اذا وقعت المصيبة وحلت النكبة وجثمت الكارثة، اتجه القلب الى الاعلى، وارتفعت الايادي الى العلي، ونظرت الأعين إلى السماء تنتظر الفرج من العلي الأعلى المتعال.

فربنا عز وجل هو الأعلى والعلي والمتعال، قال الله تعالى: ( وَهُوَ ٱلۡعَلِیُّ ٱلۡعَظِیمُ ) البقرة: 255، وقال: ( سَبِّحِ ٱسۡمَ رَبِّكَ ٱلۡأَعۡلَى ) الأعلى: 1، وقال سبحانه: ( عَـٰلِمُ ٱلۡغَیۡبِ وَٱلشَّهَـٰدَةِ ٱلۡكَبِیرُ ٱلۡمُتَعَالِ ) الرعد: 9.

فربنا الأعلى العلي المتعال: الذي لا أعلى منه له العلو المطلق من جميع الوجوه.

علو ذات: فربنا سبحانه وتعالى مستوٍ على عرشه، بائن من خلقه علا على جميع الكائنات، ( ٱلرَّحۡمَـٰنُ عَلَى ٱلۡعَرۡشِ ٱسۡتَوَىٰ ) طه: 5.

علو قدر: فهو سبحانه وتعالى ذو قدر عظيم، صفاته صفات كمال وجمال وجلال، فلا يقاربها ولا يماثلها صفة أحد من خلقه، بل لا يطيق العباد أن يحيطوا بصفة واحدة من صفاته سبحانه، ( وَلَا یُحِیطُونَ بِهِۦ عِلۡما ) طه: 110.

علو قهر: فربنا جل جلاله قهر كل شيء، ودانت له الكائنات بأسرها، فالكل تحت قهره وسلطانه وعظمته، ( وَهُوَ ٱلۡقَاهِرُ فَوۡقَ عِبَادِهِۦ ) الأنعام: 18.

على السماوات فوق العرش مرتفعا ً مباينا ً لجميع الخلق متصفا ً 

بكل أوصافه العليا التي كملت وليس هذا بحمد الله فيه خفا 

أين الله ؟

في صحيح مسلم عن الصحابي الجليل معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه قال: كانت لي جارية ترعى غنما ً لي قبل أحد، فاطلعت ذات يوم فإذا الذيب قد ذهب بشاة من غنمها، وأنا رجل من بني آدم، آسف ( أغضب ) كما يأسفون لكني صككتها صكة.

فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعظم ذلك علي، قلت: يا رسول الله أفلا أعتقها؟ قال: ” ائتني بها ” فأتيته بها، فقال لها: ” أين الله؟ ” قالت: في السماء، قال: ” من أنا؟ ” قالت: أنت رسول الله، قال: ” أعتقها فإنها مؤمنة “.

ومعنى كون الله في السماء: اي في العلو فوق السماء، و(في) بمعنى (على) كما جاء هذا المعنى في قوله سبحانه وتعالى: ( وَلَأُصَلِّبَنَّكُمۡ فِی جُذُوعِ ٱلنَّخۡلِ ) طه: 71، ولا يتوهم ان السماء تحيط بالله، فالله أعظم من أن يحيط به شيء من خلقه.

وأقف هنا أيها القارئ فأقول: هل يجوز وصف الله سبحانه وتعالى بضد ما وصف به نفسه، كوجود الله في كل مكان ؟

قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى: وهو سبحانه وتعالى وصف نفسه بالعلو، وهو من صفات المدح له بذلك والتعظيم، لأنه من صفات الكمال كما يمدح نفسه بأنه العظيم والعليم والقدير والعزيز والحليم ونحو ذلك، وأنه الحي القيوم، ونحو ذلك من معاني أسمائه الحسنى.

فلا يجوز أن يتصف بأضداد هذه، فلا يجوز أن يوصف بضد العلو وهو: السفول، ولا بضد القوي وهو: الضعيف.

بل هو سبحانه وتعالى منزه عن هذه النقائص لصفات الكمال الثابتة له.

هذا ومن توحيدهم إثبات أوصاف الكمال لربنا الرحمن

كعلوه سبحانه فوق السماوات العلى بل فوق كل مكان

فهو العلي بذاته سبحانه إذ يستحيل خلاف ذا ببيان

وهو الذي حقا ً على العرش استوى قد قام بالتدبير للأكوان

قال عز وجل: ( إِنَّ رَبَّكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِی خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ فِی سِتَّةِ أَیَّام ثُمَّ ٱسۡتَوَىٰ عَلَى ٱلۡعَرۡشِۖ ) الأعراف: 54.

وذكر الله عز وجل في كتابه نزول جبريل والملائكة: ( تَنَزَّلُ ٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةُ وَٱلرُّوحُ فِیهَا بِإِذۡنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمۡر ) القدر: 4، والتنزيل لا يكون إلا من العلو.

وذكر سبحانه وتعالى أن الملائكة تعرج إليه وتصعد، ( تَعۡرُجُ ٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةُ وَٱلرُّوحُ إِلَیۡهِ فِی یَوۡم كَانَ مِقۡدَارُهُۥ خَمۡسِینَ أَلۡفَ سَنَة ) المعارج: 4.

وذكر سبحانه وتعالى أن الأعمال الصالحة والكلام الطيب إليه يصعدان: ( إِلَیۡهِ یَصۡعَدُ ٱلۡكَلِمُ ٱلطَّیِّبُ وَٱلۡعَمَلُ ٱلصَّـٰلِحُ یَرۡفَعُهُۥۚ ) فاطر: 10.

فإلى من ترفع الأعمال.

وإذا كان ربنا سبحانه بنفسه في كل مكان فما يصنع بالتنزيل؟ تعالى الله عما يقولون علوا ً كبيرا ً.

فربنا عز وجل تعالى عن الشبيه والنظير والمثيل والعديل.

وربنا عز وجل تعالى عن الصاحبة والولد: ( وَأَنَّهُۥ تَعَـٰلَىٰ جَدُّ رَبِّنَا مَا ٱتَّخَذَ صَـٰحِبَة وَلَا وَلَدا ) الجن: 3.

وربنا عز وجل تعالى عن الشريك في ألوهيته: ( فَلَمَّاۤ ءَاتَىٰهُمَا صَـٰلِحا جَعَلَا لَهُۥ شُرَكَاۤءَ فِیمَاۤ ءَاتَىٰهُمَاۚ فَتَعَـٰلَى ٱللَّهُ عَمَّا یُشۡرِكُونَ ) الأعراف: 190.

الطريق ..

ومن عرف معنى الاسماء الثلاثة: ( العلي والأعلى والمتعال ) عرف الله عز وجل علي بصفات الكمال، متعال عن صفات النقص، أعلى من خلقه.

ومن أعطى هذا المشهد حقه معرفة وعبودية، استغنى به وبلغ العزة والمجد، ( وَرَفَعۡنَـٰهُ مَكَانًا عَلِیًّا ) مريم: 57.

والعلو في الدارين ينال:

بالإيمان: ( وَمَن یَأۡتِهِۦ مُؤۡمِنا قَدۡ عَمِلَ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ فَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ لَهُمُ ٱلدَّرَجَـٰتُ ٱلۡعُلَىٰ ) طه: 75.

وبالعلم: ( یَرۡفَعِ ٱللَّهُ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ مِنكُمۡ وَٱلَّذِینَ أُوتُوا۟ ٱلۡعِلۡمَ دَرَجَـٰتۚ ) المجادلة: 11.

وبالتواضع، صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ” وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله ” أخرجه مسلم.

ولما طلب أحد الصحابة رضي الله عنهم مرافقة النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة قال له: ” فأعني على نفسك بكثرة السجود ” أخرجه مسلم، والذكر في السجود: (سبحان ربي الأعلى)، والله عز وجل قال: ( سَبِّحِ ٱسۡمَ رَبِّكَ ٱلۡأَعۡلَى ) الأعلى: 1.

وعلل بعضهم هذا القول في السجود، بأنه غاية في الخضوع والتذلل من العبد بأشرف شيء فيه لله عز وجل، وهو وجهه بأن يضعه على التراب، فناسب وهو في غاية سفوله أن يصف ربه بأنه الأعلى جل جلاله.

ولذلك لما كان هذا حال العبد في تلك الهيئة كان أقرب إلى الله، قال صلى الله عليه وسلم: ” أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا الدعاء ” أخرجه مسلم.

بلغت المنى ..

وبعد أن علمت أن الارض تدار من العلي الأعلى عز وجل، الذي بيده ملكوت السماوات والارض ..

فيا أيها المريض ! الشافي في السماء، ويا أيها الفقير ! الغني في السماء، ويا أيها الحزين ! الجابر في السماء، ويا أيها العقيم ! الوهاب في السماء، أيها المدين ! الرزاق في السماء، أيها المغموم ! الفتاح في السماء.

فتوجه بقلبك ووجهك إلى السماء، وادع الله العلي الأعلى وأبشر بما يسرك، فقد بشرت من فوق سبع سماوات بقوله عز وجل: ( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِی عَنِّی فَإِنِّی قَرِیبٌۖ أُجِیبُ دَعۡوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِۖ فَلۡیَسۡتَجِیبُوا۟ لِی وَلۡیُؤۡمِنُوا۟ بِی لَعَلَّهُمۡ یَرۡشُدُونَ ) البقرة: 186.

لك الحمد يا ذا الجود والمجد والعلا تباركت تعطي من تشاء وتمنع 

إلهي لئن جلت وجمت خطيئتي فعفوك عن ذنبي أجل وأوسع 

إلهي ترى حالي وفقري وفاقتي وأنت مناجاتي الخفية تسمع 

إلهي لئن خيبتني أو طردتني فمن ذا الذي أرجو ومن لي يشفع

اللهم ! إنا نسألك باسمك الأعلى، أن تعلي شأننا في الدنيا والآخرة.

ساهم في التعريف بأسماء الله الحسنى

انت المشاهد رقم