أثنى الله عزوجل على ذاته العلية بقوله: ( هُوَ ٱلۡأَوَّلُ وَٱلۡـَٔاخِرُ وَٱلظَّـٰهِرُ وَٱلۡبَاطِنُۖ وَهُوَ بِكُلِّ شَیۡءٍ عَلِیمٌ ) الحديد: 3 .

وصح عنه صلى الله عليه وسلم انه كان يقول: ” اللَّهمَّ ربَّ السَّمواتِ السَّبعِ وربَّ العرشِ العظيمِ ربَّنا وربَّ كلِّ شيءٍ أنتَ الظَّاهرُ فليس فوقَكَ شيءٌ وأنتَ الباطنُ فليس دونَكَ شيءٌ مُنزِلَ التَّوراةِ والإنجيلِ والفُرقانِ فالقَ الحَبِّ والنَّوى أعوذُ بكَ مِن شرِّ كلِّ شيءٍ أنتَ آخِذٌ بناصيتِه أنتَ الأوَّلُ فليس قبْلَكَ شيءٌ وأنتَ الآخِرُ فليس بعدَكَ شيءٌ اقضِ عنَّا الدَّينَ وأَغْنِنا مِن الفقرِ ” أخرجه مسلم.

فهو الأول: الذي ليس قبله شيء.

وهو الآخر: الذي ليس بعده شيء.

وهو الظاهر: الذي ليس فوقه شيء.

وهو الباطن: الذي ليس دونه شيء.

ومدار هذه الأسماء على بيان إحاطة الرب عزوجل بخلقه إحاطة زمنية ومكانية: 

الإحاطة الزمنية: في الاول والاخر، فما من أول الا والله قبله، فالأشياء كلها وجدت بعده وقد سبقها كلها.

وما من آخر إلا والله بعده: فهو عزوجل الباقي بعد فناء خلقه كله صامتة وناطقة.

والإحاطة المكانية: في الظاهر والباطن، وهو فوق كل شيء فلا شيء أعلى منه ، فما من ظاهر إلا والله فوقه عالٍ على العرش والعرش أعلى المخلوقات فله علو الذات، وعلو القدر والصفات وعلو القهار.

وما من باطن إلا والله دونه: فبطونه إحاطته بكل شيء بحيث يكون أقرب إليه من نفسه، مطلع على السرائر والضمائر.

ومع علوه عزوجل وفوقيته وكونه على العرش فوق السماوات فإنه قريب من عباده، مطلع على بواطنهم، عالم بظواهرهم، ( وَلَقَدۡ خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَـٰنَ وَنَعۡلَمُ مَا تُوَسۡوِسُ بِهِۦ نَفۡسُهُۥۖ وَنَحۡنُ أَقۡرَبُ إِلَیۡهِ مِنۡ حَبۡلِ ٱلۡوَرِیدِ ) ق: 16 ، ( قُلۡ إِن تُخۡفُوا۟ مَا فِی صُدُورِكُمۡ أَوۡ تُبۡدُوهُ یَعۡلَمۡهُ ٱللَّهُۗ ) آل عمران: 29 .

قريب منك ..

يسمع كلماتك ويرى أفعالك لا تخفى منك خافية.

سمع النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه يدعون ربهم بأصوات جهورة مرتفعة فقال: ” أَيُّهَا النَّاسُ ارْبَعُوا علَى أَنْفُسِكُمْ، إنَّكُمْ ليسَ تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلَا غَائِبًا، إنَّكُمْ تَدْعُونَ سَمِيعًا قَرِيبًا ” أخرجه البخاري ومسلم.

تهمس في سجودك: ” سبحان ربي الأعلى ” فإذا السماوات تتفتح لدعوتك وإذا بالمولى يسمعك فلا تتوهم أنه بعيد أو أنه تخفى عليه منك خافية .

يسمع دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء، ( وَمَا تَسۡقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَّا یَعۡلَمُهَا ) الأنعام: 59 .

فمن حكمته ونعمته أن يذكرك بأنه ابتدأت منه المخلوقات وانتهت إليه عبوديتها فكما كان واحدا في إيجادك فاجعله واحد في تأهلك إليه وكما ابتدأ وجودك وخلقك منه فاجعله نهاية حبك وإرادتك وتألهك.

لا تسأم من الوقوف!

فإذا ضاقت بك الحيل وألجأتك المخاوف فتذكر انه الأول والاخر وأنه قريب منك وانه على كل شيء قدير وأنه قاهر فوق عباده يدبر الامر من السماء الى الارض ثم يعرج إليه وأنه مطلع على سرائرك وما يخالج ضميرك.

هنا صار لقلبك رب يقصده وإله يعبده وصمد يصمد إليه في حوائجه وملجأ يلجأ إليه فإذا استقر ذلك سعد قلبك وهدأت نفسك وارتاح ضميرك وقرب الفرج وقد علمت انه الاول والاخر والظاهر والباطن وهو على كل شيء قدير.

النار لم تحرق ابراهيم الخليل لأن الرعاية الربانية فتحت نافذة ( قُلۡنَا یَـٰنَارُ كُونِی بَرۡدا وَسَلَـٰمًا عَلَىٰۤ إِبۡرَ ٰهِیمَ ) الأنبياء: 69 .

البحر لم يغرق كليم الرحمن لأن الصوت القوي المؤمن بجلال الله نطق: ( قَالَ كَلَّاۤۖ إِنَّ مَعِیَ رَبِّی سَیَهۡدِینِ ) الشعراء: 62 .

يونس في بطن الحوت في البحر ينادي: ( لَّاۤ إِلَـٰهَ إِلَّاۤ أَنتَ سُبۡحَـٰنَكَ إِنِّی كُنتُ مِنَ ٱلظَّـٰلِمِینَ ) الأنبياء: 87 ، صوت ضعيف منطلق من ظلمات ثلاث: ظلمة الليل وظلمة البحر وظلمة بطن الحوت يخترقها الى السماء فيأتي الفرج.

وفي الغيب للعب الضعيف لطائف بها جفت الأقلام وانطوت الصحف

نقطة تحول ..

فالإنسان وحده لا يستطيع ان يصارع الاحداث ولا يقاوم الملمات ولا ينازل الخطوب لأنه خلق ضعيفا ً عاجزا ً إلا حينما يتوكل على ربه لأنه يعلم أن أوليته سبقت كل شيء وبقى بعد كل شيء بآخريته وعلا على كل شيء بظهوره ودنا من كل شيء ببطونه.

فلا توارى منه سماء سماء ً ولا ارض أرضا ً ولا يحجب عنه ظاهر باطنا ً بل الباطن له ظاهر، والغيب عنده شهادة، والبعيد منه قريب، والسر عنده علانية.

فيا سعادة من تعلق بالله وتعلم أسماء الله وأصلح سريرته وأخلص عمله وأحسن نيته وتترس بالصبر، وتدرع بالثقة بمولاه ! فهذا التعبد بخالص المحبة وصفو الوداد .

ونازعني شوق إليك وهزني من الغيب ما يهفو إليه رجائيا 

قال ابن القيم رحمه الله: فمعرفة هذه الأسماء الأربعة وهي: الاول والاخر والظاهر والباطن هي أركان العلم والمعرفة فحقيق بالعبد أن يبلغ في معرفتها إلى حيث ينتهي به قواه وفهمه.

هو أول هو آخر هو ظاهر هو باطن، هي أربع بوزان 

ما قبله شيء كذا ما بعده شيئ تعالى الله ذو السلطان

والعلم بهذه الأسماء الأربعة ومعانيها له أثر عظيم في دفع الوسوسة.

جاء رجل يقال له: أبو زميل إلى حبر الأمة عبد الله بن عباس رضي الله عنه، فسأله قال: يا ابن عباس ! ما شيء أجده في صدري.

قال: ما هو ؟

قلت: فقال لي: والله ما أتكلم به !

قال: وضحك، قال: ما نجا من ذلك أحد.

قال: حتى أنزل الله قوله: ( فَإِن كُنتَ فِی شَكّ مِّمَّاۤ أَنزَلۡنَاۤ إِلَیۡكَ فَسۡـَٔلِ ٱلَّذِینَ یَقۡرَءُونَ ٱلۡكِتَـٰبَ مِن قَبۡلِكَۚ لَقَدۡ جَاۤءَكَ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡمُمۡتَرِینَ ) يونس: 94 .

ثم قال لي: إذا وجدت في نفسك شيئا فقل: ( هُوَ ٱلۡأَوَّلُ وَٱلۡـَٔاخِرُ وَٱلظَّـٰهِرُ وَٱلۡبَاطِنُۖ وَهُوَ بِكُلِّ شَیۡءٍ عَلِیمٌ ) الحديد: 3 .

اللهم يا من هو الأول والاخر والظاهر والباطن ! أصلح سرائرنا وأحسن خاتمتنا في الأمور كلها وأجرنا من خزء الدنيا والآخرة.

ساهم في التعريف بأسماء الله الحسنى

انت المشاهد رقم