تتستر الصدور بخواطر وواردات ومقاصد ونيات لا ينفذ إليها سمع، ولا يصل إليها بصر، فيطلع عليها الحكيم العليم.

وتتكتم الضمائر عن مستودعات الافكار، فلا يعلمها ملك مقرب، ولا نبي مرسل، ولا ولي محبب ولا عالم جهبذ ولا شيطان مارد، ويعلمها علام الغيوب.

ويلف الجنين بغشاء إثر غشاء في رحم امه، فلا يدري أحي أم ميت ؟ أذكر أم أنثى ؟ أشقي أم سعيد ؟

لا يدري أجله ولا رزقه ولا عمره، ويعلم ذلك من أحاط بكل شيء علما ً، ( وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَیۡءٍ عَلِیم ) البقرة: 282.

العلم: نقيض الجهل.

وربنا سبحانه وتعالى أحاط علمه بالظاهر والباطن، والإسرار والإعلان، وأحاط بالعالم العلوي والسفلي، وأحاط علمه بالماضي والحاضر والمستقبل، قال سبحانه وتعالى: ( یَعۡلَمُ مَا بَیۡنَ أَیۡدِیهِمۡ وَمَا خَلۡفَهُمۡ وَلَا یُحِیطُونَ بِهِۦ عِلۡما ) طه: 110.

وهو عالم عز وجل بكل ما أخفته صدور خلقه، من إيمان وكفر وحق وباطل وخير وشر، ( إِنَّ ٱللَّهَ عَلِیمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ ) آل عمران: 119، ( وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَیۡءٍ عَلِیم ) البقرة: 282.

النجوى عنده جهر، والسر لديه علانية، والخافي لديه مكشوف.

وهو العليم أحاط علما ً بالذي في الكون من سر ومن إعلان

وبكل شيء علمه سبحانه قاصي الأمور لديه قبل الداني 

لا جهل يسبق علمه كلا ولا ينسى كما الإنسان ذو نسيان

إنه العليم ..

الورقة تسقط بعلمه والهمسة تصدر بعلمه، والكلمة تقال بعلمه، والنية تعقد بعلمه، والقطرة تنزل بعلمه.

علم الحي والميت، والرطب واليابس، والحاضر والغائب، والسر والجهر، والكثير والقليل، ( ۞ وَعِندَهُۥ مَفَاتِحُ ٱلۡغَیۡبِ لَا یَعۡلَمُهَاۤ إِلَّا هُوَۚ وَیَعۡلَمُ مَا فِی ٱلۡبَرِّ وَٱلۡبَحۡرِۚ وَمَا تَسۡقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَّا یَعۡلَمُهَا وَلَا حَبَّة فِی ظُلُمَـٰتِ ٱلۡأَرۡضِ وَلَا رَطۡب وَلَا یَابِسٍ إِلَّا فِی كِتَـٰب مُّبِین ) الأنعام: 59.

وحث بعض الصحابة أنفسهم بحديث لم يظهروه، بل كتموه وأسروه، فأنزل الله عز وجل: ( عَلِمَ ٱللَّهُ أَنَّكُمۡ كُنتُمۡ تَخۡتَانُونَ أَنفُسَكُمۡ ) البقرة: 187.

وأسر النبي صلى الله عليه وسلم إلى بعض أزواجه حديثا ً، فعرف بعضه واعرض عن بعض، فقالت: من أنبأك هذا؟ ( قَالَ نَبَّأَنِیَ ٱلۡعَلِیمُ ٱلۡخَبِیرُ ) التحريم: 3.

جلس عمير بن وهب وصفوان بن أمية بعد بدر عند الكعبة ليلا ً يدبران اغتيال رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبر الله عز وجل رسوله بكيدهم، وأطلعه على فعلهم، ( قَالَ رَبِّی یَعۡلَمُ ٱلۡقَوۡلَ فِی ٱلسَّمَاۤءِ وَٱلۡأَرۡضِۖ وَهُوَ ٱلسَّمِیعُ ٱلۡعَلِیمُ ) الأنبياء: 4.

وتناجى المنافقون في تبوك فيما بينهم، وهمزوا ولمزوا رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة رضي الله عنهم والدين، فأطلع علام الغيوب رسوله على كيدهم ومكرهم وسخريتهم، ( أَلَمۡ یَعۡلَمُوۤا۟ أَنَّ ٱللَّهَ یَعۡلَمُ سِرَّهُمۡ وَنَجۡوَىٰهُمۡ وَأَنَّ ٱللَّهَ عَلَّـٰمُ ٱلۡغُیُوبِ ) التوبة: 78.

علم الله كامل وشامل :

( إِنَّمَاۤ إِلَـٰهُكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِی لَاۤ إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَۚ وَسِعَ كُلَّ شَیۡءٍ عِلۡما ) طه: 98.

ولا يشابهه أحد من مخلوقاته في كمال علمه عز وجل، ( لَیۡسَ كَمِثۡلِهِۦ شَیۡءۖ وَهُوَ ٱلسَّمِیعُ ٱلۡبَصِیرُ ) الشورى: 11.

( فَعَلِمَ مَا لَمۡ تَعۡلَمُوا۟ فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَ ٰلِكَ فَتۡحا قَرِیبًا ) الفتح: 27، وإذا علم البشر شيئا ً فهو من تعليم الله عز وجل لهم، فكل علم شرعي وقدري فمرجعه إلى الله العزيز الحكيم سبحانه وتعالى: ( قَالُوا۟ سُبۡحَـٰنَكَ لَا عِلۡمَ لَنَاۤ إِلَّا مَا عَلَّمۡتَنَاۤۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡعَلِیمُ ٱلۡحَكِیمُ ) البقرة: 32.

وقال سبحانه وتعالى: ( وَعَلَّمَكَ مَا لَمۡ تَكُن تَعۡلَمُۚ ) النساء: 113.

ولو جمع الناس علومهم وما عندهم من معلومات، لكانت ضئيلة جدا ً بالنسبة لعلم الله الواسع: ( وَیَسۡـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلرُّوحِۖ قُلِ ٱلرُّوحُ مِنۡ أَمۡرِ رَبِّی وَمَاۤ أُوتِیتُم مِّنَ ٱلۡعِلۡمِ إِلَّا قَلِیلا ) الإسراء: 85.

قال الخضر لموسى عليه السلام لما ركبا السفينة، ورأى عصفورا ً قد وقع على حرف السفينة، فنقر في البحر نقرة او نقرتين، قال له الخضر: يا موسى ! ما نقص علمي وعلمي من علم الله إلا مثل ما نقص هذا العصفور بمنقاره من البحر .

حقيقة ..

واختص ربنا عز وجل بعلوم الغيب، ( ۞ وَعِندَهُۥ مَفَاتِحُ ٱلۡغَیۡبِ لَا یَعۡلَمُهَاۤ إِلَّا هُوَۚ ) الأنعام: 59، وذكر منها خمسة: ( إِنَّ ٱللَّهَ عِندَهُۥ عِلۡمُ ٱلسَّاعَةِ وَیُنَزِّلُ ٱلۡغَیۡثَ وَیَعۡلَمُ مَا فِی ٱلۡأَرۡحَامِۖ وَمَا تَدۡرِی نَفۡس مَّاذَا تَكۡسِبُ غَداۖ وَمَا تَدۡرِی نَفۡسُۢ بِأَیِّ أَرۡض تَمُوتُۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِیمٌ خَبِیرُۢ) لقمان: 34.

فهذه الخمسة مفاتيح الغيب التي لا يعلمها إلا الله :

1- علم الساعة: مبدأ مفتاح لحياة الآخرة.

2- تنزيل الغيث: مفتاح لحياة الارض بالنبات.

3- علم الأرحام: مفتاح للحياة الدنيا.

4- علم ما في الغد، مفتاح الكسب في المستقبل.

5- علم مكان الموت: مفتاح لحياة البرزخ، وقيامة كل انسان بحسبه.

وعلم الغيب لا شك انه اعظم واوسع من ان يحصر في هذه الخمسة فقط، والاخبار هنا يحمل على: بيان البعض المعم، لا على دعوى الحصر، قال تعالى: ( قُل لَّا یَعۡلَمُ مَن فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ ٱلۡغَیۡبَ إِلَّا ٱللَّهُۚ  ) النمل: 65.

ومن زعم أن أحدا ً يعلم الغيب غير الله عز وجل فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم.

والأنبياء لا يعلمون شيئا ً من الغيب إلا ما أخبرهم الله به، تقول عائشة رضي الله عنها: من زعم ان النبي صلى الله عليه وسسلم يخبر بما يكون في غد، فقد أعظم على الله الفرية ! ( وَلَوۡ كُنتُ أَعۡلَمُ ٱلۡغَیۡبَ لَٱسۡتَكۡثَرۡتُ مِنَ ٱلۡخَیۡرِ وَمَا مَسَّنِیَ ٱلسُّوۤءُۚ ) الأعراف: 188، فكيف بمن دونهم ؟

حظك منه ..

ومن آتاه الله علما ً ولو كان قليلا ً فقد رفعه الله عز وجل، ( یَرۡفَعِ ٱللَّهُ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ مِنكُمۡ وَٱلَّذِینَ أُوتُوا۟ ٱلۡعِلۡمَ دَرَجَـٰتۚ ) المجادلة: 11، فكيف لو كان عالما ً تقيا ً عارفا ً بالله ، مؤديا ً حقه ؟

فهؤلاء تيقنوا بعلم الله، فازدادوا له خشية وتعظيما ً ولذا زكاهم الله من فوق سبع سماوات، فقال: ( إِنَّمَا یَخۡشَى ٱللَّهَ مِنۡ عِبَادِهِ ٱلۡعُلَمَـٰۤؤُا۟ۗ ) فاطر: 28.

فالعلم أصل الخصال الشريفة، يرقى بالانسان الى المنازل الرفيعة، ولا يصل لهذه المنزلة إلا بالعلم والمداومة على سؤال الله إياه، وامتثالا ً بدعاء رسولنا صلى الله عليه وسلم الذي علمه الله إياه، ( وَقُل رَّبِّ زِدۡنِی عِلۡما ) طه: 114.

قال ابن حزم رحمه الله: وأجل العلوم، ما قربك من ربك.

قال ابن القيم رحمه الله: لولا جهل الأكثرين بحلاوة هذه اللذة (لذة العلم) وعظم قدرها، لتجالدوا عليها بالسيوف، ولكن حفت بحجاب من المكاره، وحجبوا عنها بحجاب من الجهل، ليختص الله لها ما يشاء، والله ذو الفضل العظيم.

اللهم يا عليم ! علمنا بما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما ً.

ساهم في التعريف بأسماء الله الحسنى

انت المشاهد رقم