جاء عند الطبراني بإسناد صحيح من حديث أبي طويل: أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أرأيت رجلا ً عمل الذنوب كلها فلم يترك منها شيئا ً وهو في ذلك لم حاجة ولا داجة إلا أتاها، فهل له من توبة ؟

قال: ” هل أسلمت ؟ ” قال: أما انا فأشهد أن لا اله الا الله وحده لا شريك له وانك رسول الله، قال: ” نعم تفعل الخيرات وتترك السيئات فيجعلهن الله لك خيرات كلهن ” قال: وغدراتي وفجراتي ؟ قال: ” نعم ” قال: الله اكبر ! فما زال يكبر حتى توارى.

وإني لأدعو الله أطلب عفوه وأعلم ان الله يعفو ويغفر 

لئن أعظم الناس الذنوب كلها وإن عظمت ففي رحمة الله تصغر

حديثنا عن اسم ما سمع به مذنب ولا مؤمن إلا تعلق قلبه به، وفرح به فرحا ً شديدا ً، وفتح له باب أمل، إنه اسم الله (الغفور والغفار) جل جلاله.

قال سبحانه وتعالى: ( ۞ نَبِّئۡ عِبَادِیۤ أَنِّیۤ أَنَا ٱلۡغَفُورُ ٱلرَّحِیمُ ) الحجر: 49، وقال: الانبياء ( فَقُلۡتُ ٱسۡتَغۡفِرُوا۟ رَبَّكُمۡ إِنَّهُۥ كَانَ غَفَّارا ) نوح: 10، وقال: ( إِنَّ رَبَّكَ وَ ٰسِعُ ٱلۡمَغۡفِرَةِۚ ) النجم: 32.

وأصل الغفر في اللغة: الستر والتغطية.

وربنا سبحانه وتعالى هو الساتر لذنوب عباده، المغطيهم بستره، فلا يطلع على ذنوبهم أحد غيره، المتجاوز عن خطاياهم وذنوبهم.

فهو عز وجل يغفر ذنوب عباده مرة بعد مرة، إلى ما لا يحصى، كلما تكررت توبة العبد من الذنب تكررت المغفرة من الله عز وجل.

الباب مفتوح ..

ذكر الطبراني وغيره: أن رجلا جاء الى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! أحد يذنب الذنب؟ قال: ” يكتب عليه “، ثم قال: يستغفر منه ويتوب؟ قال: ” يغفر له ويتاب عليه، ولا يمل الله حتى تملوا ” حديث حسن وهو في المعجم الكبير والأوسط.

وهو الغفور فلو أتى بقرابها من غير شرك بل من العصيان 

لأتاه بالغفران ملء قرابها سبحانه هو واسع المغفرة

قافتح الله عز وجل بابه لكل التائبين والمذنبين والخطائين، فقال عز وجل: ( ۞ قُلۡ یَـٰعِبَادِیَ ٱلَّذِینَ أَسۡرَفُوا۟ عَلَىٰۤ أَنفُسِهِمۡ لَا تَقۡنَطُوا۟ مِن رَّحۡمَةِ ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ یَغۡفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِیعًاۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلۡغَفُورُ ٱلرَّحِیمُ ) الزمر: 53، بل نادى من فوق سبع سماوات الذين قالوا: ان الله ثالث ثلاثة، ناداهم بالتوبة، حتى يغفر لهم، فقال: ( أَفَلَا یَتُوبُونَ إِلَى ٱللَّهِ وَیَسۡتَغۡفِرُونَهُۥۚ وَٱللَّهُ غَفُور رَّحِیم ) المائدة: 74.

جميع الذنوب تغفر، عدا من أقبل على الله وهو مشرك: ( إِنَّ ٱللَّهَ لَا یَغۡفِرُ أَن یُشۡرَكَ بِهِۦ وَیَغۡفِرُ مَا دُونَ ذَ ٰلِكَ لِمَن یَشَاۤءُۚ وَمَن یُشۡرِكۡ بِٱللَّهِ فَقَدِ ٱفۡتَرَىٰۤ إِثۡمًا عَظِیمًا ) النساء: 48.

والآيات في هذا كثيرة.

وأما السنة: ففي الحديث القدسي: ” قال الله سبحانه وتعالى: يا ابن أدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان فيك ولا أبالي، يا ابن آدم انك لو أتيتني بقراب الارض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا، لأتيتك بقرابها مغفرة ” حديث صحيح، رواه الترمذي.

هذا لمن جاء بالاستغفار مجردا ً عازما ً على عدم العودة، صادقا ً في توبته، وإذا علم الله صدقه بدل سيئاته حسنات، وهذا من جوده وكرمه على عباده.

لا تقنطوا !

والأعمال الصالحة مكفرة للذنوب، قال سبحانه وتعالى: ( إِنَّ ٱلۡحَسَنَـٰتِ یُذۡهِبۡنَ ٱلسَّیِّـَٔاتِۚ ) هود: 114، وصح عنه صلى الله عليه وسلم: ” وأتبع السيئة الحسنة تمحها ” حديث صحيح، رواه الترمذي.

والمصائب التي تصيب العبد سواء في نفسه او في ولده او ماله تكفر سيئاته، اذا احتسب ثوابها، وصبر، ورضى بقضاء الله سبحانه وتعالى.

والله عز وجل أشد فرحا ً بتوبة عبده من رجل فقد راحلته في فلاة وعليها طعامه وشرابه ثم وجدها.

ومهما عظم الذنب او تكرر من العبد فإن الله اوسع في رحمته ما دام العبد يستغفر: ( وَرَحۡمَتِی وَسِعَتۡ كُلَّ شَیۡءۚ ) الأعراف: 156، وصح عنه صلى الله عليه وسلم فيما يحكيه عن ربه عز وجل، قال: ” أذنب عبد ذنبا ً فقال: اللهم اغفر لي ذنبي، فقال عز وجل: أذنب عبدي ذنبا ً فعلم ان له ربا ً يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب، فقال: اي رب! اغفر لي ذنبي، فقال عز وجل: عبدي أذنب ذنبا ً فعلم ان له ربا ً يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب، فقال: اي رب! اغفر لي ذنبي، فقال عز وجل: عبدي أذنب ذنبا ً فعلم ان له ربا ً يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، اعمل ما شئت! فقد غفرت لك ” اخرجه مسلم.

أي: ما دمت تائبا ً أوّاها ً منيبا ً.

انكسر لمولاك !

وباب الله عز وجل مفتوح لكل التائبين والمنيبين، وهو لم يزل ولا يزال عفوا ً غفورا ً وقد وعد بالمغفرة والعفو لمن أتى بأسبابها: ( وَإِنِّی لَغَفَّار لِّمَن تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ صَـٰلِحا ثُمَّ ٱهۡتَدَىٰ ) طه: 82، ومن كثرت ذنوبه وسيئاته حتى فاتت العد والاحصاء: فليستغفر الله مما علم الله، فإن الله قد علم كل شيء وأحصاه.

وهذا لا يعنى أن يسرف المسلم في الخطايا والذنوب، ويتجرأ على معصية الله بحجة: ان الله غفور رحيم ! فالله سبحانه وتعالى قال: ( رَّبُّكُمۡ أَعۡلَمُ بِمَا فِی نُفُوسِكُمۡۚ إِن تَكُونُوا۟ صَـٰلِحِینَ فَإِنَّهُۥ كَانَ لِلۡأَوَّ ٰبِینَ غَفُورا ) الاسراء: 25، قال الفضيل ابن عياض رحمه الله: استغفار بلا اقلاع، توبة الكذّابين.

حبل النجاة..

وقد أمر جميع الخلق بالاستغفار وعلى رأسهم: الانبياء ( فَقُلۡتُ ٱسۡتَغۡفِرُوا۟ رَبَّكُمۡ إِنَّهُۥ كَانَ غَفَّارا ) نوح: 10.

وصح عنه صلى الله عليه وسلم انه قال: ” والله! اني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة ” أخرجه البخاري، هذا في حق الانبياء فمن دونهم أولى بالاستغفار.

قال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه: ” ألا أعلمك كلمات إذا قلتهن غفر الله لك، وإن كنت مغفورا ً لك ؟ قال: قل لا إله إلا الله العلي العظيم، لا إله إلا الله الحليم الكريم، لا إله إلا الله سبحان الله رب العرش العظيم ” صحيح، رواه الترمذي.

وقال علي رضي الله عنه: العجب ممن يهلك ومعه النجاة، قيل وما هي؟ قال: الاستغفار.

وقال قتادة رحمه الله: القرآن يدلكم على دائكم ودوائكم، أما داؤكم فالذنوب، وأما دواؤكم بالاستغفار.

قال شيخ الاسلام رحمه الله: الذنوب سبب للضر، والاستغفار يزيل أسبابه، كما قال عز وجل: ( وَمَا كَانَ ٱللَّهُ مُعَذِّبَهُمۡ وَهُمۡ یَسۡتَغۡفِرُونَ ) الأنفال: 33.

قال ابن كثير رحمه الله: ومن اتصف بهذه الصفة اي صفة الاستغفار يسر الله عليه رزقه وسهّل عليه أمره، وحفظ عليه شأنه وقوته.

أشكو إليك ذنوبا ً لست أنكرها وقد رجوتك يا ذا المن تغفرها 

من قبل سؤلك لي في الحشر يا أملي يوم الجزاء على الأهوال تذكرها 

أرجوك تغفرها في الحشر يا أملي إذ كنت سؤلي كما في الأرض تسترها 

وسر الجمع بين ( لا إله إلا الله – الاستغفار ) في قوله سبحانه وتعالى: ( فَٱعۡلَمۡ أَنَّهُۥ لَاۤ إِلَـٰهَ إِلَّا ٱللَّهُ وَٱسۡتَغۡفِرۡ لِذَنۢبِكَ وَلِلۡمُؤۡمِنِینَ وَٱلۡمُؤۡمِنَـٰتِۗ ) محمد: 19، ان التوحيد يذهب أصل الشرك، والاستغفار يمحي فروعه.

فأبلغ الثناء قول: لا إله إلا الله، وأبلغ الدعاء قول: أستغفر الله، فأمره بالتوحيد والاستغفار لنفسه ولإخوانه من المؤمنين والمؤمنات.

اللهم! اغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين يا رب العالمين.

ساهم في التعريف بأسماء الله الحسنى

انت المشاهد رقم