انت بحاجة الى سند، بحاجة الى مربّ، بحاجة الى مرج‘، بحاجة الى من تتوكل عليه، بحاجة الى مولى، بحاجة الى من يطمئنك، بأن هذه الحياة جبلت على كدر، انت بحاجة الى قويّ، يحميك من شرور أعدائك، انت بحاجة الى مولاك.

أتيتك راجيا ً يا ذا الجلال ففرج ما ترى من سوء حالي 

إلى من يشتكي المملوك إلا إلى مولاه يا مولى الموالي 

قال الله سبحانه وتعالى في كتابه: ( وَهُوَ ٱلۡوَلِیُّ ٱلۡحَمِیدُ ) الشورى: 28، وقال: ( ٱللَّهُ وَلِیُّ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ یُخۡرِجُهُم مِّنَ ٱلظُّلُمَـٰتِ إِلَى ٱلنُّورِۖ ) البقرة: 257.

فربنا عز وجل هو الولي المولى لكل الخلق اجمعين، بالخلق والتدبير وتصريف الامور والمقاددير في السماوات والاراضين، في كل وقت وحين فليس لنا سواه يجلب لنا المنافع، ويدفع عن الضر والشرور والمساوئ، نواصينا كلها بيده عز وجل.

وهذه الولاية العامة وهي ولاية الخلق والتدبير الشاملة للخلق كافة للبر والفاجر، والمؤمن والكافر.

وأما الولاية الخاصة فهي لأوليائه المتقين، يخرجهم من ظلمات الجهل والكفر والمعاصي الى نور العلم والإيمان والطاعة، وينصرهم على عدوهم، ويصلح لهم أمورهم الدنيوية والدينية.

فهي ولاية تقتضي الرأفة والرحمة والإصلاح والحفظ والمحبة، أمَا قال عز وجل: ( ٱللَّهُ وَلِیُّ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ یُخۡرِجُهُم مِّنَ ٱلظُّلُمَـٰتِ إِلَى ٱلنُّورِۖ ) البقرة: 257 ؟

الولاية بقدر الامتثال:

وولاية الله عز وجل للعبد المؤمن بحسب محبته له، يقول ابن القيم رحمه الله: الولاية اصلها الحب: فلا موالاة الا بحب، كما ان العداوة أصلها: البغض.

والله ولي الذين آمنوا وهم أولياؤه، فهم يوالونه بمحبتهم له، وهو يواليهم بمحبته لهم، فالله يوالي عبده المؤمن بحسب محبته له.

وولاية الله عز وجل ليست كغيرها: ( لَیۡسَ كَمِثۡلِهِۦ شَیۡءۖ وَهُوَ ٱلسَّمِیعُ ٱلۡبَصِیرُ ) الشورى: 11.

والله سبحانه وتعالى يوالي عبده إحسانا ً إليه وجبرا ً له ورحمة: ( ٱللَّهُ وَلِیُّ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ ) البقرة: 257، بخلاف المخلوق فإنه يوالي المخلوق لتعززه به وتكثره بموالاته لذل العبد وحاجته.

وأما العزيز الغني سبحانه وتعالى فلا يوالي أحدا ً من ذل وحاجة، فالله عز وجل قد قال: ( وَقُلِ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ ٱلَّذِی لَمۡ یَتَّخِذۡ وَلَدا وَلَمۡ یَكُن لَّهُۥ شَرِیك فِی ٱلۡمُلۡكِ وَلَمۡ یَكُن لَّهُۥ وَلِیّ مِّنَ ٱلذُّلِّۖ وَكَبِّرۡهُ تَكۡبِیرَۢا ) الإسراء: 111.

هم القوم..

وصفة الولي من عباد الله: انه يحب الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم ويحب من يحب الله ورسوله، ويبغض من يبغض الله ورسوله، ويوالي من يوالي الله ورسوله ويعادي من يعادي الله ورسوله، ويعمل بطاعة الله وينتهي عن معصيته، ( وَمَن یَتَوَلَّ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ فَإِنَّ حِزۡبَ ٱللَّهِ هُمُ ٱلۡغَـٰلِبُونَ ) المائدة: 56، ( لَّا تَجِدُ قَوۡما یُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡیَوۡمِ ٱلۡـَٔاخِرِ یُوَاۤدُّونَ مَنۡ حَاۤدَّ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ ) المجادلة: 22.

الطريق:

والولاية لا تنال الا بشرطين: بالتقوى والإيمان، فالله سبحانه وتعالى قد قال: ( أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63) لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (64) ) يونس: 62 – 64.

وولاية الله عز وجل كسبية لها اسبابها وأعمالها القلبية والبدنية، فالله سبحانه وتعالى قد قال: ( وَٱلَّذِینَ جَـٰهَدُوا۟ فِینَا لَنَهۡدِیَنَّهُمۡ سُبُلَنَاۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَمَعَ ٱلۡمُحۡسِنِینَ ) العنكبوت: 69، ( وَهُوَ وَلِیُّهُم بِمَا كَانُوا۟ یَعۡمَلُونَ ) الأنعام: 127.

والناس متفاضلون في ولاية الله عز وجل بحسب تفاضلهم في الإيمان والتقوى.

مفاتيح القبول:

وكلما ازداد العبد تقربا ً الى الله عز وجل بفعل الفرائض ورغائب الدين، ازداد محبة وقربا ً من الله عز وجل.

صح عنه صلى الله عليه وسلم انه قال: ” يقول الله عز وجل: من عادى لي وليا ً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته، كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطيته، ولئن استعانني لأعيننه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن، يكره الموت، وأنا أكره مساءته ” أخرجه البخاري.

قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله: الوليّ لا يكون وليا ً الا بمتابعة الرسول صلى الله عليه وسلم، باطنا ً وظاهرا ً، فعلى قدر المتابعة للرسول، يكون قدر الولاية لله.

إذا تولاك أدهشك !!

وهذا التولي الخاص يقتضي لطفه بعباده وتوفيقهم، ( ٱللَّهُ وَلِیُّ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ یُخۡرِجُهُم مِّنَ ٱلظُّلُمَـٰتِ إِلَى ٱلنُّورِۖ ) البقرة: 257.

ويقتضي غفران الذنوب والرحمة: ( أَنتَ وَلِیُّنَا فَٱغۡفِرۡ لَنَا وَٱرۡحَمۡنَاۖ وَأَنتَ خَیۡرُ ٱلۡغَـٰفِرِینَ ) الأعراف: 155.

ويقتضي النصر والتأييد على الاعداء: ( أَنتَ مَوۡلَىٰنَا فَٱنصُرۡنَا عَلَى ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡكَـٰفِرِینَ ) البقرة: 286.

والله سبحانه وتعالى قد قال: ( بَلِ ٱللَّهُ مَوۡلَىٰكُمۡۖ وَهُوَ خَیۡرُ ٱلنَّـٰصِرِینَ ) آل عمران: 150.

والولاية تقتضي دخول الجنان والنجاة من النيران، قال الله تعالى: ( ۞ لَهُمۡ دَارُ ٱلسَّلَـٰمِ عِندَ رَبِّهِمۡۖ وَهُوَ وَلِیُّهُم بِمَا كَانُوا۟ یَعۡمَلُونَ ) الأنعام: 127.

ومن نعم الله الكبرى، ان يكون الله وليك، قال سبحانه وتعالى: ( نِعۡمَ ٱلۡمَوۡلَىٰ وَنِعۡمَ ٱلنَّصِیرُ ) الأنفال: 40، فإذا كان عز وجل وليك، فقد حزت الامن في الدارين، ( أُو۟لَـٰۤىِٕكَ لَهُمُ ٱلۡأَمۡنُ وَهُم مُّهۡتَدُونَ ) الأنعام: 82.

فأنت مطمئن: لأن الله عز وجل معك، لسانك يقول دائما ً: ( قُل لَّن یُصِیبَنَاۤ إِلَّا مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَنَا هُوَ مَوۡلَىٰنَاۚ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلۡیَتَوَكَّلِ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ) التوبة: 51، يشدد عليك، ويضيق عليك ليصطفيك، ( وَنُرِیدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى ٱلَّذِینَ ٱسۡتُضۡعِفُوا۟ فِی ٱلۡأَرۡضِ وَنَجۡعَلَهُمۡ أَىِٕمَّة وَنَجۡعَلَهُمُ ٱلۡوَ ٰرِثِینَ ) القصص: 5.

فإذا تولاك مولاك، فأنت في عناية مشددة وفي نعمة كبرى، تخطئ فيعاقبك، تسرف فيقتر عليك، تستعلي فيؤدبك، وما ذاك الا لأن الله عز وجل مولاك، نعم المولى ونعم النصير.

وأنت تعلم علم يقين أن هذا عقاب محب وليس عذابا ً، لأن الله لا يعذب أحبابه، ( وَقَالَتِ ٱلۡیَهُودُ وَٱلنَّصَـٰرَىٰ نَحۡنُ أَبۡنَـٰۤؤُا۟ ٱللَّهِ وَأَحِبَّـٰۤؤُهُۥۚ قُلۡ فَلِمَ یُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُمۖ بَلۡ أَنتُم بَشَر مِّمَّنۡ خَلَقَۚ ) المائدة: 18.

إلهي أنت للإحسان أهل ومنك الجود والفضل الجزيل

إلهي جد بعفوك لي فإني على الابواب منكسر ذليل

اللهم! انا نسألك باسمك المولى، ان تمن علينا بدخول الجنة، وأن تجعلنا من أوليائك في السر والعلانية.

ساهم في التعريف بأسماء الله الحسنى

انت المشاهد رقم