برهان الود:
فما كل عين بالحبيب قريرة ولا كل من نودي يجيب المناديا
يسمع المحبون منادي الحبيب: ( حي على الفلاح ! ) فيهجرون الفرش، ويطردون الكرى، ويمتطون الاقدام، وفي وهج الشمس او لوعة البرد، وكأنما يمشون على الحرير، ويطرق أسماعهم: ( حي على الفلاح ! ) فيبذلون المهج، ويقدمون الارواح، ويزهقون الانفس، ويهرقون الدماء.
يتلى عليهم: ( أَنفِقُوا۟ مِمَّا رَزَقۡنَـٰكُم ) البقرة: 254، فيتسابقون بالغالي والنفيس ويبذلون من أعز ما يملكون وأفضل ما يحبون، ويعطون عطاء من لا يخشة الفقر، ويتلى عليهم: ( وَلِلَّهِ عَلَى ٱلنَّاسِ حِجُّ ٱلۡبَیۡتِ ) آل عمران: 97، فيقبلون من كل فجٍ عميق، وواد سحيق، شعثا ً غبرا ً خماص البطون، ظمأى الأفئدة، لبيك اللهم لبيك! لبيك لا شريك لك لبيك !
حالهم وحال غيرهم كقول الشاعر:
من لم يبت والحب حشو فؤائده لم يدر كيف تفتت الأكباد
يقول جلال الدين الرومي: ان الحب يجعل المر حلوا ً والتراب تبرا ً، والكدر صفاء، والألم شفاء، والسجن روضة، والسقم نعمة، والقهر رحمة، وهو الذي يلين الحديد، ويذيب الحجر، ويبعث الميت، وينضج فيه الحياة.
فليتك تحلو والحياة مريرة وليتك ترضى والأنام غضاب
وليت الذي بيني وبينك عامر وبيني وبين العالمين خراب
إذا نلت منك الود فالكل هين وكل الذي فوق التراب تراب
ويقول ابن القيم رحمه الله عن المحبة: هي سر التأليه، وتوحيدها هو: شهادة ان لا إله إلا الله.
يقوم أعرابي والنبي صلى الله عليه وسلم يحدث الناس، فيقول: متى الساعة يا رسول الله ؟ قال: ما أعددت لها ؟ قال: ما اعددت لها من كثير صلاة ولا صوم ولا صدقة، ولكني أحب الله ورسوله، قال: ” أنت مع من أحببت ” أخرجه البخاري ومسلم.
أحب الصالحين ولست منهم لعلي أن أنال بهم شفاعة
وأكره من تجارته المعاصي ولو كنا سواء في البضاعة
علامة ..
قال هرم بن حيان: ما أقبل عبد بقلبه إلى الله عز وجل، إلا أقبل الله بقلوب المؤمنين إليه حتى يرزقه مودتهم.
فالمؤمن: ودود، يُحِب ويُحَب، ويألف ويؤلف، جاء عنه صلى الله عليه وسلم انه قال: ” المؤمن يألف ويؤلف ” حديث حسن، رواه الطبراني في المعجم الأوسط، وذلك أنه يحب الخير لأقرانه المسلمين، ويكف شره عنهم، وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يدعو: ” اللهم وأسألك حبك، وحب من يحبك، وحب عمل يقربني إلى حبك ” حديث صحيح، رواه الترمذي.
اللهم يا ودود ! نسألك حبك وحب من يحبك، وحب عمل يقربني إلى حبك.