الأحَدْ

جاء في صحيح البخاري ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ” يلقى إبراهيمُ أباه آزرَ يومَ القيامةِ ، وعلى وجهِ آزرَ قَتَرَةٌ وغبَرَةٌ ، فيقولُ له إبراهيمُ : ألم أقلْ لك لا تعصِني ؟ فيقولُ أبوه : فاليومَ لا أَعصيك ، فيقولُ إبراهيمُ : يا ربِّ ! إنك وعدْتَني أن لا تُخزيَني يومَ يُبعثون ، وأيُّ خزيٍ أخزى من أبي الأبعدِ ؟ فيقولُ اللهُ : إني حرَّمتُ الجنةَ على الكافرينَ ، فيقال : يا إبراهيمُ ! انظُرْ ما بين رجلَيك ! فينظر فإذا هو بذِيخٍ مُلْتَطِخٍ ، فيؤخذُ بقوائمِه ، فيُلْقَى في النَّارِ”.

الذيخ: ذكر الضباع كثير الشعر .

ربنا الرحيم لا يقبل شفاعة ابراهيم في أبيه لان اباه مات مشركا ً والله حرم الجنة على كل كافر مشرك، ولأن الله وعد ابراهيم ان لا يخزيه في يوم القيامة فإنه يمسخ في ذلك اليوم أباه ضبعا ً فيلقي به في النار فلا يعرف أحد انه والد ابراهيم فلا يخزى به .

فشفاعة خليل الله لم تقبل في مشرك، فكيف بمن دون الخليل ؟ 

قال الله تعالى : ( إِنَّ ٱللَّهَ لَا یَغۡفِرُ أَن یُشۡرَكَ بِهِۦ وَیَغۡفِرُ مَا دُونَ ذَ ٰلِكَ لِمَن یَشَاۤءُۚ وَمَن یُشۡرِكۡ بِٱللَّهِ فَقَدِ ٱفۡتَرَىٰۤ إِثۡمًا عَظِیمًا ) النساء: 48 

ولذا فإن من أوجب الواجبات على العبد توحيد الله في العبادة .

وقد أثنى الله تعالى على نفسه بأنه الواحد الأحد: ( قُلۡ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ ) الإخلاص: 1 ، ( وَمَاۤ أُمِرُوۤا۟ إِلَّا لِیَعۡبُدُوۤا۟ إِلَـٰها وَ ٰحِداۖ لَّاۤ إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَۚ سُبۡحَـٰنَهُۥ عَمَّا یُشۡرِكُونَ ) التوبة: 31 .

ونقف مع هذين الاسمين نتفيأ في ظلالهما لعل الله يرزقنا تحقيق توحيده وحسن الايمان بتفرده ووحدانيته .

ربنا عز وجل المتفرّد بصفات المجد والجلال المتوحد بنعوت العظمة والكبرياء والجمال .

فهو واحد في ذاته: لا شبيه له .

وواحد في صفاته: لا مثيل له.

وواحد في أفعاله: لا شريك له ولا ظهير.

وواحد في ألوهيته: فليس له ند في المحبة والتعظيم والذل والخضوع.

وهو الواحد الذي عظمت صفاته حتى تفرد بكل كمال وتعذر على جميع الخلق ان يحيطوا بشيء من صفاته او يدركوا شيئا من نعوته فضلا عن يماثله احد في شيء منها.

الفطرة:

والوحدانية هي خلاصة دعوة الرسل وقوام رسالاتهم: ( قُلۡ إِنَّمَا یُوحَىٰۤ إِلَیَّ أَنَّمَاۤ إِلَـٰهُكُمۡ إِلَـٰه وَ ٰحِدۖ فَهَلۡ أَنتُم مُّسۡلِمُونَ ) الأنبياء: 108 .

والوحدانية هي فطرة الله التي فطر الناس عليها وميثاقه الذي أخذه من الناس ودعوة رسله التي بعثوا بها ومنطوق كتبه التي أنزلها.

ومن أجلها قام سوق الجنة وسوق النار وبسببها مد الصراط وتطايرت الصحف ووضع الميزان وسل سيف الملة ورفع علم الجهاد، وطارت أرواح الشهداء ولذ طعم الموت وأمهرت المنايا نفوس المقاتلين: (قُلۡ إِنَّمَاۤ أَنَا۠ بَشَر مِّثۡلُكُمۡ یُوحَىٰۤ إِلَیَّ أَنَّمَاۤ إِلَـٰهُكُمۡ إِلَـٰه وَ ٰحِد فَٱسۡتَقِیمُوۤا۟ إِلَیۡهِ وَٱسۡتَغۡفِرُوهُۗ وَوَیۡل لِّلۡمُشۡرِكِینَ ) فصلت: 6 .

وفي تقرير الوحدانية ووجوب اخلاص الدين له قال: ( وَمَاۤ أُمِرُوۤا۟ إِلَّا لِیَعۡبُدُوا۟ ٱللَّهَ مُخۡلِصِینَ لَهُ ٱلدِّینَ حُنَفَاۤءَ وَیُقِیمُوا۟ ٱلصَّلَوٰةَ وَیُؤۡتُوا۟ ٱلزَّكَوٰةَۚ وَذَ ٰلِكَ دِینُ ٱلۡقَیِّمَةِ ) البينة: 5.

وأوجب الخضوع لوحدانيته وعظمته: ( فَإِلَـٰهُكُمۡ إِلَـٰه وَ ٰحِد فَلَهُۥۤ أَسۡلِمُوا۟ۗ وَبَشِّرِ ٱلۡمُخۡبِتِینَ ) الحج: 34 .

الدليل الواضح:

وقد أبطل عقائد المشركين فقال: ( وَقَالَ ٱللَّهُ لَا تَتَّخِذُوۤا۟ إِلَـٰهَیۡنِ ٱثۡنَیۡنِۖ إِنَّمَا هُوَ إِلَـٰه وَ ٰحِد فَإِیَّـٰیَ فَٱرۡهَبُونِ ) النحل: 51 ، (  ءَأَرۡبَاب مُّتَفَرِّقُونَ خَیۡرٌ أَمِ ٱللَّهُ ٱلۡوَ ٰحِدُ ٱلۡقَهَّارُ ) يوسف: 39 .

ورد على من قال ان الله ثالث ثلاثة: ( وَلَا تَقُولُوا۟ ثَلَـٰثَةٌۚ ٱنتَهُوا۟ خَیۡرا لَّكُمۡۚ إِنَّمَا ٱللَّهُ إِلَـٰه وَ ٰحِدۖ  ) النساء: 171 .

ونفي المثل والند والكفء من جميع الوجوه فهو سبحانه وتعالى الأحد الذي لا مثيل له ولا نظير: ( هَلۡ تَعۡلَمُ لَهُۥ سَمِیّا ) مريم: 65 .

ونهانا ان نشبهه بشيء من مخلوقاته إلا أنه أخبرنا عن نفسه وهو أعلم بنفسه.

وكل ما خطر في بال البشر عن الله فالله بخلاف ذلك فليس له ند ولا نظير ولا شبيه ولا مثيل (  لَیۡسَ كَمِثۡلِهِۦ شَیۡءۖ وَهُوَ ٱلسَّمِیعُ ٱلۡبَصِیرُ ) الشورى: 11 ، فلا يشبهه أحد من خلقه فله الأسماء الحسنى والصفات العليا وله الكمال والجمال والجلال والعظمة والمجد والكبرياء .

قال المشركون لرسول الله صلى الله عليه وسلم: صف لنا ربك! أمن ذهب هو ؟ أم من نحاس أم صفر ؟ وكان بعضهم يقول: أنسب لنا ربك يا محمد !

وكانت اليهود تقول: نحن نعبد الله عزيزا ابن الله، والنصاري يقولون: نحن نعبد المسيح ابن الله وكانت المجوس تقول: نحن نعبد الشمس والقمر، وكان المشركون يقولون: نحن نعبد الأوثان.

فأجابهم الله سبحانه وتعالى بقوله: ( قُلۡ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ ) الإخلاص: 1

تعالى عما يقولون!

تجرؤوا على الله سبحانه وتعالى وجاؤوا بجريمة نكراء كادت السماوات لعظمتها تنفطر والأرض تنشق والجبال تخر هدا !! ان نسبوا لله الولد – تعالى عما يقولون

فالكل تحت ملكه وقهره وكلهم آتيه يوم القيامة فردا ً: ( لَّقَدۡ جِئۡتُمۡ شَیۡـًٔا إِدّا ۝ تَكَادُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰ⁠تُ یَتَفَطَّرۡنَ مِنۡهُ وَتَنشَقُّ ٱلۡأَرۡضُ وَتَخِرُّ ٱلۡجِبَالُ هَدًّا ۝ أَن دَعَوۡا۟ لِلرَّحۡمَـٰنِ وَلَدا ۝ وَمَا یَنۢبَغِی لِلرَّحۡمَـٰنِ أَن یَتَّخِذَ وَلَدًا ۝ إِن كُلُّ مَن فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰ⁠تِ وَٱلۡأَرۡضِ إِلَّاۤ ءَاتِی ٱلرَّحۡمَـٰنِ عَبۡدا ۝ لَّقَدۡ أَحۡصَىٰهُمۡ وَعَدَّهُمۡ عَدّا ۝ وَكُلُّهُمۡ ءَاتِیهِ یَوۡمَ ٱلۡقِیَـٰمَةِ فَرۡدًا ۝ ) مريم: 89 – 95 .

وفي صحيح البخاري، ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ” قالَ اللَّهُ تبارَك وتعالى كذَّبني ابنُ آدمَ ولم يَكن ينبغي لهُ أن يُكذِّبني وشتَمني ابنُ آدمَ ولم يَكن ينبغي لهُ أن يشتُمَني أمَّا تَكذيبُه إيَّايَ فقولُه إنِّي لا أعيدُه كما بدأتُه وليسَ آخِرُ الخلقِ بأعزَّ عليَّ من أوَّلِه وأمَّا شتمُه إيَّايَ فقولُه {اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا} وأنا اللَّهُ [الأحدُ] الصَّمدُ لم ألِد ولم أولَد ولم يَكن لي كفُوًا أحدٌ ” 

فالله إله واحد، ليس له شريك ولا مثيل في ذاته او صفاته او أفعاله.

الكون يشهد بوحدانيته :

كل ما في الكون من إبداع ونظام وتوافق وانسجام، يدل على ان مبدعه ومدبره واحد ولو كان وراء هذا الكون أكثر من مدبر وأكثر من منظم لاختل نظامه، واضطربت سننه ( لَوۡ كَانَ فِیهِمَاۤ ءَالِهَةٌ إِلَّا ٱللَّهُ لَفَسَدَتَاۚ فَسُبۡحَـٰنَ ٱللَّهِ رَبِّ ٱلۡعَرۡشِ عَمَّا یَصِفُونَ ) الأنبياء: 22 .

تأمل في نبات الأرض وانظر إلى آثـار مـا صـنـع المليك

عــيــون مــن لجــيـن شـاخـصـات بـأحـداق كـمـا الذهب السبيك

عـلى قـضـب الزبـرجد شاهداتٌ بـــأن الله ليـــس له شــريــك

الله أغنى الشركاء عن الشرك:

فالله سبحانه وتعالى المستحق وحده العبادة فلا يتوجه العبد لغير الله ولا يصرف لغيره شيئا من العبادات صلاة كانت او دعاء او ذبحا او نذرا ً او توكلا ً او رجاء ً او خوفا ً او خشوعا ً أو خضوعا ً: (قُلۡ إِنَّ صَلَاتِی وَنُسُكِی وَمَحۡیَایَ وَمَمَاتِی لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَـٰلَمِینَ ۝ لَا شَرِیكَ لَهُۥۖ وَبذَ ٰ⁠لِكَ أُمِرۡتُ وَأَنَا۠ أَوَّلُ ٱلۡمُسۡلِمِینَ ۝ ) الأنعام: 162 – 163 . 

فالقضية العظمى هي إفراد الله بالعبادة: ( وَمَا خَلَقۡتُ ٱلۡجِنَّ وَٱلۡإِنسَ إِلَّا لِیَعۡبُدُونِ ) الذاريات: 56 ، (  وَمَاۤ أُمِرُوۤا۟ إِلَّا لِیَعۡبُدُوۤا۟ إِلَـٰها وَ ٰحِداۖ لَّاۤ إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَۚ ) التوبة: 31 .

فالتوحيد ألطف شيء وأنزهه وأصفاه فأدنى شيء يخدشه ويدنسه ويؤثر فيه.

صح عنه انه قال: ” قال الله عز وجل من عمل عملًا أشرك معى فيه غيرى؛ تركته وشركه ” أخرجه مسلم.

وصح عنه صلى الله عليه وسلم قوله: ” إذا جمع اللهُ الأوَّلين والآخرين يومَ القيامةِ ليومٍ لا ريبَ فيه نادى منادٍ من كان أشرك في عملٍ عملَه للهِ فلْيطلبْ ثوابَه من عندِ غيرِ اللهِ فإنَّ اللهَ أغنى الشركاءِ عن الشركِ ” حديث حسن، رواه أحمد في المسند.

ذكرى

في صحيح السنة احاديث كثيرة تحث على التوحيد وتبين فضله منها: 

حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ” مَن قالَ في يومٍ مائةَ مرَّةٍ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وحدَهُ لا شريكَ لَهُ ، لَهُ الملكُ ولَهُ الحمدُ وَهوَ على كلِّ شيءٍ قديرٌ ، كانَ لَهُ عدلُ عشرِ رقابٍ ، وَكُتِبَت لَهُ مائةُ حَسنةٍ ، ومُحيَ عنهُ مائةُ سيِّئةٍ ، وَكُنَّ لَهُ حِرزًا منَ الشَّيطانِ ، سائرَ يومِهِ إلى اللَّيلِ ، ولم يأتِ أحدٌ بأفضَلَ ممَّا أتى بِهِ ، إلَّا من قالَ أَكْثرَ ” أخرجه البخاري ومسلم.

وفي الحديث الذي رواه الترمذي وأبو داوود عن بريدة: ان رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلا ً يقول: اللهم اني أسالك بأنك أنت الله لا اله الا انت الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا ً احد .

قال صلى الله عليه وسلم: ” لقد سألَ اللَّهَ باسمِهِ الأعظمِ الَّذي إذا دُعِيَ بِهِ أجابَ، وإذا سُئِلَ بِهِ أعطى ” حديث صحيح.

دخل رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم المسجِدَ فإذا هو برجُلٍ قد قضى صلاتَه وهو يتشهَّدُ وهو يقولُ: ” اللَّهُمَّ إني أسألُك يا اللهُ الأحَدُ الصَّمَدُ الذي لم يلِدْ ولم يولَدْ ولم يكُنْ له كفُوًا أحدٌ أن تغفِرَ لي ذُنوبي؛ إنَّك أنت الغفورُ الرَّحيمُ. قال: فقال: قد غُفِرَ له، قد غُفِرَ له، ثلاثًا ” رواه أحمد في المسند.

قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: تحقيق كلمة التوحيد يوجب عتق الرقاب وعتق الرقاب يوجب العتق من النار.

وقال رحمه الله: من أسباب المغفرة ( التوحيد ) وهو السبب الأعظم فمن فقده فقد المغفرة ومن جاء به فقد أتى بأعظم أسباب المغفرة .

قال الإمام ابن القيم رحمه الله: التوحيد اول ما يدخل به في الإسلام، واخر ما يخرج به من الدنيا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ” من كان آخرُ كلامهِ لا إلهَ إلَّا اللهُ دخل الجنَّةَ ” فهو اول واجب واخر واجب ، فالتوحيد اول الأمر وآخره .

وقال رحمه الله : فما دفعت شدائد الدنيا بمثل التوحيد .

وقال رحمه الله: لا يدخل الجنة نفس مشركة وانما يدخلها أهل التوحيد فإن التوحيد هو مفتاح بابها .

قال ابن الجوزي رحمه الله: كان سفيان الثوري يأتي إبراهيم بن أدهم فيقول يا ابراهيم! ادع الله أن يقبضنا على التوحيد .

ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا كان يدعوا بإصبعيه، فقال له صلى الله عليه وسلم ” أحد أحد ” حديث صحيح رواه ابو داوود ، وفيه اذا أراد ان يشير في الدعاء فلا يشير إلا بإصبع واحدة .

اللهم انا نسألك يا واحد يا أحد يا صمد أن تجعلنا ممن دعاك فأجبته وممن تضرع إليك فرحمته وممن استجارك فأجرته من النار واجعل آخر كلامنا من الدنيا لا اله الا الله فأنت أرحم الراحمين .

ساهم في التعريف بأسماء الله الحسنى

انت الزائر رقم