أوضح دلالته للمتفكرين وأبدى شواهده للناظرين وبيّن آياته للعالمين، وقطع أعذار المعائدين ودحض حجج الجاحدين، فاستنارت آيات الربوبية وسطعت دلال الألوهية واضمحلت غمرات الشك، وزالت ظلمات الريب، (فَذَ ٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمُ ٱلۡحَقُّۖ ) يونس: 32 ، ( فَتَعَـٰلَى ٱللَّهُ ٱلۡمَلِكُ ٱلۡحَقُّۗ ) طه: 114 ، ( ثُمَّ رُدُّوۤا۟ إِلَى ٱللَّهِ مَوۡلَىٰهُمُ ٱلۡحَقِّۚ ) الأنعام: 62 .

فربنا سبحانه وتعالى الحق في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله، لا شك فيه ولا ريب، فهو المعبود بحق ولا معبود بحق سواه .

فهو الحق عز وجل وما سوى الحق إلا الباطل والضلال، ومن ادعى إلها ً غير الله سبحانه وتعالى ادعى باطلا ً وكذبا ً وزورا ً، ( ذَ ٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلۡحَقُّ وَأَنَّ مَا یَدۡعُونَ مِن دُونِهِۦ هُوَ ٱلۡبَـٰطِلُ وَأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلۡعَلِیُّ ٱلۡكَبِیرُ ) الحج: 62 .

فربنا سبحانه وتعالى الحج وقوله الحق، وفعله الحق، ولقاؤه حق ورسله حق وكتبه حق ودينه حق، وعبادته وحه لا شريك له حق، وكل شيء ينسب ليه بحق هو الحق، ( فَتَعَـٰلَى ٱللَّهُ ٱلۡمَلِكُ ٱلۡحَقُّۗ ) طه: 114 .

وجاء في الصحيحين من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم أنه اذا قام إلى الصلاة في جوف الليل قال: ” اللهم ! انت الحق ووعدك الحق، ولقاؤك حق وقولك حق، والجنة حق والنار حق، ومحمد حق والساعة حق “

الصراع..

وهذا صراع أبدي بين الحق والباطل فمن كان مع الله فهو على الحق المبين وله النصر في الدنيا والآخرة، ( هُوَ ٱلَّذِیۤ أَرۡسَلَ رَسُولَهُۥ بِٱلۡهُدَىٰ وَدِینِ ٱلۡحَقِّ لِیُظۡهِرَهُۥ عَلَى ٱلدِّینِ كُلِّهِۦ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡمُشۡرِكُونَ ) التوبة: 32 .

فالمؤمنون متبعون للحق، (ذَ ٰلِكَ بِأَنَّ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ ٱتَّبَعُوا۟ ٱلۡبَـٰطِلَ وَأَنَّ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ ٱتَّبَعُوا۟ ٱلۡحَقَّ مِن رَّبِّهِمۡۚ كَذَ ٰلِكَ یَضۡرِبُ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ أَمۡثَـٰلَهُمۡ ) محمد: 3 ، وهم يتواصون فيما بينهم على التمسك بالحق، ( وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3) ) سورة العصر .

ومن رد الحق بعد بيانه فهو: المتكبر الظالم بنفسه، فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ” الكبر: بطر الحق وغمط الناس ” أخرجه مسلم.

أين الطريق ..؟

وما زال كثير من الناس يبحثون عن الحقيقة ليستدلوا بها إلى الحق:

فمنهم من استند إلى صوت الفطرة في أعماقه، ( فِطۡرَتَ ٱللَّهِ ٱلَّتِی فَطَرَ ٱلنَّاسَ عَلَیۡهَاۚ ) الروم: 30 .

ومنهم من اعتمد مبدأ السببية الذي يقرر: ان كل صنعة لا بد لها من صانع، وكل حادث لابد له من محدث، وكل نظام لابد وأن يكون وراءه منظم.

ومنهم: من جعلها مسألة حسابية، وهم أهل الريب والشك فانتهى بهم إلى ان الأضمن لحياتهم وما بعد حياتهم، الإيمان بالله والآخرة والبعث والجزاء، كما قال شاعرهم 

قال المنجم والطبيب كلاهما لا تبعث الأموات، قلت: إليكما 

إن جاء قولكما فلست بخاسر أو جاء قولي فالخسار عليكما 

ولا نجاة مع الشك، قال سبحانه وتعالى ( أَفِی ٱللَّهِ شَكّ فَاطِرِ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ ) ابراهيم: 10 .

ومنهم الذين ما زالوا محتارين مشركين – نعوذ بالله من الحور بعد الكور، ومن الضلال بعد الهداية – ( ۞ أَفَمَن یَعۡلَمُ أَنَّمَاۤ أُنزِلَ إِلَیۡكَ مِن رَّبِّكَ ٱلۡحَقُّ كَمَنۡ هُوَ أَعۡمَىٰۤۚ إِنَّمَا یَتَذَكَّرُ أُو۟لُوا۟ ٱلۡأَلۡبَـٰبِ ) الرعد: 19 .

والحقيقة ان كل شيء دل الدليل على أنه يقربك من الله فهو حق، وكل شيء يبعدك عنه فهو باطل، ( قُلۡ إِن كُنتُمۡ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِی یُحۡبِبۡكُمُ ٱللَّهُ وَیَغۡفِرۡ لَكُمۡ ذُنُوبَكُمۡۚ ) آل عمران: 31 .

قال ابن تيمية: ليس صلاح الإنسان في مجرد أن يعلم الحق دون ألا يحبه ويريده ويتبعه .

وليست المصيب: ان يصاب الإنسان بنفسه او ماله او ولده وإنما المصيبة العظيمة والكسر الذي لا ينجبر، ان يصاب الانسان بدينه، فيحل الشك محل اليقين فيرى الباطل حقا ً، والحق باطلا ً، والمعروف منكرا ً، والمنكر معروفا ً .

اهبط بوادي النجاة !

ما الأمر الكبير والكرب الشديد، والهم العظيم الذي يستعصي على رب العزة ؟ فالله هو الحق وقوله الحق ، ووعده الحق .

فحق على العبد أن يظن بربه خيرا ً ، ويتوكل عليه وأن ينتظر منه فضلا ً وأن يرجوا من مولاه لطفا ً، وأن يتعلق بعهوده، فلا يجلب النفع إلا هو، ولا يدفع الضر إلا هو، وله في كل نفس لطف، وفي كل حركة حكمة، وفي كل ساعة فرج، جعل بعد الليل صباحا ً وبعد القحط غيثا ً .

والله لا يرد دعوة مؤمن صادق، لأن الله عز وجل هو الحق، ووعده حق، فالله سبحانه وتعالى قال: ( وَقَالَ رَبُّكُمُ ٱدۡعُونِیۤ أَسۡتَجِبۡ لَكُمۡۚ إِنَّ ٱلَّذِینَ یَسۡتَكۡبِرُونَ عَنۡ عِبَادَتِی سَیَدۡخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِینَ ) غافر:  60 .

إذن فمشكلاتك جميعها إلى حلول، وكل آلامك إلى عافية، وكل أحلامك إلى واقع، وكل دموعك إلى ابتسامة .. اطمئن !

فإن بعد الفقر غنى، وبعد الظمأ ريا ً، وبعد الفراق اجتماعا ً وبعد الهجر وصلا ً ، وبعد الانقطاع اتصالا ً، قال الله عز وجل: ( فَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِۖ إِنَّكَ عَلَى ٱلۡحَقِّ ٱلۡمُبِینِ ) النمل: 79 .

اللهم! أرنا الحق حقا ً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلا ً وارزقنا اجتنابه.

ساهم في التعريف بأسماء الله الحسنى

انت المشاهد رقم