ولما جلسنا مجلسا طله الندى جميلا ً وبستانا ً من الروض ناديا ً 

أثار لنا طيب المكان وحسنه منى فتمنينا فكنت الامانيا 

ربنا الودود جل جلاله: حبيب الطائعين، وملاذ الهاربين، وملجأ الملتجئين، وأمان الخائفين.

المحب للتوابين والمتطهرين، اجود الأجودين، وأكرم الأكرمين.

أوسع من أعطى، وارحم من استرحم، وأكرم من قصد، الملاذ في الشدة، والأنيس في الوحشة، والنصير في القلة جل جلاله.

حديثنا عن اسم الله: الودود سبحانه وتعالى.

قال عز وجل: ( إِنَّ رَبِّی رَحِیم وَدُود ) هود: 90، وقال سبحانه وتعالى: ( وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ (14) ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (15) ) البروج: 14 – 15.

والود: المحبة.

فربنا سبحانه  وتعالى تودد إلى أوليائه بمعرفته، ونعوته الجميلة..

وهذا الود خاص بالأولياء والأتقياء: فجلب لهم اسباب التودد إليه، وجذب قلوبهم وده، فذكر لهم ما له من الأسماء الحسنى والنعوت الواسعة العظيمة الجميلة، فجلبت القلوب السليمة والافئدة المستقيمة إليه.

وكان فؤادي خاليا ً قب حبكم وكان بذكر الخلق يلهو ويمرح 

فلما دعا قلبي هواك أجابه فلست أراه عن فنائك يبرح

وربنا سبحانه وتعالى ودود: تحبب إلى العصاة من خلقه، وتودد إلى التائبين منهم، فشرح لهم الاسباب التي ينالون بها مغفرته والسبل إلى عفوه والدلائل على سعة رحمته.

قال سبحانه وتعالى: ( ۞ قُلۡ یَـٰعِبَادِیَ ٱلَّذِینَ أَسۡرَفُوا۟ عَلَىٰۤ أَنفُسِهِمۡ لَا تَقۡنَطُوا۟ مِن رَّحۡمَةِ ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ یَغۡفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِیعًاۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلۡغَفُورُ ٱلرَّحِیمُ ) الزمر: 53، وقال سبحانه وتعالى: ( وَرَحۡمَتِی وَسِعَتۡ كُلَّ شَیۡءۚ ) الأعراف: 156.

وربنا عز وجل تودد إلى عباده بآلامه ونعمه العظيمة الظاهرة والباطنة، فهو الذي أوجدهم وأبقاهم وأحياهم وأصلحهم، وأتم لهم الامور وهداهم للإيمان والإسلام، الذي هو أكبر النعم.

وهو الودود يحبهم ويحبه أحبابه والفضل للمنان 

وهو الذي جعل المحبة في قلو بهم وجازاهم بحب ثان 

هذا هو الاحسان حقا ً لا معا وضة ولا لتوقع الشكران

إحسان محض :

إذا كشف معنى اسم الودود لعبد: تعلق قلبه بربه، فأصبح مشتغلا ً به حبا ً وشوقا ً ولذة لا أحلى منها ولا أطيب !

وذلك أعظم ما عبده به العابدون، وتقرب إليه المتقربون: ( یُحِبُّهُمۡ وَیُحِبُّونَهُۥۤ ) المائدة: 54.

وصفاء الحال بحسب صفاء المعرفة بأسماء الله وصفاته.

والعبد المؤمن يعلم أن هذا الحال ليس بحول العبد ولا قوته، وإنما هو الودود سبحانه وتعالى الذي أحب عبده فجعل المحبة في قلبه، ثم لما أحبه العبد بتوفيقه جازاه الله بحب آخر، وهذا هو الاحسان المحض، إذ منه السبب ومنه المسبب.

وإذا أحب العبد ربه حبا ً حقيقيا ً أثمر إخلاص العبودية له وحده، واستلزم محبة من يحبه الله وما يحبه، ويبغض من يبغضه وما يبغضه، وهذه هي حقيقة الولاء والبراء: ( لَّا تَجِدُ قَوۡما یُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡیَوۡمِ ٱلۡـَٔاخِرِ یُوَاۤدُّونَ مَنۡ حَاۤدَّ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَلَوۡ كَانُوۤا۟ ءَابَاۤءَهُمۡ أَوۡ أَبۡنَاۤءَهُمۡ أَوۡ إِخۡوَ ٰنَهُمۡ أَوۡ عَشِیرَتَهُمۡۚ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ كَتَبَ فِی قُلُوبِهِمُ ٱلۡإِیمَـٰنَ وَأَیَّدَهُم بِرُوح مِّنۡهُۖ وَیُدۡخِلُهُمۡ جَنَّـٰت تَجۡرِی مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَـٰرُ خَـٰلِدِینَ فِیهَاۚ رَضِیَ ٱللَّهُ عَنۡهُمۡ وَرَضُوا۟ عَنۡهُۚ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ حِزۡبُ ٱللَّهِۚ أَلَاۤ إِنَّ حِزۡبَ ٱللَّهِ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ ) المجادلة: 22.

للمحبين فقط !

والمؤمن الصادق يتودد إلى الله بالأعمال التي تقتضي محبته عز وجل، من الاقوال والافعال وأعظمها: طاعة الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم، قال سبحانه وتعالى: ( قُلۡ إِن كُنتُمۡ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِی یُحۡبِبۡكُمُ ٱللَّهُ ) آل عمران: 31.

ولا يزال العبد يمضي على ما يحبه الله عز وجل، ويسارع فيما يريده مولاه، حتى يفوز بالحب، ويظفر بالقرب، ” إذا احب الله العبد نادى جبريل: ان الله يحب فلان فأحببه! فيحبه جبريل، فياندي جبريل في أهل السماء: ان الله يحب فلانا ً فأحبوه! فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الارض ” أخرجه البخاري. 

قال سبحانه وتعالى: ( إِنَّ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ سَیَجۡعَلُ لَهُمُ ٱلرَّحۡمَـٰنُ وُدّا ) مريم: 96.

وإذا أحب الله عز وجل عبدا ً كان ” سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها ” أخرجه البخاري.

قال ابن القيم رحمه الله: فالاسباب الجالبة لمحبةا لله عز وجل عشرة: 

أحدها: قراءة القرآن بالتدبر والتفهم لمعانيه وما أريد به .. 

الثاني: التقرب الى الله بالنوافل بعد الفرائض ..

الثالث: دوام ذكره على كل حال، باللسان والقلب، والعمل والحال .. 

الرابع: إيثار محابه على محابك عند غلبات الهوى..

الخامس: مطالعة القلب لأسمائه وصفاته، ومشاهدتها ومعرفتها.. 

السادس: مشاهدة بره واحسانه وآلائه، ونعمه الباطنة والظاهرة .. 

السابع وهو من أعجبها: انكسار القلب بكليته بين يدي الله عز وجل..

الثامن: الخلوة به وقت النزول الإلهي لمناجاته..

التاسع: مجالسة المحبين الصادقين، والتقاط أطايب ثمرات كلامهم.. 

العاشر: مباعدة كل سبب يحول بين القلب وبين الله عز وجل..

برهان الود: 

فما كل عين بالحبيب قريرة ولا كل من نودي يجيب المناديا 

يسمع المحبون منادي الحبيب: ( حي على الفلاح ! ) فيهجرون الفرش، ويطردون الكرى، ويمتطون الاقدام، وفي وهج الشمس او لوعة البرد، وكأنما يمشون على الحرير، ويطرق أسماعهم: ( حي على الفلاح ! ) فيبذلون المهج، ويقدمون الارواح، ويزهقون الانفس، ويهرقون الدماء.

يتلى عليهم: ( أَنفِقُوا۟ مِمَّا رَزَقۡنَـٰكُم ) البقرة: 254، فيتسابقون بالغالي والنفيس ويبذلون من أعز ما يملكون وأفضل ما يحبون، ويعطون عطاء من لا يخشة الفقر، ويتلى عليهم: ( وَلِلَّهِ عَلَى ٱلنَّاسِ حِجُّ ٱلۡبَیۡتِ ) آل عمران: 97، فيقبلون من كل فجٍ عميق، وواد سحيق، شعثا ً غبرا ً خماص البطون، ظمأى الأفئدة، لبيك اللهم لبيك! لبيك لا شريك لك لبيك !

حالهم وحال غيرهم كقول الشاعر: 

من لم يبت والحب حشو فؤائده لم يدر كيف تفتت الأكباد

يقول جلال الدين الرومي: ان الحب يجعل المر حلوا ً والتراب تبرا ً، والكدر صفاء، والألم شفاء، والسجن روضة، والسقم نعمة، والقهر رحمة، وهو الذي يلين الحديد، ويذيب الحجر، ويبعث الميت، وينضج فيه الحياة.

فليتك تحلو والحياة مريرة وليتك ترضى والأنام غضاب

وليت الذي بيني وبينك عامر وبيني وبين العالمين خراب 

إذا نلت منك الود فالكل هين وكل الذي فوق التراب تراب 

ويقول ابن القيم رحمه الله عن المحبة: هي سر التأليه، وتوحيدها هو: شهادة ان لا إله إلا الله.

يقوم أعرابي والنبي صلى الله عليه وسلم يحدث الناس، فيقول: متى الساعة يا رسول الله ؟ قال: ما أعددت لها ؟ قال: ما اعددت لها من كثير صلاة ولا صوم ولا صدقة، ولكني أحب الله ورسوله، قال: ” أنت مع من أحببت ” أخرجه البخاري ومسلم.

أحب الصالحين ولست منهم لعلي أن أنال بهم شفاعة 

وأكره من تجارته المعاصي ولو كنا سواء في البضاعة

علامة ..

قال هرم بن حيان: ما أقبل عبد بقلبه إلى الله عز وجل، إلا أقبل الله بقلوب المؤمنين إليه حتى يرزقه مودتهم.

فالمؤمن: ودود، يُحِب ويُحَب، ويألف ويؤلف، جاء عنه صلى الله عليه وسلم انه قال: ” المؤمن يألف ويؤلف ” حديث حسن، رواه الطبراني في المعجم الأوسط، وذلك أنه يحب الخير لأقرانه المسلمين، ويكف شره عنهم، وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يدعو: ” اللهم وأسألك حبك، وحب من يحبك، وحب عمل يقربني إلى حبك ” حديث صحيح، رواه الترمذي.

اللهم يا ودود ! نسألك حبك وحب من يحبك، وحب عمل يقربني إلى حبك.

ساهم في التعريف بأسماء الله الحسنى

انت المشاهد رقم