صح عنه صلى الله عليه وسلم انه قال: ” إني لأعلم آخر أهل الجنة دخولا الجنة، وآخر أهل النار خروجاً منها: رجل يؤتى به يوم القيامة، فيقال: اعرضوا عليه صغار ذنوبه، وارفعوا عنه كبارها، فتعرض عليه صغار ذنوبه، فيقال: عملت يوم كذا كذا وكذا، وعملت يوم كذا وكذا كذا وكذا، فيقول: نعم، لا يستطيع أن ينكر، وهو مشفق من كبار ذنوبه أن تعرض عليه، فيقال له: فإن لك مكان كل سيئة حسنة، فيقول: رب ! قد عملت أشياء لا أراها ها هنا ” قال ابو ذر ( راوي الحديث ) فلقد رأيت رسول الله ضحك حتى بدت نواجذه. أخرجه مسلم

ما أكرم الله وما احلم الله وما أعظم الله !

( یَـٰۤأَیُّهَا ٱلۡإِنسَـٰنُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ ٱلۡكَرِیمِ ) الانفطار: 6 ، ( وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا یَشۡكُرُ لِنَفۡسِهِۦۖ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّی غَنِیّ كَرِیم ) النمل: 40 .

والكرم لفظ جامع للمحاسن والمحامد لا يراد به مجرد عطاء بل الإعطاء من تمام معناه ولذا ورد عن اهل العلم في معنى الاسم أقوال عديدة وكل الذي أوردوه حق.

فربنا الكريم كثير الخير والعطاء، دائم الخير، له قدر عظيم وشأن كبير منزه عن النقائص والآفات، المكرم المنعم المتفضل الذي يعطي لا لعوض ولغير سبب يعطي المحتاج ومن لا يحتاج، اذا وعد وفى، ترفع اليه الحاجات صغيرها وكبيرها، لا يضيع من التجأ إليه يتجاوز عن الذنوب ويغفر السيئات بل ويبدل السيئات حسنات، يعطي قبل أن نسأله.

رزقنا السمع والبصر والافئدة والجوارح والقوة والملكات الظاهرة والخفية التي لا نستطيع عدّها: ( وَإِن تَعُدُّوا۟ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ لَا تُحۡصُوهَاۤۗ إِنَّ ٱلۡإِنسَـٰنَ لَظَلُوم كَفَّار ) ابراهيم: 34 ، جاد بها علينا دون ان نسأله وقبل نسأله كرما منه وفضلا فهو يعطي ويثني.

ربنا الكريم الذي قدر فعفا وإذا وعد وفى، وعد المؤمنين في الدنيا والاخرة بألوان الفضل والخير والنعم والعطاء .

بل من كرمه عز وجل انه علق عذاب عباده العاصين بمشيئته، إن شاء عاقبهم وإن شاء عفا عنهم .

ربنا الذي لا يرد سائلا .. ” حيي كريم

أعطى وأثنى:

فهو يعطي الإيمان ثم يثني عليه: ( وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ یَهۡدِی مَن یَشَاۤءُۗ وَمَا تُنفِقُوا۟ مِنۡ خَیۡر فَلِأَنفُسِكُمۡۚ وَمَا تُنفِقُونَ إِلَّا ٱبۡتِغَاۤءَ وَجۡهِ ٱللَّهِۚ وَمَا تُنفِقُوا۟ مِنۡ خَیۡر یُوَفَّ إِلَیۡكُمۡ وَأَنتُمۡ لَا تُظۡلَمُونَ ) البقرة: 272 .

سمع الجنيد رجلا ً يقرأ: ( إِنَّا وَجَدۡنَـٰهُ صَابِراۚ نِّعۡمَ ٱلۡعَبۡدُ إِنَّهُۥۤ أَوَّاب ) ص:44 ، فقال: ” سبحان الله ! أعطى وأثنى “، أي وهب له الصبر وأعطاه ثم يمدحه ويثني عليه .

إلى الله أهدي الحمد والشكر والثنا له الحمد مولانا عليه المعول

وأشهد أن الله لا رب غيره كريم رحيم يرتجى ويؤمل

فسبحانه من كريم جواد !!

الكرم من صفاته والجود من أعظم سماته والعطاء من أجل هباته فمن أعظم منه جودا ً وكرما ً ؟!

إنه الكريم:

الخلائق له عاصون وهو لهم مراقب يكلؤهم في مضاجعهم كأنهم لم يعصوه ويتولى حفظهم كأنهم لم يذنبوا ويجود بالفضل على العاصي ويتفضل على المسيء .. من ذا الذي دعاه فلم يستجب له ؟ أم من ذا الذي سأله فلم يعطه ؟ أم من ذا الذي أناخ بباه فنحاه ؟ فهو ذو الفضل ومنه الفضل وهو الجواد ومنه الجود وهو الكريم ومنه الكرم .

غني عن الشكر:

ربنا عز وجل غني عن شكرنا، لا تعود منفعة الشكر إليه ولا يضره كفران من كفره وهو مع ذلك كريم في ترك المعاجلة بالعقوبة: ( وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّی غَنِیّ كَرِیم ) النمل: 40 .

ومن كمال غناه وكرمه  عز وجل: انه خلق العباد ليعبدوه وتكفل برزقهم جميعا ً مؤمنهم وكافرهم إنسهم وجنهم: (  وَمَا خَلَقۡتُ ٱلۡجِنَّ وَٱلۡإِنسَ إِلَّا لِیَعۡبُدُونِ ۝ مَاۤ أُرِیدُ مِنۡهُم مِّن رِّزۡق وَمَاۤ أُرِیدُ أَن یُطۡعِمُونِ ۝ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلرَّزَّاقُ ذُو ٱلۡقُوَّةِ ٱلۡمَتِینُ ۝ ) الذاريات: ( 56 – 58 ) 

زاد على المنى..

ومن جلاله أنه لا تتعاظم عليه المسائل والدعوات مهما كثرت وكبرت، صح عنه صلى الله عليه وسلم انه قال: ” لا يَقُلْ أحدُكم: اللهم اغفِرْ لي إن شِئْتَ، اللهم ارحمني إن شِئْتَ، لِيَعْزِمِ المسألةَ وَلْيُعَظِّمِ الرَّغْبَةَ، فإن الله لا يَتَعَاظَمُه شيءٌ أعطاه ” رواه مسلم.

بل انظر الى عظيم كرمه عز وجل، قال صلى الله عليه وسلم: ” ليسَ شيءٌ أكرمَ علَى اللهِ من الدُّعاءِ ” حديث حسن – رواه بن ماجة .

بل انظر الى عظيم كرمه سبحانه وتعالى: قال صلى الله عليه وسلم ” إنَّ اللَّهَ حيِىٌّ كريمٌ يستحي إذا رفعَ الرَّجلُ إليْهِ يديْهِ أن يردَّهما صفرًا خائبتينِ ” حديث صحيح، رواه الترمذي .

وكرمه دائم لا ينقطع إلى ان تلقاه فانظر الى اكبر واعظم هدية تقدم لك يوم القيامة ان كنت مؤمنا ً، ( أُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ حَقّاۚ لَّهُمۡ دَرَجَـٰتٌ عِندَ رَبِّهِمۡ وَمَغۡفِرَة وَرِزۡق كَرِیم ) الأنفال: 4 .

بل زاد على المنى جاء في الحديث القدسي المتفق عليه: ” يقول اللهُ تعالى : أعددتُ لعبادي الصالحينَ ما لا عينٌ رأت ولا أذنٌ سمعت ولا خطرَ على قلبِ بشرٍ  ” والأعظم من ذلك كله: النظر الى وجهه الكريم: ( وُجُوه یَوۡمَىِٕذ نَّاضِرَةٌ ۝ إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَة ۝) القيامة: 22 – 23 .

اللهم اجعلنا منهم يا أكرم الأكرمين !

الميزان:

وميزان الإكرام والإهانة يوم القيامة: التقوى ( إِنَّ أَكۡرَمَكُمۡ عِندَ ٱللَّهِ أَتۡقَىٰكُمۡۚ ) الحجرات: 3، لا كرامة لأهل الكفر بل الإهانة: ( وَكَثِیرٌ حَقَّ عَلَیۡهِ ٱلۡعَذَابُۗ وَمَن یُهِنِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُۥ مِن مُّكۡرِمٍۚ إِنَّ ٱللَّهَ یَفۡعَلُ مَا یَشَاۤءُ ) الحج: 18 ، ولا عبرة بموازين الناس في الدنيا التي ذكرها الله بقوله: ( فَأَمَّا ٱلۡإِنسَـٰنُ إِذَا مَا ٱبۡتَلَىٰهُ رَبُّهُۥ فَأَكۡرَمَهُۥ وَنَعَّمَهُۥ فَیَقُولُ رَبِّیۤ أَكۡرَمَنِ ۝ وَأَمَّاۤ إِذَا مَا ٱبۡتَلَىٰهُ فَقَدَرَ عَلَیۡهِ رِزۡقَهُۥ فَیَقُولُ رَبِّیۤ أَهَـٰنَنِ ) الفجر: 15 – 16 .

قال ابن الجوزي: ومن تلبيس إبليس على عوام الناس أنهم يفعلون المعاصي فإذا أنكرت عليهم قالوا: الرب كريم والعفو واسع ! 

ذكرى:

ومن تعلق بالقران بشره بالكرامة في الدارين فالله عز وجل قال: ( إِنَّهُۥ لَقُرۡءَان كَرِیم ) الواقعة: 77، كثير الخير وغزير العلم يكرم حافظه ويعظم قارئه .

والكريم عزوجل ينجي الغريق ويرد الغائب ويعافي المبتلي وينصر المظلوم ويهدي الضال ويغني الفقير ويشفي المريض، ويفرج عن المكروب ويحب ان تدعوه بأسمائه، كان النبي (ص) يقول عند الكرب: ” لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ العَظِيمُ الحَلِيمُ، لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ رَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ، لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ ورَبُّ الأرْضِ، ورَبُّ العَرْشِ الكَرِيمِ ” أخرجه البخاري ومسلم.

والله يحب الكرماء، قال ابن رجب رحمه الله: من جاد على عباد الله جاد الله عليه بالعطاء والفضل والجزاء من جنس العمل .

أَغيب وَذو اللطائف لا يَغيب وَأَرجوه رجاء لا يخيب

واسأله السَلامة من زَمان بليت به نوائبه تشيب

وأنزل حاجَتي في كل حال الى من تطمئن به القلوب

وَلا أَرجو سواه اذا دهاني زَمان الجور وَالجار المريب

فَكَم لِلَّه من تَدبير أَمر طوته عَن المشاهدة الغيوب

وَكَم في الغَيب مِن تَيسير عسر وَمن تفريج نائبة تنوب

وَمن كرم ومن لطف خفي وَمن فرج تزول به الكروب

وَمالي غير باب اللَه باب وَلا مولى سواه وَلا حَبيب

كَريم منعم برّ لَطيف جَميل الستر للداعي مجيب

حَليم لا يعاجل بالخَطايا رَحيم غيم رحمته يصوب

فَيا مَلِك المُلوك أَقل عثاري فانى عنك أنأتني الذنوب

وأمرضني الهوى لهوان حظي وَلكن لَيسَ غيرك لي طَبيب

اللهم يا كريم ! أكرمنا بجنتك وبعفوك ورضاك.

ساهم في التعريف بأسماء الله الحسنى

انت المشاهد رقم