الكبرياء لله وحده عز وجل، قال الله مادحا ً نفسه، ( وَلَهُ ٱلۡكِبۡرِیَاۤءُ فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ وَهُوَ ٱلۡعَزِیزُ ٱلۡحَكِیمُ ) الجاثية: 37، وقال سبحانه وتعالى: ( وَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ ) الحشر: 23.

فربنا عز وجل تكبر عن كل سوء، وتكبر عن السيئات، وتكبر عن ظلم العباد.

وربنا سبحانه وتعالى هو الذي يتكبر على عتاة خلقه إذا نازعوه العظمة.

فهو جل جلاله المتكبر عن كل سوء، المتعظم عما لا يليق به من صفات الحدث والذم.

وأصل الكبرياء: الامتناع، وربنا عز وجل ممتنع عن النقص والسوء والعيب.

عبودية الانكسار ..

والتاء في اسمه (المتكبر) ليسا تاء التعاطي والتكلف كما يقال: فلان يتعظم وليس بعظيم، وإنما هي تاء: التفرد والاختصاص.

والتكبر لا يليق إلا به جل جلاله، لأنه وحده الملك وما سواه مملوك، وهو وحده الرب وما سواه مربوب، وهو الخالق وحده وما سواه مخلوق، وهو وحده المتفرد بصفات الكمال والجمال والعظمة والجلال.

لذا، استأثر الله عز وجل بهذه الصفة لنفسه وتوعد من اتصف بها بالعقاب الشديد.

صح عنه صلى الله عليه وسلم انه قال: ” قال الله تعالى: الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري، فمن نازعني واحدا ً منهما قذفته في النار ” حديث صحيح، رواه ابو داود.

قال الخطابي: وضرب الرداء والإزار مثلا في ذلك، يقول والله اعلم: كما لا يشرك الانسان في ردائه وإزاره أحد، فكذلك لا يشركني الكبرياء والعظمة مخلوق، والله اعلم.

ومقام المخلوق: مقام عبودية وخضوع، وذل وانكسار للكبير المتعال، ذي الجلال والاكرام ولعل في هذا سرا ً من أسرار ذكر الله بالتكبير عند الركوع والسجود وذكر كبريائه وعظمته حال الركوع والسجود.

فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في ركوعه وسجوده: ” سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة ” حديث صحيح، رواه ابو داود.

ونزه الله سبحانه وتعالى أنبياءه وعباده الصالحين عن الكبر، وكانوا يستعيذون من الكبر والتكبر: ( وَقَالَ مُوسَىٰۤ إِنِّی عُذۡتُ بِرَبِّی وَرَبِّكُم مِّن كُلِّ مُتَكَبِّر لَّا یُؤۡمِنُ بِیَوۡمِ ٱلۡحِسَابِ ) غافر: 27.

تأمل العواقب !

ومن اتصف بها فسدت نفسه وزال عنها صلاحها، وطبع على قلبه بالران: ( كَذَ ٰلِكَ یَطۡبَعُ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ قَلۡبِ مُتَكَبِّر جَبَّار ) غافر: 35، وقال جل جلاله: ( إِن فِی صُدُورِهِمۡ إِلَّا كِبۡر مَّا هُم بِبَـٰلِغِیهِۚ  ) غافر: 56.

وإمام المتكبرين إبليس: ( إِلَّاۤ إِبۡلِیسَ ٱسۡتَكۡبَرَ وَكَانَ مِنَ ٱلۡكَـٰفِرِینَ ) ص: 74، وهي صفات الملوك الطغاة، كفرعون ومن على شاكلته من الطغاة، ( وَٱسۡتَكۡبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُۥ فِی ٱلۡأَرۡضِ بِغَیۡرِ ٱلۡحَقِّ ) القصص: 39.

ومن زاد ماله وكثر عياله وبارز الله بهما، فقد تسلل الكبر إلى قلبه فمنعه من قبول الحق، كالوليد ابن المغيرة، ( ثُمَّ أَدۡبَرَ وَٱسۡتَكۡبَرَ ) المدثر: 23.

والكبر: سبب هلاك الامم المكذبة بالحق: ( فَأَمَّا عَاد فَٱسۡتَكۡبَرُوا۟ فِی ٱلۡأَرۡضِ بِغَیۡرِ ٱلۡحَقِّ ) فصلت: 15.

وقال عز وجل عن قوم صالح عليه السلام: ( قَالَ ٱلَّذِینَ ٱسۡتَكۡبَرُوۤا۟ إِنَّا بِٱلَّذِیۤ ءَامَنتُم بِهِۦ كَـٰفِرُونَ ) الأعراف: 76.

ومآل المتكبرين: جهنم وبئس المصير: ( أَلَیۡسَ فِی جَهَنَّمَ مَثۡوى لِّلۡمُتَكَبِّرِینَ ) الزمر: 60.

وجاء عند الترمذي: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” يحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر في صور الرجال، يغشاهم الذل من كل مكان، يساقون إلى سجن في جهنم يقال له: بولس، تعلوهم نار الأنيار، يسقون من عصارة أهل النار طينة الخبال ” حديث صحيح، أعاذنا الله منها.

الدواء :

ومن اعتراه الكبر فلينظر في باطنه نظر العقلاء، ولا ينظر الى ظاهره نظر البهائم !

وليتذكر اصل وجوده ومن أين خرج ؟ ونهايته في هذه الدنيا، جيفة منتنة !

حكى: ان مطرف بن عبد الله بن الشخير نظر الى المهلب بن أبي صفرة وعليه حلة يسحبها ويمشي الخيلاء، فقال: يا ابا عبد الله ! ما هذه المشية التي يبغضها الله ورسوله ؟

فقال المهلب: أما تعرفني ؟

فقال: بل أعرفك، اولك نطفة مذرة، وآخرك جيفة قذرة، وحشوكك فيما بين ذلك بول وعذرة.

لو فكر الناس فيما في بطونهم ما استشعر الكبر شبان ولا شيب

قال المناوي رحمه الله: فينبغي للإنسان أن لا يحتقر أحدا ً فربما كان المحتقر أطهر قلبا ً وأزكى عملا ً وأخلص نية، فإن احتقار عباد الله يورث الخسران ويورث الذل والهوان.

قال ابن تيمية: العاصي الخائف خير من العابد المتكبر.

وعلى العاقل بالتواضع ومجالسة العلماء وضعاف الناس وعيادة المرضى ومشاهدة المحتضرين وأهل البلاء، والنظر في سير المتكبرين وأخبارهم، كيف كانوا ؟ وإلى أي شيء صاروا ؟

كأنك لم تسمع بأخبار من مضى ولم تر في الباقين ما يصنع الدهر 

فإن كنت لا تدري فتلك ديارهم محاها مجال الريح بعدك والقبر

اللهم انا نسألك باسمك المتكبر، أن ترحم ضعفنا وتستر عيبنا، وتغفر ذنبنا، ولا تجعلنا من المتكبرين يا رب العالمين.

ساهم في التعريف بأسماء الله الحسنى

انت المشاهد رقم