جاء رجل وقعد بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن لي مملوكين يكذبونني ويخونونني ويعصونني، وأشتمهم وأضربهم، فكيف أنا منهم ؟ 

قال صلى الله عليه وسلم: ” يحسب ما خانوك وعصوك وكذبوك وعقابك إياهم، فإن كان عقابك إياهم بقدر ذنوبهم كان كفافا ً، لا لك ولا عليك، وإن كان عقابك إياهم دون ذنوبهم، كان فضلا ً لك، وإن عقابك إياهم فوق ذنوبهم، اقتص لهم منك الفضل “، فتنحى الرجل فجعل يبكي ويهتف.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما تقرأ كتاب الله: ( وَنَضَعُ ٱلۡمَوَ ٰزِینَ ٱلۡقِسۡطَ لِیَوۡمِ ٱلۡقِیَـٰمَةِ فَلَا تُظۡلَمُ نَفۡس شَیۡـٔاۖ وَإِن كَانَ مِثۡقَالَ حَبَّة مِّنۡ خَرۡدَلٍ أَتَیۡنَا بِهَاۗ وَكَفَىٰ بِنَا حَـٰسِبِینَ ) الأنبياء: 47 ؟

فقال الرجل: والله يا رسول الله ! ما أجد لي ولهم شيئا ً خيرا ً من مفارقتهم ! أشهدك أنهم أحرار كلهم. حديث صحيح، رواه الترمذي.

أما والله لو عرف الأنام لما خلقوا لما غفلوا وناموا 

لقد خلقوا لما لو أبصرته عيون قلوبهم ساحوا وهاموا 

جاء في مسند الإمام أحمد من حديث جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يحشر الله العباد فينادي بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب: ” أنا الملك، أنا الديان، لا ينبغي لأحد من أهل النار أن يدخل النار وله عند أحد من أهل الجنة حق، حتى أقصه منه، ولا ينبغي لأحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة ولأحد من أهل النار عنده حق، حتى أقصه منه حتى اللطمة ” صحيح.

فربنا عز وجل الذي استوى على عرشه فوق ملكه قد دانت له كل الخليقة، وعنت له الوجود، وذلت لعظمة الجبابرة وكل البرية، فهو عز وجل الذي قهر كل المخلوقات، ودانت له عز وجل جميع الكائنات، فنواصي العباد كلها بيده وتصاريف الملك وتدبيراته بيده والملك بيده، لا حاكم إلا هو ولا رب غيره، ولا إله سواه.

وربنا جل جلاله الديان، الذي يحاسب ويجازي العباد، ويحكم بينهم يوم الميعاد، كما قال تعالى: ( مَـٰلِكِ یَوۡمِ ٱلدِّینِ ) الفاتحة: 4 ، ( وَنَضَعُ ٱلۡمَوَ ٰزِینَ ٱلۡقِسۡطَ لِیَوۡمِ ٱلۡقِیَـٰمَةِ فَلَا تُظۡلَمُ نَفۡس شَیۡـٔاۖ وَإِن كَانَ مِثۡقَالَ حَبَّة مِّنۡ خَرۡدَلٍ أَتَیۡنَا بِهَاۗ وَكَفَىٰ بِنَا حَـٰسِبِینَ ) الأنبياء: 47 .

فمن وجد خيرا ً فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه، ( یَوۡمَ تَجِدُ كُلُّ نَفۡس مَّا عَمِلَتۡ مِنۡ خَیۡر مُّحۡضَرا وَمَا عَمِلَتۡ مِن سُوۤء تَوَدُّ لَوۡ أَنَّ بَیۡنَهَا وَبَیۡنَهُۥۤ أَمَدَۢا بَعِیداۗ وَیُحَذِّرُكُمُ ٱللَّهُ نَفۡسَهُۥۗ وَٱللَّهُ رَءُوفُۢ بِٱلۡعِبَادِ ) آل عمران: 30 .

تأمل العواقب !

والله العدل، فيقتص للمظلوم من الظالم ومن السيد لعبده، وكذلك من البهائم، قال صلى الله عليه وسلم: ” يحشر الخلق كلهم يوم القيامة: البهائم والدواب والطير وكل شيء فيبلغ من عدل الله أن يأخذ للجماء من القرناء ” حديث صحيح، رواه الحاكم في المستدرك، وفي لفظ: ” وحتى الذرة من الذرة ” حديث صحيح، رواه أحمد في المسند.

إذا علمت بأنك ستلقى الديان يوم القيامة، يوم الجزاء والحساب وأن الله لا يظلم مثقال ذرة وأن ما بين الناس مبني على المشاحة، وأن ما بين العبد وربه مبني على المسامحة، والحساب بالحسنات والسيئات، فكيف توزع حسناتك وتأخذ سيئات غيرك، وأنت تعلم أنك ستحاسب لا محالة ؟؟

فكن كيّسا ً، وحاسب نفسك قبل أن تحاسب، وكما قيل: الكيّس: من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجر: من اتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني.

ولما سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه رضي الله عنهم قائلا ً: أتدرون ما المفلس ؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع.

فقال صلى الله عليه وسلم: ” إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيُعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه، أخذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار ” أخرجه مسلم.

وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ” حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزنوا، فإنه أهون عليكم في الحساب غدا ً أن تحاسبوا أنفسكم اليوم وتزينوا للعرض الأكبر “،  الحاقة: 18 .

تذكر يوم تأتي الله فردا ً وقد نصبت موازين القضاء 

وهتكت الستور عن المعاصي وجاء الذنب منكشف الغطاء

وتذكر قول أبي الدرداء رضي الله عنه: ” البر لا يبلى، والإثم لا ينسى، والديان لا ينام، فكن كما شئت ! كما تدين تدان “.

وإن كنت مظلوما ً فأبشر بالديان، فهذا الاسم تسلية لكل مظلوم ومقهور.

أما والله وإن الظلم شؤم وما زال المسيء هو الظلوم

إلى الديان يوم الدين نمضي وعند الله تجتمع الخصوم

اللهم! إنا نسألك يا ديان، أن تمن علينا بمغفرة من عندك، وأن ترحمنا يوم العرض عليك.

ساهم في التعريف بأسماء الله الحسنى

انت المشاهد رقم