أين الله ؟
في صحيح مسلم عن الصحابي الجليل معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه قال: كانت لي جارية ترعى غنما ً لي قبل أحد، فاطلعت ذات يوم فإذا الذيب قد ذهب بشاة من غنمها، وأنا رجل من بني آدم، آسف ( أغضب ) كما يأسفون لكني صككتها صكة.
فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعظم ذلك علي، قلت: يا رسول الله أفلا أعتقها؟ قال: ” ائتني بها ” فأتيته بها، فقال لها: ” أين الله؟ ” قالت: في السماء، قال: ” من أنا؟ ” قالت: أنت رسول الله، قال: ” أعتقها فإنها مؤمنة “.
ومعنى كون الله في السماء: اي في العلو فوق السماء، و(في) بمعنى (على) كما جاء هذا المعنى في قوله سبحانه وتعالى: ( وَلَأُصَلِّبَنَّكُمۡ فِی جُذُوعِ ٱلنَّخۡلِ ) طه: 71، ولا يتوهم ان السماء تحيط بالله، فالله أعظم من أن يحيط به شيء من خلقه.
وأقف هنا أيها القارئ فأقول: هل يجوز وصف الله سبحانه وتعالى بضد ما وصف به نفسه، كوجود الله في كل مكان ؟
قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى: وهو سبحانه وتعالى وصف نفسه بالعلو، وهو من صفات المدح له بذلك والتعظيم، لأنه من صفات الكمال كما يمدح نفسه بأنه العظيم والعليم والقدير والعزيز والحليم ونحو ذلك، وأنه الحي القيوم، ونحو ذلك من معاني أسمائه الحسنى.
فلا يجوز أن يتصف بأضداد هذه، فلا يجوز أن يوصف بضد العلو وهو: السفول، ولا بضد القوي وهو: الضعيف.
بل هو سبحانه وتعالى منزه عن هذه النقائص لصفات الكمال الثابتة له.
هذا ومن توحيدهم إثبات أوصاف الكمال لربنا الرحمن
كعلوه سبحانه فوق السماوات العلى بل فوق كل مكان
فهو العلي بذاته سبحانه إذ يستحيل خلاف ذا ببيان
وهو الذي حقا ً على العرش استوى قد قام بالتدبير للأكوان
قال عز وجل: ( إِنَّ رَبَّكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِی خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ فِی سِتَّةِ أَیَّام ثُمَّ ٱسۡتَوَىٰ عَلَى ٱلۡعَرۡشِۖ ) الأعراف: 54.
وذكر الله عز وجل في كتابه نزول جبريل والملائكة: ( تَنَزَّلُ ٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةُ وَٱلرُّوحُ فِیهَا بِإِذۡنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمۡر ) القدر: 4، والتنزيل لا يكون إلا من العلو.
وذكر سبحانه وتعالى أن الملائكة تعرج إليه وتصعد، ( تَعۡرُجُ ٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةُ وَٱلرُّوحُ إِلَیۡهِ فِی یَوۡم كَانَ مِقۡدَارُهُۥ خَمۡسِینَ أَلۡفَ سَنَة ) المعارج: 4.
وذكر سبحانه وتعالى أن الأعمال الصالحة والكلام الطيب إليه يصعدان: ( إِلَیۡهِ یَصۡعَدُ ٱلۡكَلِمُ ٱلطَّیِّبُ وَٱلۡعَمَلُ ٱلصَّـٰلِحُ یَرۡفَعُهُۥۚ ) فاطر: 10.
فإلى من ترفع الأعمال.
وإذا كان ربنا سبحانه بنفسه في كل مكان فما يصنع بالتنزيل؟ تعالى الله عما يقولون علوا ً كبيرا ً.
فربنا عز وجل تعالى عن الشبيه والنظير والمثيل والعديل.
وربنا عز وجل تعالى عن الصاحبة والولد: ( وَأَنَّهُۥ تَعَـٰلَىٰ جَدُّ رَبِّنَا مَا ٱتَّخَذَ صَـٰحِبَة وَلَا وَلَدا ) الجن: 3.
وربنا عز وجل تعالى عن الشريك في ألوهيته: ( فَلَمَّاۤ ءَاتَىٰهُمَا صَـٰلِحا جَعَلَا لَهُۥ شُرَكَاۤءَ فِیمَاۤ ءَاتَىٰهُمَاۚ فَتَعَـٰلَى ٱللَّهُ عَمَّا یُشۡرِكُونَ ) الأعراف: 190.