ذكر أبو نعيم في الحلية: أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه مر ليلا ً في سكك المدينة فسمع عجوزا ً تقول لابنتها: امزجي اللبن بالماء، فقالت البنت: اما علمت أن عمر نهى عن مزج اللبن بالماء ؟ فقالت العجوز: وأين عمر حتى يرانا ؟ فقالت البنت الموقنة بنظر الله عز وجل إليهما: إن كان عمر لا يرانا، فرب عمر يرانا .

هناك أناس عاشوا في هذه الدنيا في منزلة عالية في أمن دائم في سعادة أبدية في ثبات على الحق، متلذذين بالعبودة وما ذاك إلا لأنهم علموا ان الله بصير بما يعملون.

ورد اسم الله البصير في القران الكريم في اثنين وأربعين موضعا ً فقال تعالى: ( إِنَّ ٱللَّهَ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِیر ) .

فربنا الذي يبصر كل شيء وإن دق وصغر فيبصر دبيب النملة السوداء في الليلة الظلماء على الصخرة الصماء، يبصر ما تحت الأرضين السبع، كما يبصر ما فوق السماوات السبع.

وهو البصير العالم بالأحوال كلها وبخفيات الأمور الخبير بها، المطلع على بواطن الأمور.

وهو البصير يرى دبيب النملة السوداء تحت الصخر والصوّان 

ويرى مجاري القوت في أعضائها ويرى عروق بياضها بعيان 

ويرى خيانات العيون بلحظها ويرى كذاك تقلب الأجفان

ربنا عز وجل أثبت صفة البصر له سبحانه وتعالى، فالله له عينان حقيقيتان تليقان بذاته سبحانه، نؤمن بها من غير تحريق ولا تعطيل ولا تمثيل ولا تأويل، وجلاله ( لَیۡسَ كَمِثۡلِهِۦ شَیۡءۖ وَهُوَ ٱلسَّمِیعُ ٱلۡبَصِیرُ ) الشورى: 11 .

واشتراك المخلوق مع الخالق في هذا الاسم لا يعنى، المشابهة فإن صفات المخلوق تناسب ضعفه وعجزه وخلقه وصفات الخالق تليق بكماله وجلاله ( لَیۡسَ كَمِثۡلِهِۦ شَیۡءۖ وَهُوَ ٱلسَّمِیعُ ٱلۡبَصِیرُ ) الشورى: 11 .

ومن رحمة الله عز وجل بعباده أنه يخاطبهم خطاب رحمة وحثهم على طاعته والإخلاص له مع أنه غني عن عبادتهم ففي كتاب الله العزيز خاطب بقوله: ( إِنَّ ٱللَّهَ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِیر ) فوق الأربعين مرة ليذكر المؤمن وينبه الغافل بأن الله مطلع على أعمالهم.

حلاوة الامتثال ..

ومن علم أن ربه مطلع عليه استحى أن يراه على معصيته أو فيما لا يحب ومن علم ان الله يراه أحسن عمله وعبادته وأخلص فيهما حتى يصل لمقام الإحسان وهو أعلى مقامات الطاعة التي قال عنها الحبيب صلى الله عليه وسلم : ” أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك ” أخرجه البخاري ومسلم.

فإذا بلغ ذلك كان في معية الله الخاصة لعباده كما قال الله عز وجل في الحديث القدسي: ” وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به ” أخرجه البخاري.

ومن علم أن الله يراه على ما هو عليه من الإبتلاء اطمأن قلبه، وسكنت نفسه وتيقن ان الفرج قريب.

ومن علم انه يراه استحى من الله أن يراه خائنا ً في أعماله وأقواله غاشا ً لعباده .

خرج ابن عمر رضي الله عنهما الى مكة في بعض أصحابه فاستراحوا في الطريق فانحدر عليهم راع من جبل، فقال له ابن عمر: يا راعي الغنم! بعنا شاة ، فقال الراعي: إني مملوك – أي انا عبد مملوك .

فقال له ابن عمر: قل لسيدك أكلها الذئب.

فقال الراعي: أين الله ؟

فبكى ابن عمر، واشترى الغلام ( الراعي ) من سيده وأعتقه .

إذا ما خلوت الدهر يوما ً فلا تقل خلوت ولكن قل عليّ رقيب 

ولا تحسبن الله يغفل ساعة ولا أن ما يخفى عليه يغيب

راود بعضهم أعرابية عن نفسها فقال لها: لا يرانا إلا الكواكب، فقالت له أين مكوكبها ؟

وقد قيل: من راقب الله في خواطره، عصمه في حركات جوارحه.

وإذا نظرت الى السبعة الذين يظلهم في ظله يوم لا ظل إلا ظله، وجدت أن الشيء المشترك بينهم أنهم آمنوا حق الإيمان بأن الله ينظر إليهم، فعبدوه كأنهم يرونه فنالوا المنزلة.

وبهذا الاسم دعا الرجل الصالح من قوم موسى، ملتجأ لله سبحانه وتعالى معتصما ً به من مكر فرعون وقومه، ( وَأُفَوِّضُ أَمۡرِیۤ إِلَى ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ بَصِیرُۢ بِٱلۡعِبَادِ  ) غافر: 44 .

فماذا كانت النتيجة ؟

استجاب الله لدعائه: ( فَوَقَىٰهُ ٱللَّهُ سَیِّـَٔاتِ مَا مَكَرُوا۟ۖ وَحَاقَ بِـَٔالِ فِرۡعَوۡنَ سُوۤءُ ٱلۡعَذَابِ ) غافر: 45 .

يا من يرى صف البعوض جناحها في ظلمة الليل البهيم الأليل 

ويرى نياط عروقها في نحرها والمخ من تلك العظام النّحل 

امنن عليّ بتوبة تمحو بها ما كان مني في الزمان الأولِ

ذكرى ..

والمؤمن يحذر من ذنوب الخلوات والإصرار عليها دون توبة، جاء في الصحيح من حديث ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” لأعلمنَّ أقوامًا من أمتي يأتون يومَ القيامةِ بحسناتٍ أمثالِ جبالِ تهامةَ بيضًا فيجعلُها اللهُ عزَّ وجلَّ هباءً منثورًا قال ثوبانُ يا رسولَ اللهِ صِفْهم لنا جَلِّهم لنا أن لا نكونَ منهم ونحنُ لا نعلمُ قال أما إنهم إخوانُكم ومن جِلدتِكم ويأخذون من الليلِ كما تأخذون ولكنَّهم أقوامٌ إذا خَلْوا بمحارمِ اللهِ انتهكُوها ” رواه ابن ماجة.

وهؤلاء الذين يراؤون الناس ولا يذكرون الله الا قليلا ً .

والخلوة إما ترفع وإما تخفض، فمن عظم الله في خلوته عظّمه الناس في جلوته.

قال ابن رجب الحنبلي رحمه الله : النفاق الأصغر كله يرجع إلا اختلاف السريرة والعلانية، وقال: الخاتمة الحسنة لا تقع إلا لمن كانت سريرته حسنة، لأن لحظة الموت لا يمكن تصنعها فلا يخرج حينئذ إلا مكنون القلب.

اللهم يا بصير! ارحم ضعفنا وتجاوزعن تقصيرنا وزلاتنا وتوفنا مسلمين يارب العالمين.

ساهم في التعريف بأسماء الله الحسنى

انت المشاهد رقم