جاء في الصحيحين عن جابر رضي الله عنه قال: غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة نجد، فلما ادركته القائلة وهو في واد كثير العضاه فنزل تحت شجرة واستظل بها وعلق سيفه، فتفرق الناس في الشجر يستظلون وبينا نحن كذلك إذ دعانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فجئنا، فإذا أعرابي قاعد بين يديه، فقال: ” ان هذا اتاني وانا نائم، فاخترط سيفي، فاستيقظت وهو قائم على رأسي مخترط صلتا، قال: من يمنعك مني؟ قلت: الله، فشامه ثم قعد، فهو هذا ” قال: ولم يعاقبه رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال سبحانه وتعالى: ( أَلَیۡسَ ٱللَّهُ بِكَافٍ عَبۡدَهُۥۖ  ) الزمر: 36.

فربنا سبحانه وتعالى كافٍ عباده لأنه رازقهم وحافظهم ومصلح شؤونهم، فقد كفاهم الله عز وجل وهذه كفاية عامة لجميع الخلق.

واما كفايته الخاصة فهي: كفايته للمتوكلين عليه والمنيبين إليه..

وهي كفاية واسعة، فالله سبحانه وتعالى قد قال: ( أَلَیۡسَ ٱللَّهُ بِكَافٍ عَبۡدَهُۥۖ وَیُخَوِّفُونَكَ بِٱلَّذِینَ مِن دُونِهِۦۚ وَمَن یُضۡلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُۥ مِنۡ هَاد ) الزمر: 36، وقال تعالى: ( وَمَن یَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِ فَهُوَ حَسۡبُهُۥۤۚ ) الطلاق: 3، اي: كافيه كل أموره الدينية والدنيوية.

ومن كفايته سبحانه وتعالى لرسوله وللمؤمنين، ان ينزل عليهم نصره ويمدهم بملائكته، ( وَلِلَّهِ جُنُودُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ ) الفتح: 4.

ويقول سبحانه وتعالى: ( بَلَىٰۤۚ إِن تَصۡبِرُوا۟ وَتَتَّقُوا۟ وَیَأۡتُوكُم مِّن فَوۡرِهِمۡ هَـٰذَا یُمۡدِدۡكُمۡ رَبُّكُم بِخَمۡسَةِ ءَالَـٰف مِّنَ ٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةِ مُسَوِّمِینَ ) آل عمران: 125.

إنه الكافي ..

والعبدد لا غنى له عن ربه طرفة عين في جميع شؤون حياته، فهو محتاج الى حفظ الله وكفايته وتسديده، فهذا النبي صلى الله عليه وسلم يعلمنا حديثا ً هو من اعظم احاديث كفاية الله عز وجل للعبد، صح عنه صلى الله عليه وسلم انه قال: ” اذا خرج الرجل من بيته فقال: بسم الله توكلت على الله، لا حول ولا قوة الا بالله، يقال حينئذ: هديت وكفيت ووقيت، فتتنحى له الشياطين فيقول له شيطان آخر: كيف لك برجل قد هدي وكفي ووقي؟ ” حديث صحيح، رواه ابو داود.

والعبد المؤمن يكثر التضرع والتوسل بأسمائه الحسنى في طلب الحفظ والثبات فإنه لا كافي إلا هو، ولا حافظ سواه، جاء في صحيح مسلم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان اذا اوى الى فراشه قال: ” الحمد لله الذي اطعمنا وسقانا وكفانا وآوانا، فكم ممن لا كافي له ولا مأوى ” 

لا تبرح عن بابه !

فالعبد المؤمن اذا احسن الظن بالله عز وجل وصدق في توكله وعظم رجاؤه فإن الله لا يخيب ظنه، لأن الله تعالى قال: ( وَمَن یَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِ فَهُوَ حَسۡبُهُۥۤۚ ) الطلاق: 3.

وهي من ربط الاسباب بمسبباتها، وصح عنه صلى الله عليه وسلم انه قال: ” يقول الله: انا عند ظن عبدي بي، ان ظن بي خيرا ً فله، وان ظن بي شرا ً فله ” حديث صحيح، رواه أحمد في المسند.

تولى الله أمر يوسف عليه السلام فأحوج القافلة في الصحراء للماء ليخرجه من البئر ثم احوج عزيز مصر للأولاد ليتبناه، ثم احوج الملك لتفسير الرؤيا ليخرجه من السجن، ثم احوج مصر كلها للطعام ليصبح عزيز مصر.

إذا تولى الله امرك هيأ لك كل أسباب السعادة وأنت لا تشعر، فقط توكل على الله فهو حسبك، وقل بصدق: ( وَأُفَوِّضُ أَمۡرِیۤ إِلَى ٱللَّهِۚ ) غافر: 44.

امتحان ..

يقول ابن القيم رحمه الله: فلما ذكر كفايته للمتوكل عليه فربما أوهم ذلك، تعجيل الكفاية وقت التوكل، فعقبه بقوله تعالى: ( قَدۡ جَعَلَ ٱللَّهُ لِكُلِّ شَیۡء قَدۡرا ) الطلاق: 3، اي: وقتا ً لا يتعداه فهو يسوقه الى وقته الذي قدره له.

فلا يستعجل المتوكل ويقول: قد توكلت، ودعوت فلم أر شيئا ً، ولم تحصل لي الكفاية ؟ فالله تعالى بالغ أمره في وقته الذي قدره له.

ولذا: يمتحن الله عز وجل بعض عباده في صدق توكلهم فيؤخر الاجابة، فإذا طال المقام ببعضهم ترك التوكل على الله وذهب وانكسر وذل للمخلوق، ولو على حساب دينه ورضا ربه سبحانه وتعالى .

صح في الحديث: ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” من التمس رضاء الله بسخط الناس، كفاه الله مؤنة الناس، ومن التمس رضاء الناس بسخط الله وكله الله الى الناس ” حديث صحيح، رواه الترمذي.

الجواب الكافي ..

ولا يحصل المقصود للعبد الا بجعل الاخرة هي همه، صح عنه صلى الله عليه وسلم انه قال: ” من جعل الهموم هما ً واحدا ً، هم آخرته، كفاه الله هم دنياه ومن تشعبت به الهموم في احوال الدنيا لم يبال الله في اي أوديتها هلك ” حديث صحيح، رواه ابن ماجة.

يقول ابن القيم رحمه الله: من اشتغل بالله عن نفسه، كفاه الله مؤونة نفسه، ومن اشتغل بالله عن الناس، كفاه الله مؤونة الناس، ومن اشتغل بنفسه عن الله، وكله الله الى نفسه، ومن اشتغل بالناس عن الله، وكله الله إليهم.

يكفيك من وسع الخلائق رحمة وكفاية ذو الفضل والإحسان 

يكفيك رب لم تزل ألطافه تأتي إليك برحمة وحنان

يكفيك رب لم تزل في ستره ويراك حين تجيء بالعصيان

يكفيك رب لم تزل في حفظه ووقاية منه مدى الأزمان 

يكفيك رب لم تزل في فضله متقلبا ً في السر والإعلان

اللهم يا كافٍ ! اكفنا بحلالك عن حرامك، وبفضلك عمن سواك.

ساهم في التعريف بأسماء الله الحسنى

انت المشاهد رقم