إذا شكوت الحاجة، فالجأ الى الصمد، وإذا جافاك العز وابتدرك الذل فاطرق باب الصمد، وإذا سرى الضعف في جسدك فاستمد القوة من الصمد.
إنه الواحد الذي لا يضاهي في معاني اسمائه والصفات
صمد تصمد البرايا إليه وأنيس الضمائر الموحشات
اسم الله (الصمد) قليل الورود والذكر، لكنه ذو جلال خاص.
قال الله عز وجل: ( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4) ) سورة الاخلاص.
فربنا عز وجل الذي تقصده الخلائق كلها إنسها وجنها بل العالم بأسره العلوي والسفلي وتقصد اليه في الرغائب وتستغيث به عند المصائب.
وربنا عز وجل هو السيد الذي كمل في سؤدده، الشريف الذي كمل في شرفه، والعظيم الذي كمل في عظمته، والحليم الذي كمل في حلمه، والغني الذي كمل في غناه، وهذه الصفات لا تنبغي إلا له عز وجل.
وربنا عز وجل هو الذي لا جوف له، فلا يأكل ولا يشرب وهو يطعم ولا يطعم، المستغني عما سواه، الذي يحتاج إليه كل ما عداه عز وجل، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير.
الجواب الكافي ..
ذكر البيهقي وحسنه الحافظ من حديث ابن عباس رضي الله عنهما ان اليهود جاؤوا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا محمد ! انسب لنا ربك الذي بعثك ؟ فأنزل الله عز وجل قوله: ( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4) ) سورة الاخلاص.
سورة قصيرة جمعت صفات الكمال من نعوت العظمة والجلال.
ولعظمتها فإن من قرأها فكأنما قرأ ثلث القرآن، ففي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه: ” أيعجز أحكم أن يقرأ في ليلة ثلث القرآن ؟ ” قالوا: وكيف يقرأ ثلث القران ؟ قال: ” ( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ) الإخلاص: 1، تعدل ثلث القران ” هذا لفظ مسلم.
قال بعض العلماء: إن القرآن أنزل ثلاثا ً: ثلث منه احكام، وثلث منه وعد ووعيد، وثلث منه أسماء وصفات، وسورة الصمد جمعت أحد الثلاثة وهي: الاسماء والصفات، لذا جعل أجر قراءتها كثلث القران.
وفي صحيح البخاري: أن صحابيا ً كان يقرأ لأصحابه في صلاتهم كلها بـ ( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ) الإخلاص: 1، فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: ” سلوه لأي شيء يصنع ذلك ؟ ” فسألوه: فقال لأنها صفة الرحمن فأنا أحب أن أقرأ بها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” أخبروه أن الله يحبه “.
تسليم القلب ..
هذا الحب في نفوس الصالحين جعل المحبين يبحثون عن حب مولاهم..
هذا الحب في قلوب العباد لا يشبعه إلا الانحناء له، والطواف ببيته، والوقوف بين يديه، والقيام من النوم لأجله، وبذل المهج في سبيله.
ولا تطمئن قلوب المحبين إلا بذكره، وأرواح المشتاقين لا تسكن إلا برؤيته.
إذا مرضنا تداوينا بذكركم فنترك الذكر أحيانا ً فننتكس
فهؤلاء صمدوا إلى الله في الرخاء، فعرفهم في الشدة، وبقدر الصمود تكون الرفعة والفرج.
فهذا نبي الله ابراهيم عليه السلام تمر به عدة بلاءات، فيرفعه الله عز وجل بها، حتى استحق من الله منزلة الخلة، قال عز وجل ( وَٱتَّخَذَ ٱللَّهُ إِبۡرَ ٰهِیمَ خَلِیلا ) النساء: 125.
وهذا أيوب إمام أهل البلاء، وعمدة أهل المرض والابتلاء، لما صمد إلى ربه عز وجل بقوله، ( أَنِّی مَسَّنِیَ ٱلضُّرُّ وَأَنتَ أَرۡحَمُ ٱلرَّ ٰحِمِینَ ) الأنبياء: 83 ، فكان الجواب من الصمد: ( فَٱسۡتَجَبۡنَا لَهُۥ فَكَشَفۡنَا مَا بِهِۦ مِن ضُرّۖ ) الأنبياء: 84.
وهذا يونس عليه السلام في بطن الحوت، وفي ظلمات ثلاث يصمد إلى ربه بقوله: ( لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ ۚ وَكَذَٰلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ (88) ) الأنبياء: 87 – 88 .
وهذا حال جميع الأنبياء عليهم السلام والصالحين من الناس .. عرفوا الله في الرخاء فعرفهم في الشدة.
هلا استجابوا ؟؟
ثم إن ربك الصمد عز وجل فتح بابه ليس فقط للأولياء بل لجميع الخلق.
وهذا من لطفه ورحمته وكرمه، فهؤلاء المشركون لما ضاقت عليهم الدنيا وأروا الموت المحقق، صمدوا إلى الله عز وجل، ونادوا يا الله .. يا الله ! فإذا بالنجاة ( فَإِذَا رَكِبُوا۟ فِی ٱلۡفُلۡكِ دَعَوُا۟ ٱللَّهَ مُخۡلِصِینَ لَهُ ٱلدِّینَ فَلَمَّا نَجَّىٰهُمۡ إِلَى ٱلۡبَرِّ إِذَا هُمۡ یُشۡرِكُونَ ) العنكبوت: 65.
وهم يقرون بذلك، فالعالم بأسره، إذا لم يصمدوا إلى الله رغبة، صمدوا إليه بسوط الاضطرار.
اطمأن ..
وقد استجاب الله عز وجل للكافرين في اضطرارهم، فكيف بمن شهد لله بالوحدانية وللنبي صلى الله عليه وسلم بالرسالة ؟؟
فإذا نزلت بك حاجة فاصمد إليه، وأنزل فاقتك عند بابه، ونادٍ: يا صمد فرج ما بي ! فلا تضق ذرعا ً بهمك او بمرضك او بدينك، فربك الصمد الذي إذا التجأت إليه لن يخيبك ولن يخذلك وتذكر أن أفضل العبادة انتظار الفرج، ودوام الحال من المحال، والدهر قلب والليالي حبالى، والغيب مستور، وإن مع العسر يسرا ً .
جاء في سنن أبي داود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل المسجد وسمع رجلا ً يدعوا: اللهم اني أسألك يا الله الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا ً أحدا ً، أن تغفر لي ذنوبي، إنك أنت الغفور الرحيم.
فقال عز وجل: قد غفر له .. قد غفر له ” ثلاثا ً – حديث صحيح.
وفي رواية: ” لقد سألت الله بالاسم الذي إذا سئل به أعطى، وإذا دعي به أجاب ” حديث صحيح، رواه أبو داود.
رحماك يا رب العباد رجائي ورضاك قصدي فاستجب لدعائي
ناديت باسمك يا إلهي ضارعا ً إن لم تجبني فمن يجيب بكائي ؟
أنت الكريم فلا تدعني تائها ً فلقد عييت من البعاد النائي
ولقد رجوتك يا إلهي ضارعا ً متذللا ً فلا ترد رجائي
اللهم يا واحد .. يا أحد .. يا صمد .. نسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل.