قال ابن الجوزي رحمه الله: فمن أصلح سريرته فاح عبير فضله، وعبقت القلوب بنشر طيبه، فالله الله في السرائر فإنه لا ينفع مع فسادها صلاح ظاهر .

وقال أبو حفص النيسابوري رحمه الله : إذا جلست للناس فكن واعظا ً لقلبك ونفسك، ولا يغرنك اجتماعهم عليك، فإنهم يراقبون ظاهرك والله يراقب باطنك.

من أعلى المقامات عند الله استشعار المؤمن رقابة ربه عز وجل وأن الله مراقبه، قال الله مثنيا ً على ذاته العلية: ( إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَیۡكُمۡ رَقِیبا ) النساء: 1

فربنا عز وجل الرقيب المطلع على ما أكنته الصدور، وهو الحافظ الذي لا يغيب عنه شيء.

وربنا العالم بما في الضمائر، على أكنه السرائر ولحظات العيون، القائم على كل نفس بما كسبت.

وربنا رقيب راصد لأعمال العباد وكسبهم.

وهو رقيب حافظ، لا يغيب عما يحفظ، حفظ المخلوقات وأجراها على احسن نظام وأكمل تدبير.

وهو الرقيب على الخواطر واللوا حظ كيف بالأفعال والأركان 

( وَمَا یَعۡزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثۡقَالِ ذَرَّة فِی ٱلۡأَرۡضِ وَلَا فِی ٱلسَّمَاۤءِ وَلَاۤ أَصۡغَرَ مِن ذَ ٰلِكَ وَلَاۤ أَكۡبَرَ إِلَّا فِی كِتَـٰب مُّبِینٍ ) يونس: 61 ، وهو جل جلاله عالم بحالات العبد وتقلباته في ليله ونهاره وسره وجهره، وحضره وسفره.

فالرقيب سبحانه وتعالى سمع ويرى، بل يعلم المكنون في الصدور قبل أن تنطق الشفاه وتكتب الاقلام في السطور.

أحاط علمه المطلق بكل موجود واطلاعه التامم على كل مخلوق، فلا يند عن علمه شيء، ولا يعزب عن اطلاعه شيء، ولا يفوت عن احاطته شيء، لا الغائب تستره غيبته عن الرقيب جل جلاله، ولا الخافي يحجبه خفاؤه عن العظيم، النجوى عنده جهر والسر عنده علانية والخفاء عنده مكشوف.

أفلح ..

جاء في المستدرك: أن رجلا ً جاء الى رسول الله صلى الله عليه وسلم: فقال يا رسول الله ! اقرئني سورة جامعة ؟ فأقرأه رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إِذَا زُلۡزِلَتِ ) الزلزلة: 1 ، حتى فرغ منها فقال الرجل: والذي بعثك بالحق ! لا أزيد عليه أبدا ً .

ثم أدبر الرجل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” أفلح الرويجل ” صححه الحاكم والذهبي.

وفي مسند الامام احمد من حديث صعصعة بن معاوية أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقرأ عليه: ( فَمَن یَعۡمَلۡ مِثۡقَالَ ذَرَّةٍ خَیۡرا یَرَهُۥ ۝ وَمَن یَعۡمَلۡ مِثۡقَالَ ذَرَّة شَرّا یَرَهُۥ ۝ ) الزلزلة: 7 – 8 ، فقال: ” حسبي ! لا أبالي أن لا أسمع غيرها ” حسن، الأرناؤوط.

آية واحدة تجعل الانسان فقيها ً قريبا ً من ربه كلما تلاه هذه الآية وطبقها: ( إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَیۡكُمۡ رَقِیبا ) النساء: 1

فالمؤمن يعلم أن الله جل جلاله رقيبه وشاهده في كل شيء، فنجده يراقب حتى أنفاسه ويجعل عمله خالص لربه، ويراقب الله في كل شيء، استشعر رقابة ربه، فبلغ مقام الاحسان، ( قُلۡ إِنَّ صَلَاتِی وَنُسُكِی وَمَحۡیَایَ وَمَمَاتِی لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَـٰلَمِینَ ) الأنعام: 162 .

قال العلماء: من أفضل الطاعات، مراقبة الله على الدوام، وفي كل وقت .

معية الله ..

وبقدر مراقبة الله سبحانه وتعالى في حياتك، تكون معية الله لك .

فراقب مولاك قبل الطاعة، وفي الطاعة، وعند المباحات وعند المعصية، أما قبل الطاعة، فتكون بمراقبة النية وإصلاحها، لقوله صلى الله عليه وسلم: ” وإنما لكل امرئ ما نوى ” أخرجه البخاري.

وفي الطاعات: بأن تستمر المراقبة لله وتكون خالصة لوجهه.

وأما عند المباحات فتكون بمراعاة الأدب والشكر على النعم.

وعند المعصية: بألا تتجرأ على الله وتتعدى حدوده، فالمؤمن سريع العودة إلى مولاه بالتوبة والإنابة والإقلاع: ( وَسَارِعُوۤا۟ إِلَىٰ مَغۡفِرَة مِّن رَّبِّكُمۡ ) آل عمران: 133 .

فإذا راقبت الله سبحانه وتعالى عند هذه الأحوال، كانت الثمرة انشراحا ً للصدر وقرة للعين .

همسة ..

لما قال الله عز وجل: ( إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَیۡكُمۡ رَقِیبا ) النساء: 1، وقال: ( وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡء رَّقِیبا ) الاحزاب: 52 ، فإنه يخاطبنا خطابا ً خاصا ً ويقول لنا: يا عبدي! أتظن أنك اذا فلحت في ستر معاصيك عن الناس أنك تفلح في النجاة مني ؟؟

ويعظم هذا الخطاب خاصة في هذا الزمن: الذي كثرت فيه الفتن، وسهل الوصول إليها.

قيل: أقوى عامل لبناء الذات هو: مراقبة الله، وأقوى عامل لهدم الذات هو مراقبة الناس.

إذا ما خلوت الدهر يوما فلا تقل خلوت ولكن قل عليّ رقيب 

ولا تحسبن الله يغفل ساعة ولا أن ما يخفى عليه يغيب

اللهم ! إنا نسألك باسمك الرقيب: ان تجعلنا من أوليائك ونسألك خشيتك في الغيب والشهادة، والقصد في الفقر والغنى، والعدل في الغضب والرضا.

ساهم في التعريف بأسماء الله الحسنى

انت المشاهد رقم