وكذلك الوهاب من أسمائه فانظر مواهبه مدى الأزمان

أهل السماوات العلا والأرض عن تلك المواهب ليس ينفكان

قال الله مثنيا ًعلى ذاته العلية بقوله: ( أَمۡ عِندَهُمۡ خَزَاۤىِٕنُ رَحۡمَةِ رَبِّكَ ٱلۡعَزِیزِ ٱلۡوَهَّابِ ) ص: 9.

فربنا عز وجل واسع الهبات، شمل كل الكائنات في الارض والسماوات لا ينقطع نواله في الحال ولا في المال، يعطي من غير سؤال ولا وسيلة، وينعم بلا سبب ولا حيلة: ( رَبَّنَا لَا تُزِغۡ قُلُوبَنَا بَعۡدَ إِذۡ هَدَیۡتَنَا وَهَبۡ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحۡمَةًۚ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡوَهَّابُ ) آل عمران: 8، ( أَمۡ عِندَهُمۡ خَزَاۤىِٕنُ رَحۡمَةِ رَبِّكَ ٱلۡعَزِیزِ ٱلۡوَهَّابِ ) ص: 9.

إنه الوهاب ..

فسبحانه من خلاق عظيم، جواد كريم وهاب !

الكرم: صفة من صفاته، والجود: من أعظم سماته، والعطاء: من أجمل هباته، فمن أعظم منه جودا ً ؟

الخلائق له عاصون وهو لهم مراقب، يكلؤهم في مضاجعهم كأنهم لم يعصوه، ويتولى حفظهم كأنهم لم يذنبوا، يجود بالفضل على العاصي، ويتفضل على المسيء.

من الذي دعاه فلم يستجب له؟ أم من ذا الذي سأله فلم يعطه ؟ أم من ذا الذي أناخ ببابه فنحاه ؟

سبحان من يعطي المنى بخواطر في النفس لم ينطق بهن لسان 

سبحان من هو لا يزال ورزقه للعالمين به عليه ضمان

نعم الله عز وجل تترى على العبد منذ كان نطفة في بطن أمه، ثم صور سمعه وبصره ونفخ فيه الروح، ثم غذاه وسقاه وكساه وآواه وكفاه، ومن كل ما سأل أعطاه.

والله عز وجل يقول للعبد: ( أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (8) وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ (9) وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ (10) ) البلد: 8 – 10، ( ۞ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلنَّاسُ أَنتُمُ ٱلۡفُقَرَاۤءُ إِلَى ٱللَّهِۖ وَٱللَّهُ هُوَ ٱلۡغَنِیُّ ٱلۡحَمِیدُ ) فاطر: 15.

خلقك ورزقك أحياك وأماتك، حباك وأعطاك، أمرضك وشفاك، أجاعك وأشبعك، أظمأك وسقاك، أضحكك وأبكاك، علمك ما لم تكن تعلم، وعرفك ما كنت تجعل، هيأ رزقك.

أجاب دعاءك، لبى نداءك، قهر عدوك، أرسل لك رسولا ً، وعلمك كتابا ً، وهداك منهجا ً، وبعد هذا تعصيه ؟؟ ( قُتِلَ ٱلۡإِنسَـٰنُ مَاۤ أَكۡفَرَهُۥ ) عبس: 17.

على عتبة بابه ..

هل ضاقت بك الدنيا ؟

هل آلمك المرض ؟

هل كبلتك الديون ؟

هل هدك الفقر ؟

هل رغبت بالزوجة والولد ؟

هل حار ذهنك وتشتت أفكارك ؟

فعليك في هذه الساعة بالالتجاء الى الوهاب، الى كثير العطايا، فقط ارفع يديك وقف ببابه ولُذ بجنابه، وسترى كيف يصبح الجوع شبعا ً، والظمأ ريا ً، وبعد السهر نوم، وبعد المرض عافية، وسيصل الغائب، ويهتدي الضال، ويفك العاني، وينقشع الظلام.

إنه الوهاب سبحانه وتعالى الذي يحول الدمعة بسمة، والخوف أمنا ً والفزع سكينة، بشر الليل بصبح صادق، بشر المهموم بفرج مفاجئ، بشر المنكوب بلطف خفي.

خزائن الله سبحانه وتعالى ملأى لا تنفذ، وهو القائل: ( ٱدۡعُونِیۤ أَسۡتَجِبۡ لَكُمۡۚ ) غافر: 60، فمن دعا الله فليعظم المسألة، فإنه لا يتعاظمه شيء، فهذا سليمان عليه السلام يطلب خيري الدنيا والآخرة: ( قَالَ رَبِّ ٱغۡفِرۡ لِی وَهَبۡ لِی مُلۡكا لَّا یَنۢبَغِی لِأَحَد مِّنۢ بَعۡدِیۤۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡوَهَّابُ ) ص: 35.

وهذا زكريا يدركه الكبر وامرأته عاقر، ومع ذلك يقول: ( رَبِّ هَبۡ لِی مِن لَّدُنكَ ذُرِّیَّة طَیِّبَةًۖ إِنَّكَ سَمِیعُ ٱلدُّعَاۤءِ ) آل عمران: 38.

ارجع إلى الوهاب !

والملك والسلطان والمال والذرية والعافية جميعها من الملك الوهاب: ( وَٱللَّهُ یُؤۡتِی مُلۡكَهُۥ مَن یَشَاۤءُۚ وَٱللَّهُ وَ ٰسِعٌ عَلِیم ) البقرة: 247، ( یَهَبُ لِمَن یَشَاۤءُ إِنَـٰثا وَیَهَبُ لِمَن یَشَاۤءُ ٱلذُّكُورَ ) الشورى: 49.

وأعظم ما يدعو العبد به ربه، دعاء أهل العلم الذي عرفوا سر مناجاة الله بأسمائه الحسنى، فسألوه الثبات والرحمة: ( رَبَّنَا لَا تُزِغۡ قُلُوبَنَا بَعۡدَ إِذۡ هَدَیۡتَنَا وَهَبۡ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحۡمَةًۚ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡوَهَّابُ ) آل عمران: 8.

ولذا، جعلها الله سبحانه وتعالى في كل ركعة نتلفظ بها، ونرجو الله أن يهبها الله لنا، وهي الهداية: ( ٱهۡدِنَا ٱلصِّرَ ٰطَ ٱلۡمُسۡتَقِیمَ ) الفاتحة: 6.

السر في حلاوة الدعاء !

إنه يحب من يسأله، بل لولا دعاؤهم لم يبال بهم، ( قُلۡ مَا یَعۡبَؤُا۟ بِكُمۡ رَبِّی لَوۡلَا دُعَاۤؤُكُمۡۖ ) الفرقان: 77.

ومن الدعاء الذي يتقرب به الى الله سبحانه وتعالى، ما علمنا إياه ربنا في قوله تعالى: ( وَٱلَّذِینَ یَقُولُونَ رَبَّنَا هَبۡ لَنَا مِنۡ أَزۡوَ ٰجِنَا وَذُرِّیَّـٰتِنَا قُرَّةَ أَعۡیُن وَٱجۡعَلۡنَا لِلۡمُتَّقِینَ إِمَامًا ) الفرقان: 74.

بل وعد سبحانه وتعالى بالجنة بعد هذا الدعاء: ( أُو۟لَـٰۤىِٕكَ یُجۡزَوۡنَ ٱلۡغُرۡفَةَ بِمَا صَبَرُوا۟ وَیُلَقَّوۡنَ فِیهَا تَحِیَّة وَسَلَـٰمًا ) الفرقان: 75.

من تعلق بالله ولجأ إليه في كل ما أهمه ورجاه، وأدمن قرع باب الله بالافتقار إليه والدعاء وطول المناجاة، أكرمه الله وحماه، وأعطاه فوق ما تمناه، وكان له معينا ً ونصيرا ً طول الحياة.

همسة ..

وربنا عز وجل يهب العطاء في الدنيا على سبيل الابتلاء، ويهب العطاء على الآخرة على سبيل الاجر والجزاء.

فعطاؤه في الدنيا علقه بمشيئته، وابتلاء الناس بحكمته، ليتعلق العبد بربه عند الدعاء والرجاء، ويسعد بتوحيده وإيمانه بين الدعاء والقضاء.

وهذه أعظم الهبات والعطاء، إذا أدرك العبد حقيقة الابتلاء.

وإذا علم العبد ذلك، أورث هذا الاسم محبة العبد لربه، والقيام بحمده وشكره، والتعلق به على الدوام.

لك الحمد اللهم يا خير واهب ويا خير مرجو لنيل المآرب 

ويا خير من يرجى لكشف ملمة ويا خير من يسدي العطا والمواهب

اللهم! هب لنا من لدنك رحمة، إنك أنت الوهاب، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين يا رب العالمين.

ساهم في التعريف بأسماء الله الحسنى

انت المشاهد رقم