أخرج النسائي بسند صحيح: أن اعرابيا ً جاء الى النبي صلى الله عليه وسلم فآمن به واتبعه، ثم قال: أهاجر معك، فأوصى به النبي صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه.

فلما كانت غزوة خيبر غنم النبي صلى الله عليه وسلم سبيا ً، فقسم وقسم له، فأعطى أصحابه ما قسم له، وكان يرعى ظهرهم، فلما جاء دفعوه إليه فقال: ما هذا ؟ قالوا: قسم قسمه لك النبي صلى الله عليه وسلم، فأخذه، فجاء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما هذا ؟ فقال: قسمته لك، قال: ما على هذا اتبعتك، ولكني اتبعتك على أن أرمي إلى ها هنا وأشار إلى حلقه بسهم، فأموت فأدخل الجنة.

فقال صلى الله عليه وسلم: إن تصدق الله يصدقك، فلبثوا قليلا ً ثم نهضوا في قتال العدو، فأتى به النبي صلى الله عليه وسلم يحمل قد أصابه سهم حيث أشار.

فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أهو هو ؟ فقالوا: نعم، قال: صدق الله فصدقه، ثم كفنه النبي صلى الله عليه وسلم في جبة النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قدمه فصلى عليه، فكان فيما ظهر من صلاته: اللهم هذا عبك خرج مهاجرا ً في سبيلك فقتل شهيدا ً أنا شهيد على ذلك.

أعمال الجوارح تتبع أعمال القلوب، والنجاة يوم القيامة في سلامة القلب، ( يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89) ) الشعراء: 88 – 89 ، ولا يعلم ما في القلوب إلا الله العليم الخبير ! قال الله تعالى عن نفس: ( وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِیر ) البقرة 234 .

فربنا عالم بسرائر عباده وضمائر قلوبهم، لا تعزب عنه الأخبار الباطنة ولا يجري في الملك والملكوت شيء، ولا تتحرك ذرة ولا تسكن، ولا تضطرب نفس ولا تطمئن إلا ويكون عنده خبرها.

أحاط علمه بالظواهر والبواطن والإسرار والإعلان، وبالواجبات والمستحيلات والممكنات، وبالعالم العلوي والسفلي، والماضي والحاضر والمستقبل، فلا يخفى عليه شيء من الأشياء.

يخبر بعواقب الأمور ومآلاتها وما تصير إليه، ( ٱلَّذِی خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ وَمَا بَیۡنَهُمَا فِی سِتَّةِ أَیَّام ثُمَّ ٱسۡتَوَىٰ عَلَى ٱلۡعَرۡشِۖ ٱلرَّحۡمَـٰنُ فَسۡـَٔلۡ بِهِۦ خَبِیرا ) الفرقان: 59 .

فالله عليه بظواهر الأمور، خبير ببواطنها.

خبير بالحقائق والمعاني عليم لا يماري أو يجاري

محيط لا يفوت عليه شيء ولا يخفى عليه ما توارى

مقام الإحسان:

ومن علم أن الله خبير ببواطن الأمور، مطلع عليه .. استحى أن يراه الله فيما لا يحب ثم أحسن عمله، وأخلص عبادته، حتى يصل به الحال إلى مقام الإحسان الذي ورد في الحديث الصحيح: ” أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك ” أخرجه البخاري ومسلم.

قال أبو حاتم: قطب الطاعات للمرء في الدنيا هو إصلاح السرائر وترك إفساد الضمائر.

السر في القلب !

وإنك لترى عملا ً صالحا ً يعمله الرجلان فيتقبل من أحدهما ولا يتقبل من الآخر، فهذا يصلي فتقبل صلاته وبجانبه آخر يصلي فلا تقبل له من صلاته إلا ما عقل منها، قال صلى الله عليه وسلم: ” إن الرجل ليصلي الصلاة ولعله لا يكون له منها إلى عشرها او تسعها، أو ثمنها أو سبعها، أو سدسها ” حتى أتى على العدد. حديث صحيح، رواه ابن حبان.

وهذا يتصدق، فيتقبلها الله وينميها له كما ينمي أحدنا فلوه، والآخر يتصدق، فيردها الله، بل ويعذب بها ! ( إِن تُبۡدُوا۟ ٱلصَّدَقَـٰتِ فَنِعِمَّا هِیَۖ وَإِن تُخۡفُوهَا وَتُؤۡتُوهَا ٱلۡفُقَرَاۤءَ فَهُوَ خَیۡر لَّكُمۡۚ وَیُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَیِّـَٔاتِكُمۡۗ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِیر ) البقرة: 271 .

ذلك الذي يغص بصره أمام الناس ويتصنع ! ثم إذا خلا بنفسه مد بصره إلى الحرام وانتهك المحرمات، هل يستطيع أحد أن يطلع على قلبه عدا الخبير البصير ؟ ( یَعۡلَمُ خَاۤىِٕنَةَ ٱلۡأَعۡیُنِ وَمَا تُخۡفِی ٱلصُّدُورُ ) غافر: 19 .

من خطورة العيش بين الطاعة والمعصية أنك لا تدري في أي فترة منهم ستكون الخاتمة.

فالخلوة إما ترفع وإما تخفض، فمن عظم الله في خلوته، عظمه الناس في جلوته.

وقال الإمام مالك رحمه الله: من أحب أن تفتح له فرجة في قلبه، وينجو من غمرات الموت وأهوال يوم القيامة، فليكن عمله في السر أكثر منه في العلانية.

قال ابن رجب رحمه الله: الخاتمة الحسنة لا تقع إلا لمن كانت سريرته حسنة، لأن لحظة الموت لا يمكن أن تصنعها، فلا يخرج حينئذ إلا مكنون القلب.

والله عز وجل أخبر عن نفسه بأنه الخبير، بل ربط اسمه عز وجل ( الخبير ) بما يفعله ويعمله ويصنعه الإنسان فوق عشرين مرة، ليحثه على التقوى، ( ٱعۡدِلُوا۟ هُوَ أَقۡرَبُ لِلتَّقۡوَىٰۖ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِیرُۢ بِمَا تَعۡمَلُونَ ) المائدة: 8 .

وحثه أن ينظر لأعماله باطنها وظاهرها، فمن زاد إيمانه بهذا الاسم، (الخبير)، أصبح خبيرا ً بما يجري في عالمه، وعالمه هو قلبه وبدنه والخفايا التي يتصف بها القلب، من غش وخيانة وإضمار الشر.

والله جل جلاله لا ينظر إلى الصور، ولكن ينظر الى القلوب والأعمال، ( أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ (9) وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ (10) إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ (11) ) العاديات: 9 – 11 .

المعية: 

والعبد المؤمن إذا أخذ حظه من اسم الله الخبير، أصبح في معية الله وإذا أصبح في معيته يرفعه ويطهره، ويجعله مشغولا ً بهذه المعية عن غيرها، ويجعله في حذر دائم وخشية دائمة، ويكفيه الله دنياه ويجعلها تأتيه راغمة، ويجمع شمله ويبارك له في كل رزقه، ولا يعرف الضيق والهم والشيطان إليه سبيلا ً، لأن الله تعالى قال: ( وَمَن یَتَّقِ ٱللَّهَ یَجۡعَل لَّهُۥ مَخۡرَجا ) الطلاق: 2 .

يا من يرى ما في الضمير ويسمع أنت المعد لكل ما يتوقع 

يا من يرجى للشدائد كلها يا من إليه المشتكى والمفزع

ما لي سوى فقري إليك وسيلة فبالإفتقار إليك فقري أدفع 

ما لي سوى قرعي لبابك حيلة فلئن رددت فأي باب أقرع

حاشا لمجدك أن تقنط عاصيا ً فالفضل أجزل والمواهب أوسع

اللهم ! الطف بنا يا خبير يا عالما ً بالسرائر والضمائر .

ساهم في التعريف بأسماء الله الحسنى

انت المشاهد رقم