قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: اجلسوا إلى التوابين! فإنهم أرق أفئدة .

أسأت ولم أحسن، وجئتك تائبا ً وأني لعبد من مواليه مهرب 

يؤمل غفرانا ً فإن خاب ظنه فما أحد منه على الأرض أخيب 

نعيش مع اسم الله التواب :

ما أحلى اسم الله التواب! يعطي المذنب أملا ً  ليبدأ من جديد في مرحلة السعادة ويخرج به من دائرة الإحباط والظلام، ( أَلَمۡ یَعۡلَمُوۤا۟ أَنَّ ٱللَّهَ هُوَ یَقۡبَلُ ٱلتَّوۡبَةَ عَنۡ عِبَادِهِۦ وَیَأۡخُذُ ٱلصَّدَقَـٰتِ وَأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِیمُ ) التوبة: 104 .

ربنا سبحانه وتعالى هو التواب وصف نفسه بالتواب بصيغة المبالغة لكثرة من يتوب عليه ولما كانت المعاصي متكررة من عباده جاء بصيغة المبالغة ليقابل الخطايا الكبيرة بالتوبة الواسعة.

فهو سبحانه وتعالى ما زال يتوب على التائبين ويغفر ذنوب المنيبين، حتى لو تكررت التوبة تكرر القبول إلى مال لا نهاية .

قال سبحانه وتعالى: ( فَمَن تَابَ مِنۢ بَعۡدِ ظُلۡمِهِۦ وَأَصۡلَحَ فَإِنَّ ٱللَّهَ یَتُوبُ عَلَیۡهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُور رَّحِیمٌ ) المائدة: 39 .

جاء في المستدرك: أن رجلا ً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أحدنا يذنب، قال: يكتب عليه، ثم قال: يستغفر منه ويتوب ، قال: ” يغفر له ويتاب عليه، ولا يمل الله حتى تملوا ” حديث حسن.

فكل من تاب إلى الله توبة نصوحا ً تاب الله عليه وقبله.

ما أكرم الله !

وانظر الى كرم الله حين أكرم عبده أن جعل توبته محفوفة بتوبة من الله عليه قبلها وتوبة منه بعدها، فتوبة العبد بين توبتين من ربه سبحانه وتعالى: سابقة ولاحقة.

فإنه تاب عليه أولا: إذنا ً وتوفيقا ً وإلهاما ً حيث حرك دواعي قلبه للتوبة، ثم قام بالتوبة، وهذا توفيق من الله الكريم الرحيم التواب.

ثم لما تاب بالفعل تاب الله عليه فقبل توبته وعفا عن خطاياه وذنوبه قال سبحانه: ( ثُمَّ تَابَ عَلَیۡهِمۡ لِیَتُوبُوۤا۟ۚ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِیمُ ) التوبة: 118 .

لا إله إلا الله له الفضل بالتوبة أولا ً وأخيرا ً .

وكذلك التواب من أوصافه والتوب في أوصافه نوعان 

إذن بتوبة عبده وقبولها بعد المتاب بمنة المنان 

وكذا الأعمال الصالحة بهذه المثابة: ألهمها للعبد، ثم أثابه عليها، فالله المبتدئ بالإحسان والنعم المتفضل بالجود والكرم.

ذكرى..

والتوبة واجبة على البشر جميعا ً في جميع مراحل العمر من مؤمنهم وعاصيهم، لأن الله تعالى قال: ( وَتُوبُوۤا۟ إِلَى ٱللَّهِ جَمِیعًا أَیُّهَ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ ) النور: 31 .

والتوبة من الكمال الذي يحبه الله وليست نقصا ً والله قد قال: ( إِنَّ ٱللَّهَ یُحِبُّ ٱلتَّوَّ ٰبِینَ وَیُحِبُّ ٱلۡمُتَطَهِّرِینَ ) البقرة: 222 ، وقال سبحانه وتعالى: ( لَّقَد تَّابَ ٱللَّهُ عَلَى ٱلنَّبِیِّ وَٱلۡمُهَـٰجِرِینَ وَٱلۡأَنصَارِ  ) التوبة: 117 .

وقال عن آدم عليه السلام: ( فَتَلَقَّىٰۤ ءَادَمُ مِن رَّبِّهِۦ كَلِمَـٰت فَتَابَ عَلَیۡهِۚ ) البقرة: 37 .

وقال عن إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام: ( وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبۡ عَلَیۡنَاۤۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِیمُ ) البقرة: 128 .

وقال عن موسى عليه السلام: ( فَلَمَّاۤ أَفَاقَ قَالَ سُبۡحَـٰنَكَ تُبۡتُ إِلَیۡكَ وَأَنَا۠ أَوَّلُ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ ) الأعراف: 143 .

ومن المعلوم: أن الأنبياء معصومون من الإقرار على الذنوب – كبارها وصغارها – وهم بما أخبر به عنهم من التوبة ترفع درجاتهم، وتعظم حسناتهم، فإن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين .

وفي صحيح البخاري: عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ” والله ! إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة ” .

لولا أنكم تذنبون ..

والله يعلم أن عباده لا يخلون من قصور ونقص، وقد خلقهم كذلك لتظهر فيهم رحمته وغفرانه وتوبته، صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ” لو أنكم لم تكن لكم ذنوب يغفرها الله لكم، لجاء الله بقوم لهم ذنوب يغفرها لهم ” رواه مسلم.

 

قال عليه الصلاة والسلام: ” كل ابن آدم خطاء، وخير الخطائين التوابين ” حديث صحيح، رواه الترمذي.

وقد امتدح الله نفسه سبحانه وتعالى بقبول توبة عباده، فقال: ( غَافِرِ ٱلذَّنۢبِ وَقَابِلِ ٱلتَّوۡبِ شَدِیدِ ٱلۡعِقَابِ ذِی ٱلطَّوۡلِۖ لَاۤ إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَۖ إِلَیۡهِ ٱلۡمَصِیرُ ) غافر: 3 .

والله يريد من عباده أن يعلموا أنه يقبل توبة عبده، حتى ولو عظمت ذنوبه: ( إِنَّ ٱللَّهَ یَغۡفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِیعًاۚ ) الزمر: 53 .

ربنا غني عنا وعن عبادتنا ومع ذلك يفرح فرحا ً شديدا ً بتوبة عبده إذا تاب، فما أكرم الله ! وما أجمل الله ! وما أرحم الله !

جاء في الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ” لله أشد فرحا ً بتوبة عبده المؤمن من رجل في أرض دوية مهلكة، معه راحلته عليها طعامه وشرابه، فنام فاستيقظ وقد ذهبت، فطلبها حتى أدركه العطش .

ثم قال: ارجع إلى مكاني الذي كنت فيه، فأنام حتى اموت، فوضع رأسه على ساعده ليموت، فاستيقظ وعنده راحلته، وعليها زاده وطعامه وشرابه، فالله أشد فرحا ً بتوبة العبد المؤمن من هذا براحلته وزاده” . 

قال ابن تيمية رحمه الله: كل من تاب فهو حبيب الله ، ( إِنَّ ٱللَّهَ یُحِبُّ ٱلتَّوَّ ٰبِینَ وَیُحِبُّ ٱلۡمُتَطَهِّرِینَ ) البقرة: 222 .

فحرى بمن هذا وصفه في رحمته بعباده، أن يحب الحب كله، وأن يعبد وحده لا شريك له، وأن تظهر آثار هذه المحبة بإخلاص العبادة له، والتقرب إليه بطاعته ومحبة من يحبه وما يحبه ويبغض من يبغضه وما يبغضه.

قال بلال بن سعد: إن لكم ربا ليس إلى عقاب أحدكم بسريع، يقيل العثرة ويقبل التوبة ويقبل على المقبل، ويعطف على المدبر، ( وَهُوَ ٱلَّذِی یَقۡبَلُ ٱلتَّوۡبَةَ عَنۡ عِبَادِهِۦ وَیَعۡفُوا۟ عَنِ ٱلسَّیِّـَٔاتِ وَیَعۡلَمُ مَا تَفۡعَلُونَ) الشورى: 25 .

على عتبة الباب ..

التوبة: هروب من المعصية إلى الطاعة ومن السيئة الى الحسنة ومن وحشة العصيان إلى الانس بالرحمن.

إنها فرار من الخاق إلى أعتابه وهروب من الجبار إلى رحابه، وعياذ برضاه من سخطه، وبمعافاته من عقوبته وبه منه لا نحصي ثناء عليه ولا ملجأ منه إلا إليه ولا مفر منه إلا إليه، ( فَفِرُّوۤا۟ إِلَى ٱللَّهِۖ إِنِّی لَكُم مِّنۡهُ نَذِیر مُّبِین ) الذاريات: 50 .

يا رب إن عظمت ذنوبي كثرة فلقد علمت بأن عفوك أعظم

إن كان لا يرجوك إلا محسن فبمن يلوذ ويستجير المجرم 

قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: عجبا ً لمن يهلك ومعه النجاة ، قيل: وما هي ؟ قال: التوبة والاستغفار .

قال ابن القيم رحمه الله: أغلب ما يحمل المسلم على الذنب ( الاتكال على التوبة ) ولو علم أنه قد يحال بينه وبينها لهاج خوفه .

والتوبة الصادقة لا تكون إلا بـ : ترك الذنب والندم على فعله، والعزم على عدم معاودته واستبداله بعمل صالح، ثم اذا كان متعلقا ً بحق العباد فليتحلل من صاحبه.

قال شقيق البلخي رحمه الله: علامة التوبة، البكاء على ما سلف، والخوف من الوقوع في الذنب، وهجران إخوان السوء، وملازمة الأخيار.

والتوبة الصادقة مقبولة إلا في موضعين: إذا طلعت الشمس من مغربها، وعند الغرغرة.

هزات إيقاظ .. 

وقد يبتلي عز وجل عبده المؤمن بما يتوب منه لتكمل عبوديته ويتضرع ويخشع وينيب إلى ربه.

فكم من إنسان ابتعد عن الله فضيق الله عز وجل عليه حتى يرجع إليه فلما رجع، وذاق طعم القرب منه، وشعر بنعمة الاستقامة والتوبة، شكر الله على هذه المصيبة والشدة التي كانت سببا ً في نجاته وفلاحه، ( وَلَنُذِیقَنَّهُم مِّنَ ٱلۡعَذَابِ ٱلۡأَدۡنَىٰ دُونَ ٱلۡعَذَابِ ٱلۡأَكۡبَرِ لَعَلَّهُمۡ یَرۡجِعُونَ ) السجدة: 21 .

فلو تركت على معاصيك وانحرافاتك ولم تتب، ورأيت النعم بين يديك فاعلم أنك مبغوض إليه، وأن هذا استدراج منه لك، لأن الله عزوجل قال: ( فَلَمَّا نَسُوا۟ مَا ذُكِّرُوا۟ بِهِۦ فَتَحۡنَا عَلَیۡهِمۡ أَبۡوَ ٰبَ كُلِّ شَیۡءٍ حَتَّىٰۤ إِذَا فَرِحُوا۟ بِمَاۤ أُوتُوۤا۟ أَخَذۡنَـٰهُم بَغۡتَة فَإِذَا هُم مُّبۡلِسُونَ ) الأنعام: 44 .

ثم إذا أعلنت التوبة فاطلب من الله الثبات، فقد كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: ” اللهم يا مقلب القلوب، ثبت قلبي على دينك ” حديث صحيح، رواه البخاري في الأدب المفرد.

اللهم تب علينا إنك التواب الرحيم، واغفر لنا ولوالدينا إنك  أنت الغفور الرحيم .

ساهم في التعريف بأسماء الله الحسنى

انت المشاهد رقم