قال الله عز وجل: ( قُلِ ٱدۡعُوا۟ ٱللَّهَ أَوِ ٱدۡعُوا۟ ٱلرَّحۡمَـٰنَۖ أَیّا مَّا تَدۡعُوا۟ فَلَهُ ٱلۡأَسۡمَاۤءُ ٱلۡحُسۡنَىٰۚ ) الإسراء: 110 .

نبينا صلى الله عليه وسلم كان إذا كربه أمر قال: ” يا حي .. يا قيوم، برحمتك أستغيث ” حديث حسن، رواه أحمد في المسند.

كيف لا يستغاث بالرحمن وهو الملاذ في الشدة، والأنيس في الوحشة، والنصير في القلة ؟

فهو سلوة الطائعين، وملاذ الهاربين، وملجأ الخائفين، إنه أرحم الراحمين.

إليه وإلا لا تشد الركائب ومنه وإلا فالمؤمل خائب 

( وَإِلَـٰهُكُمۡ إِلَـٰه وَ ٰحِدۖ لَّاۤ إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلرَّحۡمَـٰنُ ٱلرَّحِیمُ ) البقرة: 163 .

الرحمة: سمة الربوبية، وعنوان الألوهية، ولذلك وصف جل جلاله نفسه بأنه الرحمن الرحيم.

ونحن نبتدئ تلاوتنا لكتاب الله بهذين الاسمين العظيمين الحبيبين إلى النفس: بسم الله الرحمن الرحيم.

هذان الاسمان الكريمان مشتقان من الرحمة على وجه المبالغة، والرحمة في اللغة: هي الرقة والشفقة والعطف والرأفة.

فربنا جل جلاله ذو الرحمة الشاملة لجميع الخلائق ، ( وَرَحۡمَتِی وَسِعَتۡ كُلَّ شَیۡءۚ ) الأعراف: 156 ، ( إِنَّ ٱللَّهَ بِٱلنَّاسِ لَرَءُوف رَّحِیم ) الحج: 65 .

فربنا الرحمن جل جلاله أي الرحمة وصفه، والرحيم: أي الراحم بعباده، فهو أرحم بنا من كل أرحم وأرحم بنا من آبائنا وأمهاتنا وأولادنا، بل ومن أنفسنا.

ذكر البخاري في كتابه الأدب المفرد: أن رجلا ً جاء ومعه صبي يضمه إلى صدره إلى النبي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أترحمه ؟ قال: نعم، قال: ” فالله أرحم بك منك به، وهو أرحم الراحمين ” حديث صحيح.

اسم الرحمن جل جلاله مختص به، لا يجوز أن يسمي به أحد غير الله جل جلاله ولا يوصف به غيره: ( قُلِ ٱدۡعُوا۟ ٱللَّهَ أَوِ ٱدۡعُوا۟ ٱلرَّحۡمَـٰنَۖ أَیّا مَّا تَدۡعُوا۟ فَلَهُ ٱلۡأَسۡمَاۤءُ ٱلۡحُسۡنَىٰۚ ) الإسراء: 110، فعادل به اسم الجلالة الذي لا يشركه فيه غيره، حتى قال بعضهم: هو الاسم الأعظم.

أما اسم الرحيم: فيجوز وصف المخلوق به، كقوله تعالى: (لَقَدۡ جَاۤءَكُمۡ رَسُول مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ عَزِیزٌ عَلَیۡهِ مَا عَنِتُّمۡ حَرِیصٌ عَلَیۡكُم بِٱلۡمُؤۡمِنِینَ رَءُوف رَّحِیم ) التوبة: 128 ، فيقال: رجل رحيم، ولا يقال: رجل رحمان.

ورحمة الله نوعان : 

رحمة عامة: وهي لجميع الخلائق، فكل الخلق مرحومون برحمة الله بإيجادهم وتربيتهم، ورزقهم، وغير ذلك من النعم التي لا تحصى.

( إِنَّ ٱللَّهَ بِٱلنَّاسِ لَرَءُوف رَّحِیم ) البقرة: 143، ( إِنَّهُۥ كَانَ بِكُمۡ رَحِیما ) الإسراء: 66 .

ورحمة خاصة: التي تكون بها سعادة الدنيا والآخرة، وهي لا تكون إلى لخواص عباده المؤمنين: ( وَكَانَ بِٱلۡمُؤۡمِنِینَ رَحِیما ) الأحزاب: 43، ( یُبَشِّرُهُمۡ رَبُّهُم بِرَحۡمَة مِّنۡهُ وَرِضۡوَ ٰن وَجَنَّـٰت ) التوبة: 21 .

إنه الرحمن: 

أحق من ذكر، وأحق من عبد، وأولى من شكر على إحسانه ورحمته. 

فأينما تول وجهك تر رحمة الله في هذا الكون، وأعظمها في هذا الكون: الوحي المنزل ( وَنَزَّلۡنَا عَلَیۡكَ ٱلۡكِتَـٰبَ تِبۡیَـٰنا لِّكُلِّ شَیۡء وَهُدى وَرَحۡمَة وَبُشۡرَىٰ لِلۡمُسۡلِمِینَ ) النحل: 89 .

إذا اجدبت الأرض ومات الزرع وجف الضرع واشتد البلاء، نزلت الرحمات: ( وَهُوَ ٱلَّذِی یُنَزِّلُ ٱلۡغَیۡثَ مِنۢ بَعۡدِ مَا قَنَطُوا۟ وَیَنشُرُ رَحۡمَتَهُۥۚ وَهُوَ ٱلۡوَلِیُّ ٱلۡحَمِیدُ ) الشورى: 28 .

عندما حل العذاب، وبكى الرجال وصاحت النساء، وفزعت الأبطال، وعم الرعب، وعظم الفزع، نزلت الرحمات على عباده المخلصين: ( وَلَمَّا جَاۤءَ أَمۡرُنَا نَجَّیۡنَا هُودا وَٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ مَعَهُۥ بِرَحۡمَة مِّنَّا  ) هود: 58 ، ( وَلَمَّا جَاۤءَ أَمۡرُنَا نَجَّیۡنَا شُعَیۡبا وَٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ مَعَهُۥ بِرَحۡمَة مِّنَّا ) هود: 94 . 

لا عبور لأي رغب إلا من طريق الرحمن، ولا جود لأي حاجة إلا في ساحة الرحمن، لا إمكانية لحدوث شيء إلا بالرحمن، فإنه وحده الرحمن الذي لا حول في الوجود ولا قوة إلا به جل جلاله.

فبرحمته أرسل إلينا رسله.

وبرحمته أنزل علينا كتبه.

وبرحمته هدانا من الضلالة.

وبرحمته أرشدنا من العمى.

وبرحمته علمنا ما لم نكن نعلم.

وبرحمته سخر الشمس والقمر، وجعل الليل والنهار، وبسط الأرض، وبرحمته خلقت الجنة، وعمرت بأهلها وطاب عيشهم.

ومن رحمته أنه خلق مئة رحمة كل رحمة منها طباق ما بين السماء والأرض، فأنزل منها إلى الارض رحمة واحدة، نشرها بين الخليقة ليتراحموا بها، بها تعطف الوالدة على ولدها، وبهذه الرحمة قوام العالم ونظامه.

بشرى ..!

ولتسمع عن سعة رحمته تعالى: ( ۞ قُلۡ یَـٰعِبَادِیَ ٱلَّذِینَ أَسۡرَفُوا۟ عَلَىٰۤ أَنفُسِهِمۡ لَا تَقۡنَطُوا۟ مِن رَّحۡمَةِ ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ یَغۡفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِیعًاۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلۡغَفُورُ ٱلرَّحِیمُ ) الزمر: 53 ، وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ” لو يعلم المؤمن ما عند الله من العقوبة ما طمع بجنته أحد، ولو يعلم الكافر ما عند الله من الرحمة، ما قنط من جنته أحد ” أخرجه مسلم.

وهذه الرحمات: رحمة بعزة وقوة وغلبة ومنعة، لا رحمة ضعف: ( وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلۡعَزِیزُ ٱلرَّحِیمُ ) الشعراء: 9 .

وأشهد أن الله لا رب غيره كريم رحيم يرتجى ويؤمل

مفاتيح الرحمة:

هو الغنى عنا وعن عبادتنا، لن ندخل الجنة إلا برحمته، حتى نينا صلى الله عليه وسلم، جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لن يدخل أحدا ً عمله الجنة، قالوا: ولا أنت يا رسول الله ؟ قال: ” لا، ولا أنا إلا أن يتغمدني الله بفضل ورحمة “.

فمن علم هذا: فعليه بعبودية الرجاء، والتعلق برحمة الله تعالى والسعي إليها، وتكون بالتقوى والإيمان وأداء الطاعات.

فبذلك تنال الرحمات: ( وَرَحۡمَتِی وَسِعَتۡ كُلَّ شَیۡءۚ فَسَأَكۡتُبُهَا لِلَّذِینَ یَتَّقُونَ وَیُؤۡتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَٱلَّذِینَ هُم بِـَٔایَـٰتِنَا یُؤۡمِنُونَ ) الأعراف: 156 .

وتنال الرحمات بطاعة الله تعالى والرسول صلى الله عليه وسلم، لأن الله تعالى قال ( وَأَطِیعُوا۟ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ لَعَلَّكُمۡ تُرۡحَمُونَ ) آل عمران: 132 .

وتنال بالإحسان: لأن الله تعالى قال: ( إِنَّ رَحۡمَتَ ٱللَّهِ قَرِیب مِّنَ ٱلۡمُحۡسِنِینَ ) الأعراف: 56 .

وتنال بالاستغفار، لأن الله تعالى قال: ( لَوۡلَا تَسۡتَغۡفِرُونَ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تُرۡحَمُونَ ) النمل: 46 .

وتنال بذكر الله عز وجل، وبكثرة الدعاء.

وفي سنن أبي داوود، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ” دعوات المكروب: اللهم رحمتك أرجو، فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين، وأصلح لي شأني كله، لا إله إلا أنت ” حديث حسن.

ولا ينال الرحمة إلا عباد الله الرحماء، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” وإنما يرحم الله من عباده الرحماء ” أخرجه البخاري ومسلم، فهذه مومس دخلت الجنة برحمتها لكلب أصابه العطش، سقته بخفيها.

لا يثبطك الشيطان !

ومن الناس من إذا ابتلي بالمصائب والأزمات والأحزان، تخلى عن إيمانه ولم يتذكر بأن الله أرحم به من نفسه، فلا يطرق باب الرحمن، ولا يرجو رحمته، فإذا هو يقع في إغواء الشيطان وربما أوصله إلى هلاك نفسه، والله تعالى قال: ( وَلَا تَقۡتُلُوۤا۟ أَنفُسَكُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِكُمۡ رَحِیما ) النساء: 29 .

وإياك أن تعتقد أن ذنبك مهما عظم هو أعظم من رحمة الله ! إن الشيطان لا يريد منك إلا هذه، يريد أن يكبر الذنب في عينيك ويصغر رحمة الله.

ورحمة الله أوصع من ذنبك ومن كل ذنب، فالرجل الذي قتل تسعة وتسعين إنسانا ً وأكملهم بالمئة، علم الله صدق توبته فصدقه الله جل جلاله.

وإني بك اللهم ربي لواثق وما لي بباب غير بابك مدخل

يقول عز وجل: ( یَوۡمَ نَحۡشُرُ ٱلۡمُتَّقِینَ إِلَى ٱلرَّحۡمَـٰنِ وَفۡدا ) مريم: 85، ما أعظمه من وعد، وما أعظمه من وفد، وما أجمله من شعور ! جعلني الله وإياكم من هذا الوفد.

اللهم ! إن لم نكن أهلا ً أن نبلغ رحمتك، فإن رحمتك أهل أن تبلغنا، ورحمتك وسعت كل شيء فلتسعنا رحمتك في الدنيا والآخرة يا أرحم الراحمين.

ساهم في التعريف بأسماء الله الحسنى

انت المشاهد رقم