اخرج الامام البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ” بينا أيوب يغتسل عريانا ً، فخر عليه جراد من ذهب، فجعل أيوب يحتثي في ثوبه.

فناداه ربه: يا أيوب! ألم أكن أغنيتك عما ترى ؟ قال: بلى وعزتك ! ولكن لا غنى به عن بركتك “.

قد يعطي الانسان أموالا ً، او يمنح عقارا ً، او يرزق عيالا ً، او يوهب جاها ً او ينال منصبا ً عظيما ً، او مركزا ً كريما ً، او زعامة عريضة او رياسة مكينة.. قد يحف به الخدم، ويحيط به الجند، وتحرسه الجيوش، وترضخ له الناس، وتذل له الرؤوس، وتدين له الشعوب..

ومع ذلك كله، فالكل محتاج الى الله سبحانه وتعالى: ( ۞ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلنَّاسُ أَنتُمُ ٱلۡفُقَرَاۤءُ إِلَى ٱللَّهِۖ وَٱللَّهُ هُوَ ٱلۡغَنِیُّ ٱلۡحَمِیدُ ) فاطر: 15.

وربنا هو الغني جل جلاله: الذي لا أغنى منه على الاطلاق، والكل فقير محتاج إليه.

فربنا غني بذاته وصفاته وسلطانه، كمل في غناه فلا يحتاج إلى احد.

وربنا من كمال غناه: انه لا تنفعه طاعة الطائعين، ولا تضره معصية العاصين، ولو كفر به كل العالمين! قال عز وجل: ( وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَنِیٌّ عَنِ ٱلۡعَـٰلَمِینَ ) آل عمران: 97.

ومن كمال غناه سبحانه وتعالى انه يحسن الى العباد، ويريد بهم الخير، ويكشف عنهم الضر، لا لشيء رحمة بهم وإحسانا ً، ( وَرَبُّكَ ٱلۡغَنِیُّ ذُو ٱلرَّحۡمَةِۚ ) الأنعام: 133.

ومن كمال غناه سبحانه، تنزه عن النقائص والعيوب، وكل ما ينافي غناه، فلم يتخذ صاحبة ولم يتخذ ولدا ً، ولا شريكا ً في الملك، ولا وليا ً من الذل، ولم يكن له كفوا ً أحد، قال ربنا سبحانه وتعالى: ( وَقُلِ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ ٱلَّذِی لَمۡ یَتَّخِذۡ وَلَدا وَلَمۡ یَكُن لَّهُۥ شَرِیك فِی ٱلۡمُلۡكِ وَلَمۡ یَكُن لَّهُۥ وَلِیّ مِّنَ ٱلذُّلِّۖ وَكَبِّرۡهُ تَكۡبِیرَۢا ) الإسراء: 111.

ومن كمال غناه وكرمه سبحانه وتعالى أنه يأمر عباده بدعائه، ويعدهم بإجابة دعواتهم: ( وَقَالَ رَبُّكُمُ ٱدۡعُونِیۤ أَسۡتَجِبۡ لَكُمۡۚ ) غافر: 60، وصح عنه صلى الله عليه وسلم انه قال: ” ليس شيء أكرم على الله تعالى من الدعاء” حديث حسن, رواه الترمذي.

العالم بأسره فقراء إلى الله .. 

العالم أجمع، جنهم وإنسهم، وغنيهم وفقيرهم، وكبيرهم وصغيرهم، وأميرهم وحقيرهم، وقويهم وضعيفهم، فقراء الى الله ومحتاجون اليه في كل ساعة.

ومن كرم الله: انه قرن اسمه الغني بوصف الرحمة في قوله تعالى: ( وَرَبُّكَ ٱلۡغَنِیُّ ذُو ٱلرَّحۡمَةِۚ ) الأنعام: 133، وذلك لإخبار العباد أنه غني عبادتهم، ومع هذا فهو قد رحمهم في كل شيء، حتى في العبادات والتكاليف، بل من رحمته أنه يقبل القليل فيكثره.

ومن كرمه أنه قرن اسمه الغني باسمه الحميد، قال الله سبحانه وتعالى: ( وَقَالَ مُوسَىٰۤ إِن تَكۡفُرُوۤا۟ أَنتُمۡ وَمَن فِی ٱلۡأَرۡضِ جَمِیعا فَإِنَّ ٱللَّهَ لَغَنِیٌّ حَمِیدٌ ) ابراهيم: 8، أي: بليغ الاستحقاق للحمد، بما له من عظيم النعم.

فالكل محتاج إليه في كل صغيرة وكبيرة، وفي كل ساعة وكل ثانية.

فهذا أكمل الخلق عبودية يدعو ربه مظهرا ً فقره وحاجته إليه، وعدم استغنائه عنه طرفة عين، فقد كان من دعائه صلى الله عليه وسلم: ” أصلح لي شأني كله ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين ” حديث صحيح، رواه النسائي.

انت محتاج الى الغني في كل ساعة، فبقدر اظهار فقرك إليه يكون الجزاء.

وتذكر: أن الله هو الغني وأن غناه غنى ذاتي، بل لو سأله أهل السماوات والارض وأعطى كل واحد مسألته ما نقص من ملكه شيء، جاء في صحيح مسلم: ” لو أن اولكم واخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد، فسألوني: فأعطيت كل إنسان مسألته، ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا ادخل البحر “.

مفتاح الغنى ..:

كيف أصل الى الغني ؟

الجواب: كما جاء في الحديث القدسي: ” ابن ادم! تفرغ لعبادتي، أملأ قلبك غنى، وأملأ يديك رزقا ً.

ابن آدم! لا تباعد عني فاملأ قلبك فقرا ً، وأملأ يديك شغلا ً ” حديث صحيح، رواه الحاكم في المستدرك.

فمتى غنى القلب بالله عز وجل وقنع به، وفرح بما اعطاه الله، أصبح أغنى خلقه وأعز مخلوق برازقه، وأقوى ضعيف بمولاه، فهذا الغني بلا مال، والقوة بلا سلطان، والعزة بلا عشيرة، فيا له من غني، ما أجل قدره !

صح عنه صلى الله عليه وسلم انه قال: ” قد أفلح من أسلم، ورزق كفافا ً وقنعه الله بما آتاه ” اخرجه مسلم.

لن يشبع الانسان لو ملك الدنيا ما لم يكن الغني في قلبه، وكما جاء في صحيح ابن حبان: قال صلى الله عليه وسلم: ” يا أبا ذر ! أترى كثرة المال هي الغنى ؟ انما الغنى غنى القلب والفقر فقر القلب ” حديث صحيح.

من كان الغنى في قلبه، فلا يضره ما لقى من الدنيا، ومن كان الفقر في قلبه، فلا يغنيه أكثر ما في الدنيا، صح ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: وارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس ” حديث حسن، رواه الترمذي.

وفي الحديث الآخر: ” ومن يستعفف يعفه الله، ومن يستغن يغنه الله ” أخرجه البخاري ومسلم.

النفس تجزع ان تكون فقيرة والفقر خير من غنى يطغيها

وغنى النفس هو الكافي فإن أبت فجميع ما في الارض لا يكفيها 

فالغنى في الاسم هو: من استغنى في قلبه عن الناس، وافتقر لله سبحانه وتعالى، قال صلى الله عليه وسلم: ” شرف المؤمن صلاته بالليل، وعزه: استغناؤه عما في ايدي الناس ” حديث حسن، رواه الحاكم.

ولما قيل لأعرابي: لقد أصبح رغيف الخبز بدينار !

فأجاب: والله! ما همني ذلك، ولو أصبحت حبة القمح بدينار ! أنا اعبد الله كما أمرني وهو يرزقني كما وعدني !

قال النسفي رحمه الله: قال الواسطي: من استغنى بالله لا يفتقر، ومن تعزز بالله لا يذر، وقال الحسين: على مقدار افتقار العبد الى الله، يكون غنيا ً بالله.

قال حكيم: ان الرجل ليجفوني فإذا ذكرت استغنائي عنه بالله، وجدت بردا ً على كبدي “

قال ابن السعدي رحمه الله: إنما الغنى غنى القلب، فكم من صاحب ثروة وقلبه فقير متحسّر ؟

تبرأت من حولي وطولي وقوتي وإني إلى مولاي في غاية الفقر

غنى المرء بالرحمن أغنى من الغنى به يكتسى ثوب المهابة والقدر

اللهم ! أعطيتنا من قبل أن نسألك، فكيف إذا سألنالك ؟

اللهم ! اغننا بالافتقار اليك، ولا تفقرنا بالاستغناء عنك، فإنك انت الغني، لا إله إلا انت.

اللهم ! اغننا بحلالك عن حرامك، وبفضلك عمن سواك.

ساهم في التعريف بأسماء الله الحسنى

انت المشاهد رقم