قال الله عز وجل: ( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِی عَنِّی فَإِنِّی قَرِیبٌۖ أُجِیبُ دَعۡوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِۖ فَلۡیَسۡتَجِیبُوا۟ لِی وَلۡیُؤۡمِنُوا۟ بِی لَعَلَّهُمۡ یَرۡشُدُونَ ) البقرة: 186.

سؤال تولى الله عز وجل الرد عنه بنفسه، في آية تسكب في كل قلب مؤمن النداوة الحلوة، والود المؤنس، والرضا المطمئن، والثقة الكافية واليقين الشافي.

 وفي ظل هذا الأنس والقرب المودود، نتعرف على اسم الله القريب جل جلاله: قال سبحانه وتعالى: ( إِنَّهُۥ سَمِیع قَرِیب ) سبأ: 50.

اسم حبيب الى النفوس، غني بالمعاني الرائعة والدلالات الكثيرة .. 

لفظه يشف عن معناه كما يشف الكأس الصافي عما فيه من الماء الزلال.

فربنا سبحانه وتعالى قريب من عباده، مستوٍ على عرشه، الذي هو فوق خلقه، عليم بالسرائر وما تكنه الضمائر، ومعيته لكل أحد.

وقربه من خلقه نوعان :

أولا ً: قرب عام، وهو قربه سبحانه وتعالى من كل أحد بعلمه ومراقبته ومشاهدته وإحاطته بجميع الاشياء، وهو فوق كل المخلوقات، وهو أقرب إلى الانسان من حبل الوريد.

وهذه المعية العامة، ( وَنَحۡنُ أَقۡرَبُ إِلَیۡهِ مِنۡ حَبۡلِ ٱلۡوَرِیدِ ) ق: 16.

ثانيا ً: قرب خاص، وهو قربه سبحانه وتعالى من عابديه وسائليه ومحبيه، وهو قرب يقتضي المحبة والنصرة، والتأييد في الحركات والسكنات، والإجابة للداعين والقبول والإثابة للعابدين.

وهو قرب لا تدرك له حقيقة، وإنما تعلم آثاره من لطفه بعبده، وعنايته به وتوفيقه وتسديده، ( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِی عَنِّی فَإِنِّی قَرِیبٌۖ أُجِیبُ دَعۡوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِۖ ) البقرة: 186.

وهو القريب وقربه المختص بــ ـالداعي وعباده على الإيمان

صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ” والذي تدعونه أقرب إلى احدكم من عنق راحلة أحدكم ” اخرجه مسلم.

يسمع دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء.

في كنف الله ..

والله عز وجل قريب من أوليائه، حافظ عباده، يكلؤهم برعايته، يحوطهم بعنايته، ينزل عليهم غيث الرحمة، لا يدعهم طرفة عين، لا يكلهم من انفسهم ولا يسلط عليهم أعداءهم، ولا يجعل للشيطان عليهم سبيلا ً.

أتوا بثمن المعية الخاصة: فكان القرب والنصر والتأييد والحفظ، ( وَقَالَ ٱللَّهُ إِنِّی مَعَكُمۡۖ لَىِٕنۡ أَقَمۡتُمُ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَیۡتُمُ ٱلزَّكَوٰةَ وَءَامَنتُم بِرُسُلِی وَعَزَّرۡتُمُوهُمۡ وَأَقۡرَضۡتُمُ ٱللَّهَ قَرۡضًا حَسَنا ) المائدة: 12.

اطمأنوا الى ربهم، وحسن ظنهم به جل جلاله، فكان لهم في كل حين..

فهذا نوح عليه السلام بعد الألف إلا خمسين عاما ً من الدعوة والبلاء والعناء دعا ربه، فلباه، ونجاه، وأهلك خصومه.

وهذا ابراهيم عليه السلام استجار ربه، فأنجاه من النار.

ونجى يونس بن متى عليه السلام من الكرب العظيم، ورد يوسف إلى يعقوب، وجمع شملهم، وألف بينهم وبين اخوته، ورد بصر يعقوب إليه.

ورسولنا عليه الصلاة والسلام تعصف به مواقف تشيب منها الرؤوس، وتبلغ فيها القلوب الحناجر، وظن بالله الظنون من بعض اصحابه، فيتضرع إلى مولاه، فينجز الله عز وجل الوعد، ويحقق المراد ويعلي كلمة الحق .. 

فالله عز وجل قريب من جميع خلقه المؤمنين، يراهم ويحميهم.

تأتي امرأة تجادل في زوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم وعائشة رضي الله عنها في طرف البيت تقول انها تسمع كلمة وتغيب عنها كلمة، وبعد ذلك الجدل ينزل جبريل على الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم بقوله: ( قَدۡ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوۡلَ ٱلَّتِی تُجَـٰدِلُكَ فِی زَوۡجِهَا وَتَشۡتَكِیۤ إِلَى ٱللَّهِ وَٱللَّهُ یَسۡمَعُ تَحَاوُرَكُمَاۤۚ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِیعُۢ بَصِیرٌ ) المجادلة: 1، فسبحان الذي وسع سمعه الاصوات كلها.

إنه قريب .. 

لا ترفع صوتك بالدعاء! فهو قريب يسمعك.. 

سمع صلى الله عليه وسلم الصحابة رضي الله عنهم وهم يدعون ربهم بأصوات جهيرة مرتفعة، فقال: ” أيها الناس! اربعوا على أنفسكم، فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا ً، ولكن تدعون سميعا ً بصيرا ً ” اخرجه البخاري ومسلم.

والله مطلع على ما في نفسك وعلى خواطرك، تدعوه في قلبك، فيستجيب.. انه القريب سبحانه وتعالى: ( إِذۡ نَادَىٰ رَبَّهُۥ نِدَاۤءً خَفِیّا ) مريم: 3.

تذكره في نفسك فيسمعك ويذكرك، فإنه القريب سبحانه وتعالى.

وفي الحديث القدسي المتفق عليه: ” إن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم “.

وما من إنسان إلا وله منحة من الله القريب جل جلاله، في تفريج هم او تنفيس كرب او دفع ضرر، او منع خطر، او نيل محبوب، او حصول مطلوب.

فباب الله القريب مفتوح، وعطاؤه ممنوح، وكرمه عظيم وجوده كبير، فكم من حاجة قضيت، ومن دعوة قبلت، ومن بركة نزلت، ورحمة غشيت ؟؟

ثوب الافتقار ..

فإذا علمت بقرب الله عز وجل وأنه مطلع على سريرتك، يسمع دعاءك ويرى مكانك ويعلم ما في قلبك، فكن من المحسنين، ( إِنَّ رَحۡمَتَ ٱللَّهِ قَرِیب مِّنَ ٱلۡمُحۡسِنِینَ ) الاعراف: 56.

وتقرب إليه، فإن تقربت منه شبرا ً تقرب إليك ذراعا ً، ففي الحديث القدسي: ” ومن تقرب إليّ شبرا ً تقربت إليه ذراعا ً، ومن تقرب إليّ ذراعا ً تقرب إليه باعا ً، وإذا أقبل إليّ يمشي أقبلت إليه أهرول ” اخرجه البخاري ومسلم واللفظ له.

والتقرب إليه يكون بالفرائض قبل النوافل: ” وما تقرب إليّ عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه ” أخرجه البخاري.

وكلما كمل العبد في مراتب العبودية كان أقرب إلى الله عز وجل وكلما تذلل لله وانطرح بين يديه ومرغ أنفه وعفر لوجهه لربه ومحبوبه، زاد قربه من ربه، وارتفع شأنه، صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ” أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا من الدعاء ” أخرجه مسلم.

فالسجود فيه: أعظم دلائل الإجلال، واقصى درجات العبودية، وأجل مظاهر التذلل واجمل رسائل الحب، وأعذب مناظر الخشوع، وأفضل أثواب الافتقار ..

وبقدر سجودك لله عز وجل، تكون رفعتك عند الله، جاء عنه صلى الله عليه وسلم انه قال: ” عليك بكثرة السجود لله، فإنك لا تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة، وحط عنها بها خطيئة ” أخرجه مسلم.

وهنا تحصل على النعيم الدائم: ( أُو۟لَـٰۤىِٕكَ ٱلۡمُقَرَّبُونَ ) الواقعة: 11، ( عَیۡنا یَشۡرَبُ بِهَا ٱلۡمُقَرَّبُونَ ) المطففين: 28.

فهنيئا ً لك بربك وبإقبالك عليه !

حتى وإن بدت السماء بعيدة إن الذي فوق السماء قريب 

فارفع يديك إلى الإله مناجيا ً إن الجروح مع الدعاء تطيب 

ما ضرنا بعد السماء وإن علت ما دمت يا رب السماء قريب 

اللهم قلت وقولك الحق: ( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِی عَنِّی فَإِنِّی قَرِیبٌۖ أُجِیبُ دَعۡوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِۖ فَلۡیَسۡتَجِیبُوا۟ لِی وَلۡیُؤۡمِنُوا۟ بِی لَعَلَّهُمۡ یَرۡشُدُونَ ) البقرة: 186.

اللهم يا قريب يا مجيب! اجب دعواتنا، وارحم ضعفنا، وفرج همنا واحسن خاتمتنا في الأمور كلها، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين، يا سميع الدعاء.

ساهم في التعريف بأسماء الله الحسنى

انت المشاهد رقم