.

ضاقت الدنيا بيوسف عليه السلام من مكايد الفساد حوله، فدعا ربه: ( قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ ۖ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ (33) فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (34) ) يوسف: 33 – 34 .

يونس عليه السلام في بطن الحوت ينادي: ( لَّاۤ إِلَـٰهَ إِلَّاۤ أَنتَ سُبۡحَـٰنَكَ إِنِّی كُنتُ مِنَ ٱلظَّـٰلِمِینَ ) الأنبياء: 87، فكان الصوت الضعيف المنطلق من الظلمات الثلاث يخترق السماء فإذا بالسميع العليم عز وجل ينجيه من الغم: ( فَٱسۡتَجَبۡنَا لَهُۥ وَنَجَّیۡنَـٰهُ مِنَ ٱلۡغَمِّۚ وَكَذَ ٰلِكَ نُـۨجِی ٱلۡمُؤۡمِنِینَ ) الأنبياء: 88.

والله عز وجل يبتلي عبده ليسمع شكواه وتضرعه ودعاءه، قال سبحانه وتعالى: ( قَالَ إِنَّمَاۤ أَشۡكُوا۟ بَثِّی وَحُزۡنِیۤ إِلَى ٱللَّهِ ) يوسف: 86.

السميع يحفظك ..

تجتمع عليك شياطين الانس والجن فيأخذون بالوسوسة والقهر حتى تصاب بالهم والحزن، فيأمرك الله بالاستعانة به والاستعاذة به منهم باسميه (السميع العليم)، ( وَإِمَّا یَنزَغَنَّكَ مِنَ ٱلشَّیۡطَـٰنِ نَزۡغ فَٱسۡتَعِذۡ بِٱللَّهِۚ إِنَّهُۥ سَمِیعٌ عَلِیمٌ ) الأعراف: 200 .

يجتمع عند البيت قرشيان وثقفي او ثقفيان وقرشي، فيقولون عن الصحابة كثيرة شحوم بطونهم، قليل فقه قلوبهم فقال احدهم: اترون أن الله يسمع ما نقول؟

قال الآخر: يسمع إن جهرنا، ولا يسمع إن أخفينا.

وقال الآخر: إن كان يسمع إذا جهرنا فإنه يسمع إن أخفينا! فأنزل الله تعالى: ( وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَن يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَٰكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِّمَّا تَعْمَلُونَ (22) وَذَٰلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُم مِّنَ الْخَاسِرِينَ (23) ) فصلت: 22 – 23 .

ذكرى ..

وكان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يستعيذ بهذين الاسمين: (السميع العليم) إذا قام لصلاة الليل، فيقول: ” أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، من همزه ونفخه ونفثه ” حديث صحيح، رواه أبو داود.

وتعوّذ صلى الله عليه وسلم بالاسمين (السميع العليم) من كل ضرر يصيبه: ” من قال: بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الارض ولا في السماء وهو السميع العليم، ثلاث مرات لم تصبه فجأة بلاء حتى يصبح، ومن قالها حين يصبح ثلاث مرات، لم تصبه فجأة بلاء حتى يمسي ” حديث صحيح، رواه ابو داود.

واستشعارك لهذا الاسم السميع يجعلك في قرب دائم منه عز وجل.

اللهم يا سميع .. يا عليم ! اجعلنا ممن دعاك فأجبته، وتضرع إليك فرحمته.

ساهم في التعريف بأسماء الله الحسنى

انت المشاهد رقم