جاء في سنن النسائي عن هانئ: انه لما وفد الى رسول الله صلى الله عليه وسلم سمعه (أي الوفد) وهم يكنون هانئا ً: أبا الحكم، فدعاه الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: ” ان الله هو الحكم وإليه الحكم، فلم تكنى أبا الحكم ؟ ” فقال: إن قومي اذا اختلفوا في شيء أتوني فحكمت بينهم فرضى كلا الطرفين، فقال رسول الله صلى عليه وسلم : ” ما أحسن من هذا ؟ فما لك من الولد ؟ ” قال: لي شريح ومسلم وعبدالله، قال: فمن أكبرهم ؟ قلت: شريح، قال ” فأنت أبو شريح “. حديث صحيح.

من أسماء ربنا عز وجل ( الحكم والحكيم ) قال الله تعالى ( هُوَ ٱلَّذِی یُصَوِّرُكُمۡ فِی ٱلۡأَرۡحَامِ كَیۡفَ یَشَاۤءُۚ لَاۤ إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلۡعَزِیزُ ٱلۡحَكِیمُ ) آل عمران: 6 ، وقال سبحانه وتعالى ( أَلَا لَهُ ٱلۡحُكۡمُ وَهُوَ أَسۡرَعُ ٱلۡحَـٰسِبِینَ ) الأنعام: 62 .

والحكيم له معنيان : 

الأول: الذي أحكم الأشياء وأتقنها، والله تعالى حكيم لأنه أحكم أقواله وأفعاله، فأقواله وأفعاله صواب كلها، بلغت عيان الإتقان.

ومن الإتقان فيها الذي هو غاية الحكمة وضعه كل شيء في موضعه، فقد دبر خلقه احسن التدبير وصنع مخلوقاته أحسن الصنع، فلا يدخل في تدبيره وتقديره خلل ، ولا يعتري صنعه نقص أو قصور، ولا يقع في أفعاله زلل ولا خطأ، وصدق الله تعالى ( صُنۡعَ ٱللَّهِ ٱلَّذِیۤ أَتۡقَنَ كُلَّ شَیۡءٍۚ ) النمل: 88 .

وكما أحكم خلقه عز وجل أحكم آيات كتابه وهو القران الكريم فقال عز وجل ( وَمَاۤ أَرۡسَلۡنَا مِن قَبۡلِكَ مِن رَّسُول وَلَا نَبِیٍّ إِلَّاۤ إِذَا تَمَنَّىٰۤ أَلۡقَى ٱلشَّیۡطَـٰنُ فِیۤ أُمۡنِیَّتِهِۦ فَیَنسَخُ ٱللَّهُ مَا یُلۡقِی ٱلشَّیۡطَـٰنُ ثُمَّ یُحۡكِمُ ٱللَّهُ ءَایَـٰتِهِۦۗ وَٱللَّهُ عَلِیمٌ حَكِیم ) الحج: 52 ، ووصف كتابه بأنه حكيم ( تِلۡكَ ءَایَـٰتُ ٱلۡكِتَـٰبِ ٱلۡحَكِیمِ ) لقمان: 2 .

والمعنى الثاني للحكيم: أنه عز وجل الحكم والحاكم بين عباده، فالله عز وجل هو الحكم والحاكم بين عباده، أي يقضي بينهم ويفصل بينهم بشرعه .

وقد اختص نفسه بالحكم فلا يجوز لأحد أن يتعدى على ما اختص به نفسه، فالله عز وجل قال: ( قُلۡ إِنِّی عَلَىٰ بَیِّنَة مِّن رَّبِّی وَكَذَّبۡتُم بِهِۦۚ مَا عِندِی مَا تَسۡتَعۡجِلُونَ بِهِۦۤۚ إِنِ ٱلۡحُكۡمُ إِلَّا لِلَّهِۖ یَقُصُّ ٱلۡحَقَّۖ وَهُوَ خَیۡرُ ٱلۡفَـٰصِلِینَ ) الأنعام: 57 ، وقال عز وجل ( أَلَا لَهُ ٱلۡحُكۡمُ وَهُوَ أَسۡرَعُ ٱلۡحَـٰسِبِینَ) الأنعام: 62 .

واتخذ الله حكما وحاكما ً يكون بتحكيم كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم في حال الاختلاف، فالله قال ( وَمَا ٱخۡتَلَفۡتُمۡ فِیهِ مِن شَیۡء فَحُكۡمُهُۥۤ إِلَى ٱللَّهِۚ ) الشورى: 10 .

والله عز وجل هو المستحق لأن يكون حكما ً بين عباده لأنه ربهم وخالقهم ومعبودهم، ( أَفَغَیۡرَ ٱللَّهِ أَبۡتَغِی حَكَما وَهُوَ ٱلَّذِیۤ أَنزَلَ إِلَیۡكُمُ ٱلۡكِتَـٰبَ مُفَصَّلاۚ وَٱلَّذِینَ ءَاتَیۡنَـٰهُمُ ٱلۡكِتَـٰبَ یَعۡلَمُونَ أَنَّهُۥ مُنَزَّل مِّن رَّبِّكَ بِٱلۡحَقِّۖ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡمُمۡتَرِینَ ) الأنعام: 114 .

وربنا أحكم الحاكمين، فهو عز وجل العالم بكل شيء والذي يعطي كل مسألة الحكم الذي يناسبها، فالله عز وجل قد قال: ( وَٱتَّبِعۡ مَا یُوحَىٰۤ إِلَیۡكَ وَٱصۡبِرۡ حَتَّىٰ یَحۡكُمَ ٱللَّهُۚ وَهُوَ خَیۡرُ ٱلۡحَـٰكِمِینَ ) يونس: 109 .

والمؤمن لا يكون مؤمنا ً حتى يكون مسلما ً لشرع الله، محتكما ً إليه، مستسلما ً لما جاء فيه، فالله سبحانه  وتعالى قد قال: ( فَلَا وَرَبِّكَ لَا یُؤۡمِنُونَ حَتَّىٰ یُحَكِّمُوكَ فِیمَا شَجَرَ بَیۡنَهُمۡ ثُمَّ لَا یَجِدُوا۟ فِیۤ أَنفُسِهِمۡ حَرَجا مِّمَّا قَضَیۡتَ وَیُسَلِّمُوا۟ تَسۡلِیما ) النساء: 65 .

ولا فلاح لأمة تدعي الإسلام إلا بتحكيم شرع الله .

مكافأة من الحكيم ..

ومن رُزق الحكمة فقد رزق خيرا ً كثيرا ً والله يؤتيها من يشاء من عباده، ( وَلَقَدۡ ءَاتَیۡنَا لُقۡمَـٰنَ ٱلۡحِكۡمَةَ أَنِ ٱشۡكُرۡ لِلَّهِۚ وَمَن یَشۡكُرۡ فَإِنَّمَا یَشۡكُرُ لِنَفۡسِهِۦۖ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَنِیٌّ حَمِید ) لقمان: 12 ، وجميع الانبياء قد اعطوا الحكمة وتفاضل بعضهم على بعض فيها .

جاء الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ” كانت امرأتان معهما ابناهما، جاء الذئب بابن احداهما، فقالت لصاحبتها، إنما ذهب بابنك، وقالت الأخرى: إنما ذهب بابنك .

فتحاكمتا إلى داود عليه السلام: فقضى للكبري فخرجتا على سليمان بن داود عليه السلام فأخبرتاه، فقال: ائتوني بالسكين أشقه بينهما.

فقالت الصغرى: لا تفعل يرحمك الله – هو ابنها: فقضى به للصغرى”.

اطمئن !

وتذكر: أن لله الحكمة البالغة فلا يعطي إلا لحكمة، ولا يمنع إلا لحكمة، واختيار الله لك خير من اختيارك لنفسك، ( وَكَانَ بِٱلۡمُؤۡمِنِینَ رَحِیما ) الأحزاب: 43 .

قال سفيان الثوري: منعه عطاء، وذلك أنه لم يمنع عن بخل ولا عدم وانما نظر في خير العبد فمنعه اختيارا ً وحسن نظر ، فربما تطلب ما لا تحمد عاقبته، وربما كان في حتفك !

قال ابن مسعود رحمه الله: ان العبد ليهم بالامر من التجارة والإمارة حتى ييسر له، فينظر الله إليه فيقول للملائكة، اصرفوه عنه، فإنه ان يسرته له أدخلته النار، فيصرفه الله عنه، فيظل يتطير يقول: سبقني فلان ، دهاني فلان، وما هو إلا فضل الله عز وجل.

وروي عن بعض السلف أن رجلا كان يسأل الله الغزو، فسمع هاتفا ً في المنام ” إنك ان غزوت أُسرت، وإن أُسرت، تنصرت ، ( وَٱللَّهُ یَعۡلَمُ وَأَنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ ) البقرة: 216 .

تبارك فهو الله جل جلاله جواد كريم كامل لا يُمثل 

حكيم فيقضي ما يشاء بحكمه حليم فلا يخشى فواتا ً فيعجل

إياك !

ثم إياك أن تسيء الظن بالله اذا خفيت عليك الحكمة وانسب الجهل الى نفسك ! فإن العقول قاصرة عن مطالعة حكمته، فالملائكة مع قربهم من الله وعلمهم بجلاله وقدرته لم يعلموا حكمته في إنزال آدم إلى الأرض، فقالوا : ( وَإِذۡ قَالَ رَبُّكَ لِلۡمَلَـٰۤىِٕكَةِ إِنِّی جَاعِل فِی ٱلۡأَرۡضِ خَلِیفَةۖ قَالُوۤا۟ أَتَجۡعَلُ فِیهَا مَن یُفۡسِدُ فِیهَا وَیَسۡفِكُ ٱلدِّمَاۤءَ وَنَحۡنُ نُسَبِّحُ بِحَمۡدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَۖ قَالَ إِنِّیۤ أَعۡلَمُ مَا لَا تَعۡلَمُونَ ) البقرة: 30 .

فكن مع الله صامتا ً عند مجيء قدره وفعله حتى يريك ألطافا ً كثيرة.

قال عمر رضي الله عنه: لو كشفت لنا حجب الغيب ما اختار أحدنا لنفسه إلا ما اختاره الله له .

في صلح الحديبية يأتي عمر رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ! ألسنا على حق وهم على باطل ؟ 

قال: بلى، قال: أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار ؟؟ 

قال: بلى، قال: ففيم نعطى الدنية في ديننا ونرجع لما يحكم الله بيننا وبينهم ؟؟ 

فقال: يا ابن الخطاب ! إني رسول الله ولن يضيعني الله أبدا ً ، فأنزل الله سورة الفتح، فعلم الناس أن الصلح، فتح. أخرجه البخاري ومسلم.

رفعت الأقلام وجفت الصحف، وقضي الأمر وكتبت المقادير، ( قُل لَّن یُصِیبَنَاۤ إِلَّا مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَنَا هُوَ مَوۡلَىٰنَاۚ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلۡیَتَوَكَّلِ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ) التوبة: 51 .

والله أرحم الراحمين، وهو خير الحاكمين فأبشر بفرج عاجل فبعد الدمعة بسمة، وبعد الخوف أمن، وبعد الفزع سكينة، ولكن عليك بتقوى الله .

قال الألوسي: من اتقى الله عز وجل تفجرب ينابيع الحكمة من قلبه، وانكشفت له دقائق الأسرار حسب تقواه، ( یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَأۡكُلُوا۟ ٱلرِّبَوٰۤا۟ أَضۡعَـٰفا مُّضَـٰعَفَةۖ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ ) آل عمران: 130 .

اللهم يا أحكم الحاكمين ! افتح لنا أبواب حكمتك، ورضنا بما قسمت لنا، فأنت العليم الحكيم . 

ساهم في التعريف بأسماء الله الحسنى

انت المشاهد رقم