هل تأملنا ووقفنا قليلا عند قوله تعالى: ( وَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱلۡحَیِّ ٱلَّذِی لَا یَمُوتُ وَسَبِّحۡ بِحَمۡدِهِۦۚ وَكَفَىٰ بِهِۦ بِذُنُوبِ عِبَادِهِۦ خَبِیرًا ) الفرقان: 58 ؟

نداء من الملك الجبار.. نداء إلى كل مؤمن ومؤمنة.. نداء إلى كل مريض وكل مهموم ومدين.. نداء إلى كل خائف أو متردد.. 

يخبرنا بأنه هو الوكيل، وأنه على كل شيء قدير يحول جميع مشکلاتك إلى حلول، ويحول الامك إلى عافية، وأحلامك إلى واقع، وخوفك إلى أمن، ودموعك إلى ابتسامة. 

تبرأت من حولي وطولي وقوتي وإني إلى مولاي في غاية الفقر 

أرح نفسك من شحنها، وقلقها، وتتورها! واجعلها تتقيأ ظلال الوكيل في هذه السطور، وادلف معنا إلى أنوار اسم الله (الوكيل): 

فالله تعالى قال: ( وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡء وَكِیل ) الأنعام: 102.

قال العلماء: الوكيل هو: المتولي تدبير خلقه بحلمه، وكمال قدرته وشمول حكمته.

وهو: الذي تكفل بأرزاق العباد ومصالحهم وتدبير شؤونهم، وإرشادهم إلى ما ينفعهم وما يضرهم في الدنيا والاخرة.

وهذه هي: الوكالة العامة لجميع الخلق، ( ٱللَّهُ خَـٰلِقُ كُلِّ شَیۡءۖ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡء وَكِیل ) الزمر: 62.

لكن هناك وكالة خاصة خصها الله لأوليائه وأهل طاعته ومحبته؛ فييسرهم لليسرى، ويجنبهم العسرى، ويكفل أمورهم..

ولذلك أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم وجميع الأمة أن يتوكلوا عليه بقوله: ( وَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱلۡحَیِّ ٱلَّذِی لَا یَمُوتُ ) الفرقان: 58، وخصهم بحبه في قوله تعالى: ( إِنَّ ٱللَّهَ یُحِبُّ ٱلۡمُتَوَكِّلِینَ ) آل عمران: 159.

فالتوكل: آية المؤمن، وسمة الموحد، وعلامة التقوى، وهو من أعظم المقامات تعلقا ً بالأسماء الحسني.

للصادقين..

يقول ابن القيم: التوكل نصف الدين، والنصف الثاني: الإنابة، فإن الدين: استعانة وعبادة.

فالتوكل هو: الاستعانة، والإنابة هي: العبادة . 

والتوكل: يزيد بزيادة الإيمان، وينقص بنقصانه، ومن لا توكل له لا إيمان له: ( وَعَلَى ٱللَّهِ فَتَوَكَّلُوۤا۟ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِینَ ) المائدة: 23.

فكفاية الله عز وجل لك مقرونة بتوكلك عليه، ( وَمَن یَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِ فَهُوَ حَسۡبُهُۥۤۚ ) الطلاق: 3.

فكن صادقا ً في توكلك تنل ما تريد، ولو كان كبيرا ً، جاء عند الترمذي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ” لو انكم كنتم تتوكلون على الله حق توكله، لرزقتم كما يرزق الطير، تغدوا خماصا ً وتروح بطانا ً ” حديث صحيح.

والكل يتمنى ان ينال المكانة العالية عند الله عز وجل في الدنيا والاخرة وهذه لا تحصل الا للصادقين في توكلهم، فهؤلاء توكلت قلوبهم على الله عز وجل، ولهجت ألسنتهم عند الشدائد بقولهم: ( حَسۡبُنَا ٱللَّهُ وَنِعۡمَ ٱلۡوَكِیلُ ) آل عمران: 173، فظهرت العظمة وظهرت المعجزة وظهر الحفظ من الله تعالى لأوليائه.

( حَسۡبُنَا ٱللَّهُ وَنِعۡمَ ٱلۡوَكِیلُ ) آل عمران: 173، قالها ابراهيم عليه السلام حين ألقى في النار، فماذا كانت النتيجة ؟ ( قُلۡنَا یَـٰنَارُ كُونِی بَرۡدا وَسَلَـٰمًا عَلَىٰۤ إِبۡرَ ٰهِیمَ ) الأنبياء: 69.

قالها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم حين قيل لهم: ( إِنَّ ٱلنَّاسَ قَدۡ جَمَعُوا۟ لَكُمۡ فَٱخۡشَوۡهُمۡ فَزَادَهُمۡ إِیمَـٰنا وَقَالُوا۟ حَسۡبُنَا ٱللَّهُ وَنِعۡمَ ٱلۡوَكِیلُ ) آل عمران: 173، فماذا كانت النتيجة؟ ( فَٱنقَلَبُوا۟ بِنِعۡمَة مِّنَ ٱللَّهِ وَفَضۡل لَّمۡ یَمۡسَسۡهُمۡ سُوۤء ) آل عمران: 174.

فإذا بلغت تلك المكانة، فقد بلغت محبته عز وجل: ( فَإِذَا عَزَمۡتَ فَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ یُحِبُّ ٱلۡمُتَوَكِّلِینَ ) آل عمران: 159، ويزيدك على تلك المحبة، الاجر العظيم: ( فَمَاۤ أُوتِیتُم مِّن شَیۡء فَمَتَـٰعُ ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَاۚ وَمَا عِندَ ٱللَّهِ خَیۡر وَأَبۡقَىٰ لِلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَعَلَىٰ رَبِّهِمۡ یَتَوَكَّلُونَ ) الشورى: 36.

للمتوكّلين ..

اصدق في توكلك يحمِك الله من الشيطان، ( إِنَّهُۥ لَیۡسَ لَهُۥ سُلۡطَـٰنٌ عَلَى ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَعَلَىٰ رَبِّهِمۡ یَتَوَكَّلُونَ ) النحل: 99.

وإذا نصبت الاعداء حبالات المكر، فانصب لهم جدار التوكل: ( ۞ وَٱتۡلُ عَلَیۡهِمۡ نَبَأَ نُوحٍ إِذۡ قَالَ لِقَوۡمِهِۦ یَـٰقَوۡمِ إِن كَانَ كَبُرَ عَلَیۡكُم مَّقَامِی وَتَذۡكِیرِی بِـَٔایَـٰتِ ٱللَّهِ فَعَلَى ٱللَّهِ تَوَكَّلۡتُ فَأَجۡمِعُوۤا۟ أَمۡرَكُمۡ وَشُرَكَاۤءَكُمۡ ثُمَّ لَا یَكُنۡ أَمۡرُكُمۡ عَلَیۡكُمۡ غُمَّة ثُمَّ ٱقۡضُوۤا۟ إِلَیَّ وَلَا تُنظِرُونِ ) يونس: 71.

من أراد النصر على الاعداء والفرج من المعصية، فعليه بالتوكل على الله، ( إِن یَنصُرۡكُمُ ٱللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمۡۖ وَإِن یَخۡذُلۡكُمۡ فَمَن ذَا ٱلَّذِی یَنصُرُكُم مِّنۢ بَعۡدِهِۦۗ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلۡیَتَوَكَّلِ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ) آل عمرا: 160.

وإذا اعرض عنك الخلق، فاعتمد على الوكيل: ( فَإِن تَوَلَّوۡا۟ فَقُلۡ حَسۡبِیَ ٱللَّهُ لَاۤ إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَۖ عَلَیۡهِ تَوَكَّلۡتُۖ وَهُوَ رَبُّ ٱلۡعَرۡشِ ٱلۡعَظِیمِ ) التوبة: 129.

وإذا طلبت للصلح والإصلاح، فادخل لها من باب التوكل: ( ۞ وَإِن جَنَحُوا۟ لِلسَّلۡمِ فَٱجۡنَحۡ لَهَا وَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِیعُ ٱلۡعَلِیمُ ) الأنفال: 61.

وإذا وقر الإيمان في القلب، وعلمت بأن أمرك بين يديه عز وجل، فلا يكن اتكالك إلا عليه عز وجل، ( قُلۡ هُوَ رَبِّی لَاۤ إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ عَلَیۡهِ تَوَكَّلۡتُ وَإِلَیۡهِ مَتَابِ ) الرعد: 30، فمن تمسك بالتوكل في كل أحواله كفاه الله عز وجل، ( وَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِۚ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَكِیلا ) الاحزاب: 3.

قبل الخروج:

ذاك الرجل الذي خرج من بيته وقد توكل على الله، فكان الله سبحانه وتعالى وكيله، صح عنه صلى الله عليه وسلم انه قال: ” اذا خرج الرجل من بيته، فقال: بسم الله توكلت على الله، لا حول ولا قوة الا بالله، يقال حينئذ: هُديت وكُفيت ووقيت، فتتحنى له الشياطين فيقول له شيطان آخر: كيف لك برجل قد هُدِي وكفِي ووقي؟ ” حديث صحيح، رواه ابو داود.

حزن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وثقل عليهم عندما سمعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ” كيف أنعم وصاحب القرن قد التقم القرن، واستمع الإذن متى يؤمر بالنفخ فينفخ؟ ” ولما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ثقل عليهم ذلك قال لهم: ” قولوا: حسبنا الله ونعم الوكيل، على الله توكلنا ” حديث صحيح، رواه الترمذي.

ذكري !

لقد ضاع مفهوم التوكل لدى كثير من الناس، نسوا الله فنسيهم ، تركوا التوكل على الله فوكلهم إلى أنفسهم..

يمرض المريض فيعلق قلبه بالطبيب، تعلق بالدواء والطبيب وهما أسباب، ونسى رب الأرض والسماء، ومن بيده الشفاء !!

تنزل ببعضهم المحن، وتشتد عليهم الفتن، وتضيق عليهم الأمور، ويتحملون الهموم والغموم، وينطرحون على أعتاب الأصحاب، وينسون العزيز الوهاب جل جلاله .

يحدق به الأعداء، ويمكر به الألداء، يحيط به الخصوم، فيظل في هم شديد وكرب أكيد، ويغفل عن الذي هو أقرب إليه من حبل الوريد .

قال ابن الجوزي: ينبغي للمتقي أن يعلم أن الله كافيه، فلا يحلق قلبه بالأسباب، قال تعالى: ( وَمَن یَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِ فَهُوَ حَسۡبُهُۥۤۚ ) الطلاق: 3.

ومن الناس من فهم التوكل بمعنى: التواكل؛ ضجماعة من اليمن أرادوا الخروج إلى الحج، فلم يأخذوا زادا ً معهم، وقالوا: “نحن المتوكلون” وأخذوا يتسولون طعامهم من الناس فأنزل الله عز وجل: ( وَتَزَوَّدُوا۟ فَإِنَّ خَیۡرَ ٱلزَّادِ ٱلتَّقۡوَىٰۖ ) البقرة: 197، أي: تزودوا ما يكف وجوهكم عن الناس، ويقيكم ذل المسألة.

ومنهم من قال: رزقي كُتب: فلماذا أسعى في الأرض ؟؟

صح عنه صلى الله عليه وسلم أن رجلا ً سأله، فقال: يا رسول الله! أعقلها وأتوكل، أو أطلقها وأتوكل ؟ فقال صلى الله عليه وسلم: ” اعقلها وتوكل ” حديث حسن، رواه الترمذي.

والله سبحانه وتعالى قد قال: ( فَٱمۡشُوا۟ فِی مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا۟ مِن رِّزۡقِهِۦۖ وَإِلَیۡهِ ٱلنُّشُورُ ) الملك: 15، فاتخاذ الأسباب لا ينافي التوكل، فلا يصح التوكل إلا مع القيام بالسبب، وإلا فهو: بطالة وتوكل فاسد ! ( رَّبَّنَا عَلَیۡكَ تَوَكَّلۡنَا وَإِلَیۡكَ أَنَبۡنَا وَإِلَیۡكَ ٱلۡمَصِیرُ ) الممتحنة: 4.

الطريق من هنا.. 

كيف أتوكل على الله في حياتي ؟

أولا: معرفة أسمائه وصفاته الحسني، وكلما عظم قدر الله عز وجل به في قلبك، تقربت منه سبحانه وتعالى .

ثانيا: إحسان الظن بالله، ” أنا عند ظن عبدي بي.. ” حديث صحيح، رواه ابن ماجه، فذلك المنفق لم ينففق إلا وهو محسن الظن بالله، وأنه يخلف عليه بخير، وذلك الذي قام من فراشه ووقف بين يدي ربه، ما قام إلا وهو يحسن الظن بربه، وذلك المعتمر والحاج والمصلي.

ثالثا: التخلي عن قوتك، والاعتراف بضعفك بين يدي الله، وإظهار الفاقة إليه، ودعاؤه: أن لا يكلك إلى نفسك أو إلى أحد من خلقه وفي الحديث الصحيح: ” اللهم! رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين ” حديث صحيح، رواه أحمد في المسند.

رابعا: الإتيان بالمسبب: كالدعاء الذي جعله الله سببا ً في حصول المدعو به.

خامسا: تذكر قوة الله في تحويل الأحوال، وأن بيده مقاليد السماوات والأرض وهو على كل شيء قدير، والتذكر دائما ً: أن بيده خزائن كل شيء، فلا تملك إلا التفويض كتفويض الابن العاجز الضحيف المغلوب إلى أبيه، ولله المثل الأعلى، ( وَأُفَوِّضُ أَمۡرِیۤ إِلَى ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ بَصِیرُۢ بِٱلۡعِبَادِ ) غافر: 44.

سادسا: الرضا بما قسم الله لك، ولتعلم أن الخير فيما قسم الله لك فإذا لم ترض فهو كما قال بشر الحافي: يقول أحدهم: (توكلت على الله)، يكذب على الله، لو توكل على الله لرضى بما يفعله الله به.

ذكر ابن حمدون: أن البرد أتى على زرع عجوز في البادية: فأخرجت رأسها من الخباء، ونظرت إلى الزرع وقد احترق، فرفعت رأسها إلى السماء وقالت: اصنع ما شئت، فإن رزقي عليك!

فإذا حقق العبد التوكل على الحي الذي لا يموت، أحيا الله له أموره كلها، وكملها وأتمها، ( وَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱلۡحَیِّ ٱلَّذِی لَا یَمُوتُ ) الفرقان: 58.

اللهم يا وكيل ! لا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، وارحم ضعفنا، واجبر كسرنا ، فأنت على كل شيء قدير.

ساهم في التعريف بأسماء الله الحسنى

انت المشاهد رقم